الرئاسية الفرنسية: قلق أوروبي من «مغامرات» إردوغان «المتنقلة»

أكدت «التضامن التام» مع اليونان وقبرص و«التشدد» مع تركيا

TT

الرئاسية الفرنسية: قلق أوروبي من «مغامرات» إردوغان «المتنقلة»

مجدداً سيكون الملف التركي وأنشطة أنقرة الأخيرة في مياه المتوسط الشرقي على جدول مباحثات القادة الأوروبيين في قمتهم يومي الخميس والجمعة في بروكسل. وكما في قمتهم السابقة بداية الشهر الحالي، فإن رؤساء دول وحكومات الـ27 سيجدون أنفسهم بمواجهة ما يعتبرونه «تحديات تركية متنقلة» من المتوسط إلى ناغورني قره باغ، وقبلها في ليبيا وسوريا والعراق وداخل حلف الأطلسي.
تجدر الإشارة إلى أن الـ27 وجهوا، مع انتهاء القمة الأخيرة، تحذيرات لتركيا، لا، بل أنذروها بفرض عقوبات عليها ما لم تتراجع عن الخطوات التي وصفوها بـ«الاستفزازية» والتي تنتهك سيادة عضوين في الاتحاد، هما اليونان وقبرص عن طريق التنقيب عن الغاز في مياه عائدة لهما.
وأمس، وصفت مصادر رئاسية فرنسية، في معرض تقديمها للقمة، إرسال أنقرة سفينة المسح الجيولوجي «أوروتش رئيس»، مجدداً إلى جنوب جزيرة «كاستيلوريزو» اليونانية بأنها «جزء من حركات تكتيكية تركية»، حيث كانت أنقرة قد سحبتها من المنطقة قبل القمة الأوروبية الأخيرة وأعادت إرسالها أول من أمس لعمليات تنقيب عن الغاز تستمر حتى 22 الحالي.
وبحسب باريس، فإن التكتيكات التركية هدفها الأول كان «منع الأوروبيين من التوصل إلى مواقف موحدة» لجهة المباشرة في فرض عقوبات عليها وليس فقط التهديد بفرضها. وسبق لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان در لايين، أن أكدت، أن العقوبات «جاهزة للتطبيق» عندما يقرر القادة ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء تبنّوا سياسة «العصا والجزرة» إزاء تركيا: فمن جهة، عرضوا على أنقرة جملة «محفزات» اقتصادية وتجارية وتحديث الاتحاد الجمركي والتعاون في ملف الهجرات في حال «تواصلت جهودها الإيجابية» لوضع حد «لأنشطتها غير الشرعية» في مياه المتوسط. ومن جهة أخرى، هددوا بـ«استخدام كل الخيارات والوسائل المتاحة» إذا قامت تركيا «مجدداً بأعمال أحادية الجانب وباستفزازات تنتهك القانون الدولي». وأعطيت أنقرة مهلة ثلاثة أشهر لتحقيق ذلك. والحال، أن ما عاودت تركيا القيام به أول من أمس لا يذهب أبداً في اتجاه التهدئة، بل إنه تصعيد أعاد التوتر لما كان عليه بينها وبين اليونان. ولذا؛ فإنه يعد اختباراً لمدى جدية الأوروبيين بتنفيذ قراراتهم.
تقول المصادر الرئاسية الفرنسية، إن «خط» الاتحاد عنوانه «التضامن التام» مع اليونان وقبرص و«التشدد» مع تركيا، مضيفة أن ثمة «قلقاً من تكاثر مغامرات (رجب طيب) إردوغان» في إشارة إلى دوره في ناغورني قره باغ ودعمه المطلق الطرف الآذري، ومده بالسلاح والمرتزقة السوريين، وتحفيزه لالتزام مواقف متشددة، وتمسكه بانسحاب القوات الأرمينية من المنطقة المتنازع عليها، ودفعه لاستمرار القتال.
