طهران تستعرض «سطوة وجودها» قرب دمشق بعد تراجع مظاهره في قلبها

البضائع الإيرانية تغزو أسواق العاصمة السورية

من مسيرة نفذها موالون لإيران بين دمشق و«السيدة زينب» الأسبوع الماضي (أخبار دمشق)
من مسيرة نفذها موالون لإيران بين دمشق و«السيدة زينب» الأسبوع الماضي (أخبار دمشق)
TT

طهران تستعرض «سطوة وجودها» قرب دمشق بعد تراجع مظاهره في قلبها

من مسيرة نفذها موالون لإيران بين دمشق و«السيدة زينب» الأسبوع الماضي (أخبار دمشق)
من مسيرة نفذها موالون لإيران بين دمشق و«السيدة زينب» الأسبوع الماضي (أخبار دمشق)

«لم نعد نراهم كما كانوا العام الماضي، بل لا نكاد نراهم في شوارع الشام القديمة»؛ قالت ابتسام، السيدة الدمشقية التي تسكن في باب توما في رد عند سؤالها عمّا إذا كان حضور الإيرانيين تراجع في منطقتها.
وعزت الأمر إلى تعليق زيارات الزوار منذ مارس (آذار) الماضي، وقالت: «كانت حافلات مجموعات الزوار الآتية من لبنان والعراق وإيران تملأ شوارع أحياء باب توما والعمارة والأمين والبزورية والحميدية. ينتشرون في كل أسواق دمشق خلال فترة عاشوراء وأربعين الحسين». وتتابع ابتسام: «ليس حضورهم فقط تراجع، بل أيضاً راياتهم التي كانت تجلل معظم الشوارع في مواسم قدومهم تراجعت مع اختفاء بعض حواجز الميليشيات الإيرانية من سوق الحميدية وبعض الحارات».
وتبدو السيدة الدمشقية غير مكترثة بهذا التغير «لأنه لا يعني شيئاً» بالنسبة للحي الذي شهد تغيراً كبيراً في ملامح سكانه. تقول متابعة: «خلال الحرب؛ تملك الأغراب في دمشق القديمة بيوتاً ومحلات، ولم تعد هي نفسها المدينة التي ولدنا وتربينا فيها. الإيرانيون موجودون. سوق البزورية أصبحت إيرانية، بضائعها غالبيتها تأتي من إيران؛ أغذية، وبهارات، وحبوب، وفواكه مجففة، وشاي، وتمور».
وحسب الأرقام المتداولة، ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى سوريا بين 2011 و2017 من 361 مليون دولار إلى 869 مليون دولار. حيث تحولت سوريا إلى سوق للمنتجات الإيرانية؛ إذ بلغت قيمة البضائع الإيرانية المصدرة إلى سوريا من 2012 إلى أغسطس (آب) 2017 نحو 313 مليون دولار، بينما لم تتجاوز السورية 91 مليون دولار».
لكن هذا النشاط تلقى «ضربة مؤلمة» خلال العام الحالي بعد تشديد العقوبات الأميركية على إيران وتطبيق «قانون قيصر»؛ وفق ما قاله اقتصادي سوري لـ«الشرق الأوسط»، عادّاً تجمد سوق العقارات مثالاً على ذلك. وقال: «خلال السنوات الأربع الماضية سيطرت إيران على سوق العقارات عبر شبكات من المؤسسات وتجار العقارات وبنوك إيرانية مرتبطة بـ(الحرس الثوري)، وقدمت تسهيلات ومنحت قروض كبيرة للراغبين في شراء العقارات في سوريا، فتملك إيرانيون ومقاولون ورجال أعمال وعناصر الميليشيات آلاف المنازل والعقارات في أكثر المناطق حيوية؛ سواء في دمشق القديمة؛ أحياء العمارة والجورة وحي باب توما المسيحي. وفي الوسط التجاري حيث استملكت السفارة الإيرانية، فنادق: (كالدة)، و(الإيوان)، و(آسيا)، و(دمشق الدولي)، و(فينيسيا)، و(البتراء)، وأسهم في فندق «سميراميس)، ومساحات واسعة خلف مشفى (الرازي) لإنشاء أبراج سكنية، وذلك إضافة إلى تملك أراض وعقارات في ريف دمشق، وذلك بالتزامن مع فورة في حركة البناء والإعمار شهدتها مناطق عدة بريف دمشق مثل صحنايا، وجديدة عرطوز، والسيدة زينب».
