مرض أدبي اسمه الجوائز

مرض أدبي اسمه الجوائز
TT

مرض أدبي اسمه الجوائز

مرض أدبي اسمه الجوائز

كلما أعلن عن الفائز بجائزة نوبل، ارتفع الصراخ العربي، الذي قلما نسمعه في أي مكان من العالم، وكأن ظلماً عظيماً قد ألحق بنا. إننا نتوهم أن هناك أسماء عربية معينة مرشحة للجائزة، وتبقى في حالة ترقب قصوى، بل حالة حمى. وحين لا يتحقق هذا الوهم تتضاعف خيبتنا كل عام، وتنهال اتهاماتنا على الأكاديمية السويدية التي تناصب العداء لكل ما هو عربي. وكأننا، من حيث لا ندري، نريد اعترافاً بنا وبأدبنا، نابعاً من شعور يفضح نفسه، رغم كل قناع: شعور بالدونية لا ينتهي إلا باعتراف الآخر بنا. وربما لهذا السبب، تزدحم السير الذاتية لكتابنا بـ«ترجماتهم» إلى اللغات «العالمية» التي لا تعد، سعياً لاكتسب لقب «الكاتب العالمي»، وهو لقب لا يوجد في كل لغات الأرض، إلا في اللغة العربية. كم من كتابنا، إذا استثنينا نجيب محفوظ، قد ترجمت أعماله فعلاً إلى اللغات الأخرى، وخاصة الإنجليزية التي تعتمد عليها لجنة نوبل في خياراتها، ما عدا رواية أو اثنتين، وقصائد متفرقة هنا وهناك؟
جائزة نوبل، هي مثل أي جائزة أخرى، رغم صيتها المجلّل. صحيح، أنها قد تمثل نوعاً من الاعتراف بأهمية كاتب ما، ولكن ليس دائماً. فلقد منحت عبر تاريخها الطويل لكتاب سيئين، وهم كثر، كما تقول لويس غليك نفسها في الحوار المنشور معها في هذه الصفحة.
فالأكاديمية السويدية تبقى في النهاية مثل أي لجنة تحكيم أخرى، محكومة بذوق وتقديرات أعضائها، وثقافاتهم أيضاً. أحكامها ليست «أحكام قيمة»، وأعضاؤها ليسوا «آلهة الأولمب». ولو تغير أعضاؤها سنوياً، بل إن تستمر عضويتهم مدى الحياة، لتغيرت قوائم جوائزها إلى حدٍ كبير. ونحن نذكر أن الجائزة، التي تأسست عام 1910. لم تمنح لكاتب مثل ليو تولستوي، الذي ما زالت البشرية كلها، في الشرق والغرب، تواصل قراءته، بينما منحت آنذاك لكتاب انطفأوا مع الزمن ولم يعد أحد يقرأ لهم، أو حتى يذكرهم مثل رينه سولي برودوم وثيودور مومسن وبيور نسيتارنه بيورنسون وآخرين.
والحبل على الجرار. فلم يفز بها العملاق بورخيس، وهي لا تهمه أساساً. ولم تذهب، مثلاً، لشاعر عملاق مثل راينر ماريا ريلكه، ولا إلى روائي مثل جيمس جويس، الذي ما يزال منذ بداية القرن العشرين ولحد الآن مالئ الدنيا وشاغل الناس. كما لم تمنح مثلاً لأزرا باوند، عراب الشعر الحديث، وأستاذ تي. إس. إليوت، كما نالها عام 1995 شاعر مثل شيموس هيني، بسبب القضية الآيرلندية أساساً، وهو بكل المقاييس لا يرقى لمستوى معاصره تيد هيوز، ومعلمه أيضاً.
كم كانت حيية لويز غويك، حين لمحت أنها تشعر بالحرج لمنح الجائزة لـ«شاعرة بيضاء»، في زمن التمييز العنصري المتصاعد في بلدها، ولعل في ذهنها كانت الشاعرة الأميركية السوداء ريتا دوف، التي تتخطاها الجائزة منذ أعوام طويلة.
الكتّاب، كما كتبنا مرة، ليسوا خيولاً في حلبة سباق، أيهم يفوز فيه فهو الأفضل، وليست هناك منافسة، كما قال إليوت مرة، في مملكة الإبداع.
سألوا مرة الشاعر الفرنسي لويس أراغون في أواخر حياته، وهو من هو، لماذا لم يمنحوك جائزة نوبل لحد الآن، فأجاب ببساطة: لأن شعري لم يترجم إلى الإنجليزية!
خذوا الأمر ببساطة. لا تستحق الجوائز كل هذا النواح، حتى لو كانت جائزة نوبل!
ما يستحق البكاء عليه حقاً في الغرف المعتمة هو: الإبداع.
هذا ما يفعله كل المبدعين الحقيقيين عبر التاريخ سواء أفازوا بنوبل أم لا.



مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي
TT

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي

نثر مهرجان للمسرح، أقيم في درنة الليبية بعضاً من الفرح على المدينة المكلومة التي ضربها فيضان عارم قبل أكثر من عام.

ومع حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة وفنانين وممثلين ليبيين وغيرهم من الضيوف الفنانين من بعض الدول العربية، أبرزها سوريا والأردن ومصر وتونس.

الفنان صابر الرباعي

واختتم، مساء الخميس، المهرجان الذي استهل أعماله بحفل غنائي أحياه الفنان صابر الرباعي، على مسرح المدينة الرياضية، وسط حضور جماهيري وفني، محلي ومن دول عربية من بينها مصر وتونس.

وتحت شعار «درنة عادت، درنة الأمل»، دعا المهرجان سبع فرق: خمساً من ليبيا، وفرقةً من مصر، وأخرى من تونس.

أحد العروض

وعُرضت أعمال عديدة من بينها مسرحية «خرف» لفرقة الركح الدولي من بنغازي، التي أثنى عليها الجمهور، من حيث الأداء المميز لجميع الفنانين المشاركين، كما عرضت مسرحية «صاحب الخطوة» لفرقة المسرح القوريني من مدينة شحات، وجاء العرض مليئاً بالرسائل العميقة، وقد نال إعجاب الحضور.

وأعلنت إدارة المهرجان عن توزيع جوائز للأعمال المشاركة، بالإضافة لتكريم عدد من نجوم الفن في ليبيا ودول عربية.

وحاز جائزة أفضل نص دنيا مناصرية من تونس، عن مسرحية «البوابة 52»، بينما حصلت الفنانة عبير الصميدي من تونس على جائز أفضل ممثلة عن العمل نفسه.

ومن ليبيا حاز الفنان إبراهيم خير الله، من «المسرح الوطني» بمدينة الخمس، جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع»، وذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج منير باعور، من المسرح الوطني الخمس عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع».

عرض مسرحي

كما كرمت إدارة المهرجان الفنان المصري أحمد سلامة، والفنانة عبير عيسى، والإعلامية صفاء البيلي؛ تقديراً «لإسهاماتهم القيمة في مجال الفن والمسرح». وقالت إدارة المهرجان إن هذا التكريم «يعكس التقدير والاحترام للفنانين الذين ساهموا في إثراء الثقافة والفنون، ويعزّز من أهمية دعم المواهب الفنية في المجتمع».

وكانت الدورة السادسة لمهرجان «درنة الزاهرة»، وهو اللقب الذي يُطلق على هذه المدينة المعروفة بأشجار الياسمين والورد، قد ألغيت العام الماضي بسبب الدمار الذي طال معظم مبانيها التاريخية جراء الكارثة.

في ليلة 10 إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2023، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الشرقي لليبيا، ما تسبّب في فيضانات مفاجئة تفاقمت بسبب انهيار سدين في أعلى مدينة درنة. وخلفت المأساة ما لا يقل عن 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.

مسرح جامعة درنة

وتقول الممثلة المسرحية التونسية عبير السميتي، التي حضرت لتقديم مسرحية «الباب 52»، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، «هذه أول مرة آتي فيها إلى هنا. بالنسبة لي، درنة اكتشاف. كنت متشوقة للمجيء. عندما نصل إلى هنا، نشعر بالألم، وفي الوقت نفسه، نشعر بالفرح وبأن الشعب كله لديه أمل».

بدورها، ترى الممثلة والمخرجة الليبية كريمان جبر أن درنة بعدما خيّم عليها الحزن، عادت إلى عهدها في «زمن قياسي».

جانب من تكريم الفنانين في مهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

ومن الكنوز المعمارية الشاهدة على الماضي الفني والأدبي الذي فقدته درنة في الفيضانات، «بيت الثقافة»، وخصوصاً «دار المسرح»، أول مسرح تم افتتاحه في ليبيا في بداية القرن العشرين.

وفي انتظار إعادة بنائه، اختارت الجهة المنظمة إقامة المهرجان على خشبات «المسرح الصغير» بجامعة درنة.

تكريم الفنانة خدوجة صبري بمهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

وقال المدير الفني للمهرجان نزار العنيد: «كلنا نعرف ما حدث في درنة العام الماضي، أصررنا على أن يقام المهرجان (هذا العام) حتى لو كان المسرح لا يزال قيد الإنشاء».

وأوضحت عضوة لجنة التحكيم، حنان الشويهدي، أنه على هامش المهرجان، «يُنظَّم العديد من الندوات وورش العمل التدريبية المهمة للممثلين والكتاب المسرحيين الشباب».

وتقول الشويهدي: «الصورة التي تقدمها درنة اليوم تُفرح القلب، رغم الموت والدمار»، معتبرة أن المدينة المنكوبة تظهر «بوجه جديد؛ درنة تستحق أن تكون جميلة كما يستحق سكانها أن يفرحوا».