الحريري يحسم موقفه اليوم من الترشح لرئاسة الحكومة

في ضوء نتائج المشاورات مع الكتل النيابية

النائب السابق سليمان فرنجية خلال اجتماعه أمس مع النائبة بهية الحريري في إطار مشاورات «المستقبل» مع الكتل النيابية (المستقبل)
النائب السابق سليمان فرنجية خلال اجتماعه أمس مع النائبة بهية الحريري في إطار مشاورات «المستقبل» مع الكتل النيابية (المستقبل)
TT

الحريري يحسم موقفه اليوم من الترشح لرئاسة الحكومة

النائب السابق سليمان فرنجية خلال اجتماعه أمس مع النائبة بهية الحريري في إطار مشاورات «المستقبل» مع الكتل النيابية (المستقبل)
النائب السابق سليمان فرنجية خلال اجتماعه أمس مع النائبة بهية الحريري في إطار مشاورات «المستقبل» مع الكتل النيابية (المستقبل)

أكد زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن استعداد القوى السياسية لتبنّي المبادرة الفرنسية يشكّل نقطة تحوّل في مسار الأزمة اللبنانية لوقف الانهيار المالي والاقتصادي وإعادة إعمار بيروت. وقال إن تبنّيها يجب أن يُترجم هذه المرة بخطوات عملية وتشكيل «حكومة مهمة» من اختصاصيين ومستقلين تضع في أولوياتها إخراج البلد من الهاوية.
ولفت الحريري - كما نقل عنه زواره لـ«الشرق الأوسط» - إلى أنه يضع نفسه في خدمة المبادرة الفرنسية، ليس لتعويمها فحسب، وإنما لأنها تشكل خريطة الطريق لإنقاذ البلد كونها تنطلق من برنامج سياسي واقتصادي متكامل ببنود واضحة يمكن اعتمادها كأساس للبيان الوزاري للحكومة العتيدة.
واستبعدت مصادر سياسية أن يكون الحريري في وارد الطلب بتأجيل الاستشارات النيابية المُلزمة التي يجريها غداً الرئيس ميشال عون مع الكتل النيابية لتسمية الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، وقالت إن هذا الأمر يعود لرئيس الجمهورية كونه من صلاحياته الدستورية.
وأكدت أن الحريري الذي يرأس يومياً الاجتماعات المفتوحة لكتلته النيابية سيقرّر مساء اليوم موقفه النهائي لجهة الانتقال من كونه المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة إلى الترشُّح لتوليها، وقال إنه سيحسم موقفه في ضوء ما أسفرت عنه جولة المشاورات التي تولتها الكتلة.
ونقلت مصادر نيابية عن رئيس الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري ارتياحهما للأجواء الإيجابية التي سادت اجتماعهما بالحريري، خصوصاً لجهة التزامهما بالمبادرة الفرنسية، وأملت أن تؤسس هذه الأجواء للانتقال بالبلد من مرحلة التأزُّم إلى مرحلة تؤشّر لبداية الانفراج للسيطرة على الانهيار الاقتصادي والمالي والانتقال إلى مرحلة التعافي ولو على مراحل.
وتعلّق مصادر سياسية أهمية على المشاورات التي يجريها وفد من كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة بهية الحريري مع الكتل النيابية التي شاركت في اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، وتقول إن النتائج التي ستسفر عنها ستحدد الاتجاه العام للمبادرة الفرنسية لجهة مدى استعداد هؤلاء للسير عملياً بها. وتقول إن هذه المشاورات تهدف إلى فتح ثغرة في جدار الأزمة تقود إلى تشكيل حكومة مهمة باحتضان القوى السياسية لها طالما أنها لمرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر.
وتؤكد المصادر نفسها أن الحريري يواكب المشاورات التي يتولاها وفد نيابي من كتلة «المستقبل» ليكون على بيّنة حيال مدى استعداد القوى السياسية لإنقاذ المبادرة الفرنسية، بالتزامهم بتنفيذ البرنامجين الاقتصادي الإصلاحي والسياسي، وتقول إن الوضع المتأزّم في البلد بلغ ذروته ولم يعد يحتمل لجوء البعض إلى رفع السقوف وإصرار البعض الآخر على المماطلة وكسب الوقت.
وترى أن إنقاذ المبادرة الفرنسية يتطلّب من الجميع تقديم التسهيلات لإنجاحها وهذا يشترط من الجميع وبدءاً من الحريري بأن يقرأوا في كتاب واحد في ترجمتهم العملية للبنود الواردة فيها، وتؤكد أن مجرد تجويفها من بعض بنودها سيؤدي للعودة بالبلد إلى نقطة الصفر.
وتشدّد هذه المصادر على أن المبادرة الفرنسية ليست خاضعة للتعديل طالما أنه تقرر ترحيل النقاط السياسية التي يمكن أن تجر البلد إلى اشتباك سياسي إلى ما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وتحذّر من لجوء أي فريق إلى التعاطي باستنسابية مع هذه المبادرة، أي أن تأخذ منها ما تريده وتدير ظهرها لكل ما يتعارض مع مصالحها.
وتلفت إلى أن الحريري وضع نفسه في خط الدفاع الأول عن المبادرة الفرنسية باعتبارها الفرصة الأخيرة والوحيدة المتاحة لإنقاذ البلد من جهة، ولأنه يعتبر أن عليه مسؤولية معنوية كونه كان بالتوافق مع رؤساء الحكومة السابقين سمى السفير مصطفى أديب لتولي رئاسة الحكومة، وبالتالي فإن اعتذاره يحمّله مسؤولية المضي في تبنّي المبادرة بلا شروط.
ورداً على سؤال، قالت المصادر نفسها إن الحريري لن يدخل على الأقل في المدى المنظور في سجال مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على خلفية المواقف التي أعلنها في المقابلة التلفزيونية التي أُجريت معه وأبرزها رفضه استقبال وفد كتلة «المستقبل» لأن وليد جنبلاط لا يعالج هكذا.
فجنبلاط الذي وجّه رشقه السياسي في كل الاتجاهات، وإن بدرجة أقل باتجاه بري، احتجاجاً على أن الطائفة الدرزية لا تُعامل كطائفة من الطوائف المؤسِّسة، فإنه في المقابل لم يقفل الباب نهائياً في وجه التفاوض، وإلا لماذا أصر على أن تكون وزارة الصحة من حصة الدروز.
لذلك، فإن حلفاء جنبلاط وخصومه اعتادوا على استهدافهم بقصفه السياسي، وأيضاً على إصلاح ذات البين في الوقت نفسه، وبالتالي يبقى بري الأقدر على استيعاب رئيس «التقدمي» إلا إذا كانت لدى الأخير معطيات غير مرئية بأن الظروف غير مواتية لتشكيل حكومة من عيار المستقلين أو لديه نية لمحاكاة الحراك الشعبي مع اقتراب دخول الانتفاضة عامها الثاني.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم