تركيا تلمح إلى إرسال جنود ومرتزقة لدعم أذربيجان ضد أرمينيا

TT

تركيا تلمح إلى إرسال جنود ومرتزقة لدعم أذربيجان ضد أرمينيا

كشفت تركيا عن احتمالات إرسال قوات إلى أذربيجان لدعمها في النزاع المسلح مع أرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ، واشترطت مجدداً انسحاب الأخيرة من الإقليم لوقف إطلاق النار، معتبرة أنه من دون ذلك لن تنجح جهود مجموعة «مينسك» في تحقيق تقدم في الحل السياسي للمشكلة، بينما أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» استعداد أنقرة لإرسال مزيد من المرتزقة السوريين إلى مناطق الاشتباكات.
وأشار رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، إلى أن البرلمان قد ينظر في مسألة إرسال قوات تركية إلى أذربيجان، لافتاً إلى أنه لا حاجة حتى الآن إلى إرسال عسكريين أتراك إلى قره باغ. وقال شنطوب إنه «خلال الأيام القليلة الماضية، أظهرت القوات الأذرية أنها قادرة على تحقيق النصر بمفردها، وإبداء العزم والمثابرة في تحرير (الأراضي المحتلة)، لذلك لا أعتقد أن هذا الاقتراح بشأن استخدام الجيش التركي في منطقة الصراع سيكون ضرورياً، ما لم تتدخل أطراف خارجية في هذا الصراع، انتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة».
وطالب رئيس البرلمان التركي، في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» الروسية أمس (الجمعة)، باحترام القانون الدولي، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تطالب بالانسحاب الفوري الكامل غير المشروط للقوات المسلحة الأرمينية من جميع أراضي أذربيجان المحتلة.
واستبعد شنطوب أن تضر الاختلافات في وجهات النظر، القائمة بين بلاده وروسيا، بشأن قضية قره باغ بالعلاقات بينهما، مضيفاً أن العلاقات بين أنقرة وموسكو لديها «تراث تاريخي غني»، وواجهت اختبارات جدية أكثر من مرة.
وأشار إلى أن وزيري خارجية البلدين، مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف، على تواصل وثيق بشأن قضية قره باغ.
وفي السياق ذاته، قالت وزارة الدفاع التركية إن أرمينيا تواصل ارتكاب «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»، من خلال قصف المدن والمناطق السكنية في أذربيجان. واتهمت الوزارة، في بيان، أرمينيا بالسعي إلى «مكيدة خبيثة»، حيث تقصف المناطق السكنية للمدنيين في محافظات غوران بوي وترتر وأغدام وفضولي في أذربيجان، مشيرة إلى أن أرمينيا تحاول نقل الحرب إلى مناطق مدنية خارج إقليم قره باغ.
وبدوره، كشف «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، عن مقتل 26 عنصراً آخرين من المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا للقتال في ناغورني قره باغ دعماً لأذربيجان، خلال الـ48 ساعة الماضية، ما يرفع إجمالي القتلى السوريين هناك إلى 107 قتلى. وأشار المرصد إلى أن تركيا تسعى لنقل دفعة جديدة من المرتزقة السوريين إلى أذربيجان، تقدر بـ400 مرتزق.
إلى ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إنه ما لم يتضمن اجتماع الرؤساء المشاركين لمجموعة «مينسك»، التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، خطة مفصلة لإنهاء احتلال أرمينيا لإقليم قره باغ، فإن مصيره سيكون الفشل.
ونفى كالين، في مقابلة تلفزيونية أمس، رفض بلاده للحل السلمي في قره باغ، لكنه قال إن مجموعة «مينسك» لديها توجيهات محددة لإنهاء النزاعات القائمة، وإن أنقرة حثت المجموعة على وضع تقويم فعلي حول اقتراح جديد يمكن تنفيذه «لإيجاد طريقة لإنهاء احتلال أرمينيا لأراضي أذربيجان».
وعد أن المجموعة قامت في الواقع بـ«القليل» لوضع حد لهذه المشكلة في جنوب القوقاز، مشيراً إلى أن ما يطالب به الأذريون أيضاً هو إيجاد خريطة طريق جديدة، مضيفاً أن تركيا ترحب بوقف إطلاق النار، بشرط أن يكون مستداماً، وأن الشيء الوحيد الذي سيجعله مستداماً هو إنهاء الاحتلال الأرميني لأراضي أذربيجان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