بعد توقف العمليات الحربية وسيطرة النظام على كامل دمشق وريفها عام 2018، بلغ البناء ذروته صيف 2019، قبل أن يضربها الجمود مع بداية عام 2020 لدى تدهور قيمة الليرة وارتفاع الأسعار، لا سيما مواد البناء، جراء تشديد العقوبات الأميركية على إيران والنظام السوري، حيث فرضت العقوبات قيوداً صارمة على الدعم والنشاط الإيراني في سوريا.
التراجع الظاهري للحضور الإيراني الذي تفرضه المستجدات على الساحة السورية، تعمل إيران على نفيه إعلامياً لتأكيد «عمق تغلغلها» في المجتمع السوري، الذي كشف عنه مسير أربعين الحسين الذي صادف الثامن من الشهر الحالي، ومع أن «موكب المشاية» لم ينطلق من ساحة باب توما التي كانت منطلقاً للوفود المتجهة إلى السيدة زينب خلال السنوات الماضية من الحرب، فإنه انطلق بمسير حاشد بوجود المواكب الخدمية على طريق المطار متجهاً إلى بلدة السيدة زينب جنوب دمشق حيث مزار السيدة زينب ومعقل الميليشيات الإيرانية ومركز المقيمين في دمشق من غير السوريين.
كما تعد منطقة جنوب دمشق التي يخترقها أوتوستراد المطار الدولي منطقة نفوذ عسكري إيراني. وبين 79 هدفاً لضربات إسرائيلية على مواقع عسكرية إيرانية داخل سوريا بين 2018 و2020، كانت هناك 28 ضربة في ريف دمشق؛ كبراها استهدفت مواقع إيرانية عسكرية في محيط طريق المطار.
وأظهرت صور بثتها قناة «العالم» الإيرانية ومقاطع فيديو تداولها نشطاء في الـ«سوشيال ميديا» مواكب من المشاة؛ رجالاً ونساءً، شباباً وأطفالاً، يلبسون الأسود وهم يسيرون على طريق المطار جنوب العاصمة، رافعين الرايات، فيما بدا استعراضاً لوجود أكثر منه مناسبة دينية.
وتزامن الاحتفاء بـ«أربعينية الحسين» وظهور الموكب الديني على طريق المطار بدمشق مع تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد على أن الوجود الإيراني في سوريا «يقتصر على خبراء عسكريين يعملون مع قوات النظام على الأرض»، نافياً وجود أي قوات إيرانية داخل الأراضي السورية. وعدّ مراقبون في دمشق ذلك تناغماً مع النفي الإيراني المستمر لوجود قوات عسكرية إيرانية رسمية في سوريا.
كان الأسد عدّ «الوجود الإيراني» بالنسبة للأميركيين مجرد «ذريعة لاحتلال الأراضي السورية ودعم الإرهابيين»، في وقت مضت فيه طهران ودمشق في تعزيز التعاون العسكري. وبعد اتفاق التعاون العسكري الموقع في أغسطس 2018، لتعزيز البنى التحتية الدفاعية في سوريا، جرى في يوليو (تموز) الماضي توقيع اتفاق بهدف «تعزيز أنظمة الدفاع الجوي السورية». وقال رئيس أركان الجيش الإيراني، اللواء محمد باقري، إن الاتفاقية «تعزز إرادتنا وتصميمنا على التعاون المشترك في مواجهة الضغوط الأميركية». وتشير تقديرات إلى أن إيران أنفقت في سوريا ما معدله 6 مليارات دولار سنوياً على مدى 8 سنوات من الحرب؛ ما يعادل مجموعه 48 مليار دولار، أي 4 أضعاف ميزانية الدفاع الإيرانية السنوية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.