استياء في دمشق جراء العيش في «عمق الأزمات»

بعد قرار الحكومة رفع سعر البنزين

TT

استياء في دمشق جراء العيش في «عمق الأزمات»

«لا نأخذ منهم إلا الكذب»، عبارة علق بها «أبو يونس» الذي يعمل سائق تاكسي عمومياً في دمشق، على قرار الحكومة رفع سعر البنزين، ووعودها المتتالية بانفراجة مرتقبة لأزمة توفر المادة الخانقة المستمرة منذ بداية سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قالوا إنهم لن يرفعوا السكر ورفعوه. وكذلك الأرز والبرغل والسمنة والمنظفات والغاز والمازوت والدواء والخبز، والآن رفعوا سعر بنزين (أوكتان 95)، وهذه مقدمات لرفع الدعم عن كل المادة، فقد عودونا على ذلك».
ويروي العناء والتعب الذي تكبده للحصول على المادة من إحدى المحطات، عندما نفد البنزين من سيارته وهو في الطريق بمنطقة تبعد كثيراً عن أقرب محطة، الأمر الذي اضطره لطلب المساعدة من عدد من الشبان لدفع السيارة من أجل الوصول إلى أقرب محطة.
ويؤكد «أبو يونس»، أنه تنفس الصعداء عند الوصول إلى آخر طابور السيارات المصطف أمام إحدى المحطات، الذي وصل طوله إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات، ويقول: «باتت المشكلة أكبر كوني وحدي. من يدفع السيارة أثناء تحرك الطابور»، ويضيف: «بعد انتظار لنحو 4 - 5 ساعات حصلت على المادة».
وبعد أن يوضح الرجل أنه مضطر للحصول على المادة، يقول: «بالنسبة لي يمكن أن أمضي اليوم على (سندويشة)، ولكن الأولاد لا تقدر (بدها تاكل)».
ومع تواصل أزمة توفر البنزين الخانقة، فاجأت الحكومة الأربعاء المواطنين في مناطق سيطرتها بخفض إضافي لدعم أسعار المادة في مناطق سيطرتها وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة على دمشق. وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً برفع مادة البنزين (أوكتان 95) من 575 ليرة سوريا إلى 850 ليرة للتر الواحد، أي بنسبة تجاوزت 50 في المائة. وأصدرت تعميماً بضرورة العمل بالسعر الجديد ابتداء من ظهر الخميس على أن يتم تحديد التسعيرة بوضوح في محطات الوقود.
وأشارت الوزارة إلى أنه لا تغيير على سعر لتر البنزين المخصص بيعه عبر «البطاقة الذكية»، الذي يبلغ ثمن اللتر منه 250 ليرة سورية. وبررت قرار الرفع بالتساوي في السعر مع الدول المجاورة.
جاء القرار بعد تصريحات حكومية متتالية تحدثت عن انفراجة مرتقبة بأزمة توفر البنزين مع الانتهاء من صيانة مصفاة بانياس. ورغم إعلانها قبل أكثر من أسبوع انتهاء عمليات الصيانة، تواصلت مشاهد طوابير السيارات الممتدة لعدة كيلومترات للوصول إلى محطات الوقود للحصول على المادة، بالترافق مع انحسار كبير في حركة السيارات في شوارع دمشق.
بدوره، وسيم، وهو موظف في مؤسسة حكومية ولديه سيارة بسيطة، يذهب بها إلى وظيفته وتخفف عنه عناء الذهاب في المواصلات العامة، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن حياة السوريين في مناطق سيطرة الحكومية باتت «كلها أزمات، وحلها دائماً يأتي على حساب المواطن»، ويقول: «المواطن بات يحتاج لتفريغ يوم للحصول على البنزين، ويوم للحصول على السكر والأرز وساعات ومشقة كبيرة للحصول على ربطتي خبر، وفوق كل ذلك يرفعون سعر البنزين، ويقولون إنه يقتصر على (أوكتان 95)، ولكن هذه بداية لرفع سعر كل الأنواع، وكان ذلك واضحاً من كلام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أمام مجلس الشعب» التي أعلن فيها أنه مع تحرير سعر البنزين وليتحمل أصحاب السيارات رفع سعر المادة، وسأل: «هل الوزير يدفع ثمن البنزين؟».
أحد النشطاء، كتب في صفحة الوزارة على «فيسبوك» تعليقاً على القرار: «بدي اسأل الذكي الذي اخترع سعر (الحر). رفعتوه (هل) تم حساب الأسعار التي سترتفع مقابل ارتفاع سعر البنزين»، بينما كتب آخر: «الله يرحمك يا مستهلك».
وانعكست أزمة توفر البنزين على أسعار الخضراوات والفاكهة؛ إذ تضاعفت أسعارها عما كانت عليه قبل تفاقم الأزمة الحالية.
الناشط نورس الأحمد، من جانبه كتب: «هل اسمكم هو حماية المستهلك؟ الشعب جائع، يجب إيجاد حلول. رفعتم سعر الخبز، البنزين والمازوت، (...) أولادنا مرضى من سوء التغذية»، بينما تساءل آخر: «الوزير يستعمل البطاقة (الإلكترونية) أم يشتريه حراً؟»، في إشارة إلى أن العناء والتعب جراء الأزمات المتعددة يتكبده المواطن، بينما الأزمات الحاصلة لا تمر على المسؤولين.
وتقدر تقارير أممية ودراسات أن أكثر من 87 في المائة من السوريين في مناطق سيطرة الحكومة يعيشون تحت خط الفقر؛ إذ لا يتجاوز معدل الدخل الشهري للعاملين في الدولة 60 ألف ليرة، على حين يقدر خبراء اقتصاديون أن العائلة المؤلفة من 5 أشخاص تحتاج شهرياً إلى أكثر من نصف مليون ليرة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.