وتعتبر باريس، وفق مصادرها، أن تدخلات تركيا في جنوب القوقاز تعد «خطراً جيوــ استراتيجي»، وأن موسكو «تعي ذلك جيداً»؛ إذ إنها حمّالة مخاطر بالنسبة إليها. وسبق لمسؤولين روس أن أشاروا إلى أن وصول مرتزقة إلى أذربيجان يعد بمثابة تهديد محتمل للأمن الروسي. وفي هذا الخصوص، أفادت المصادر الرئاسية الفرنسية، بأن ماكرون على تواصل مع البيت الأبيض والكرملين، إضافة إلى رئيسي أرمينيا وأذربيجان، وأن الأولوية اليوم هي لاحترام وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه موسكو السبت الماضي، وأنه «مقدمة لكل شيء». وسبق للرئيس ماكرون أن أعلن، أن باريس «لن تتخلى عن الأرمن ولا عن أرمينيا». وفرنسا تشارك في رئاسة مجموعة مينسك التي تضم، إليها، الولايات المتحدة وروسيا، وهي تحظى - بحسب باريس - بكامل دعم المجموعة الأوروبية.
رغم مغامراتها المتنقلة، ليس من المتوقع أن يعمد الاتحاد، في اجتماعه غداً وبعد غد، إلى المباشرة بفرض عقوبات على تركيا للأسباب نفسها التي حالت دون أن يقرر ذلك في قمته الأخيرة. وفي هذا السياق، قالت المصادر الرئاسية، إن الاتحاد الأوروبي يعتبر تركيا «بلداً كبيراً، ونحن نحتاج إلى علاقات تعاون معها». لكن أساس المعضلة «وجود حساسيات مختلفة» بين أعضاء الاتحاد لجهة تقرير ما يتعين القيام به إزاءها. وقبل أسبوعين، فضّل الأوروبيون الاكتفاء بالتهديد بالعقوبات وليس اللجوء إليها من أجل تلافي ضرب التقدم الذي حصل بين أثينا وأنقرة في الاجتماعات «التقنية» التي رعاها الحلف الأطلسي والتي كان غرضها تجنب حصول احتكاكات عسكرية بين قوى الجانبين المتواجدة في المناطق نفسها. يضاف إلى ذلك، أن الاجتماع الأخير الذي حصل الأسبوع الماضي في براتيسلافا، على هامش مؤتمر أمني، بين وزيري خارجية اليونان وتركيا، وإعراب الطرفين عن الاستعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات خفف من حدة التوتير، ولوّح باحتمال أن يعمد الطرفان إلى استئناف اجتماعاتهما المتوقفة منذ سنوات لإيجاد اتفاق حول المسائل الخلافية، وأولها تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل طرف والمياه العائدة له. وبحسب باريس، فإن ما سيقرره القادة الأوروبيون مرهون بما سيصدر عن إردوغان. من هنا، أهمية الزيارة المفترض أن يقوم بها اليوم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى أنقرة والتي تعقب زيارته لأثينا ونيقوسيا، والتي تندرج في سياق الوساطة الألمانية بين الطرفين.
والسؤال المطروح مزدوج: فهو من جهة يتناول معرفة ما إذا كانت أنقرة سوف تتجاوب مع الطلب الأوروبي بالتوقف عن مبادراتها الاستفزازية في بحر إيجه ومياه المتوسط الشرقي، ومن جهة أخرى ما إذا كان القادة الأوروبيون سينتظرون حتى نهاية المهلة التي منحوها لتركيا «حتى ديسمبر (كانون الأول) المقبل» لاتخاذ قرار نهائي بشأن العقوبات، أم أن «التكتيكات» التركية ستبقيهم مترددين، لا، بل متخوفين من ردود الفعل التركية، خصوصاً في مسألة الهجرات؟
قبل أسبوعين، اقترح الأوروبيون عقد «مؤتمر متعدد الأطراف حول البحر الأبيض المتوسط الشرقي» يكون بمثابة منصة للتداول بخصوص المواضيع التي تتطلب حلولاً متعددة الأطراف مثل تحديد المياه البحرية والأمن والطاقة والهجرات والتعاون الاقتصادي وكلف «وزير» خارجية الاتحاد جوزيب بوريل العمل على إعداده. لكن إزاء المسار الذي تسلكه التطورات، لا يبدو أن مؤتمراً كهذا يمكن أن يرى النور في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».