العراق حذر إيران من «مخاطر الانسحاب الأميركي»

جندي عراقي في بغداد يحرس مشاركين في «زيارة الأربعين» الشيعية (إ.ب.أ)
جندي عراقي في بغداد يحرس مشاركين في «زيارة الأربعين» الشيعية (إ.ب.أ)
TT

العراق حذر إيران من «مخاطر الانسحاب الأميركي»

جندي عراقي في بغداد يحرس مشاركين في «زيارة الأربعين» الشيعية (إ.ب.أ)
جندي عراقي في بغداد يحرس مشاركين في «زيارة الأربعين» الشيعية (إ.ب.أ)

تعهدت السلطات العراقية، أمس، بتقديم مزيد من الضمانات بحماية البعثات الأجنبية بعد قرار الولايات المتحدة المبدئي بغلق سفارتها في بغداد، إثر تعرضها لهجمات شبه يومية بصواريخ الكاتيوشا التي تطلقها ميليشيات موالية لإيران، خصوصاً منذ بدء الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في يونيو (حزيران) الماضي.
وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان، أمس، إن وزير الخارجية فؤاد حسين عقد اجتماعاً مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في العراق استعرض خلاله جهود الحكومة في مجال تأمين البعثات العاملة في العراق وتنظيم عملها. وأعرب حسين، بحسب البيان، عن «تطلع العراق لتفعيل علاقات التعاون في ضوء اتفاقية التعاون والشراكة بين الجانبين». كما ناقش «وضع المنظمات الأوروبية غير الحكومية في العراق وضرورة تذليل العقبات التي تعترض عملها».
وبحث الوزير العراقي مع السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر «الإجراءات التنظيمية لإيجاد بيئة ملائمة لعمل البعثات في بغداد»، وناقشا قرار واشنطن المبدئي بغلق السفارة. ويأتي هذا إلقاء في سياق لقاءات عدة أجراها مسؤولون عراقيون كبار مع السفير الأميركي لحمل واشنطن على العدول عن قرار غلق السفارة، والتحذير مما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات سلبية على العراق والمنطقة.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية العراقي أنه أبلغ الجانب الإيراني بمخاطر انسحاب القوات الأميركية من العراق. وقال حسين في مقابلة تلفزيونية إنه أجرى اتصالات مع وزراء خارجية غربيين لحث الولايات المتحدة على العودة عن قرارها، مشدداً على أن «هناك قراراً بوقف الهجمات على سفارات غربية في بغداد، وفتح تحقيق بالهجمات».
ورأى أن بلاده تحتاج «حواراً شفافاً وواضحاً مع إيران، وفق أسس معلومة»، لافتاً إلى أنه شرح للمسؤولين الإيرانيين خلال لقاءاته معهم الوضع الراهن، وأنه يتوقع من طهران «القيام بخطوات إيجابية تجاه العراق». وشدد على أنه «لا يمكن القبول بفصائل مسلحة خارج إطار الدولة... والهجمات ضد المنطقة الخضراء والسفارات والمواطنين يجب أن تتوقف بلا ثمن»، مشيراً إلى التواصل مع الأحزاب والقيادات السياسية «لشرح خطورة الوضع». وأكد «إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص المتهمين بالهجمات».
وأشار حسين إلى أن «الهجمات على البعثات والمطار تسببت بتفكير الإدارة الأميركية بسحب سفارتها من بغداد». لكنه شدد على أن «الولايات المتحدة لم تهدد بإغلاق السفارة». وقال إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبلغ خلال الاتصالات مع القيادة العراقية «بقلق إدارته من زيادة الهجمات على المنطقة الخضراء ومطار بغداد، وعبر عن رأي الإدارة بالوضع الأمني وكيفية التعامل مع السفارة».
وأوضح أن «انسحاب السفارة الأميركية يؤثر في علاقات العراق مع كثير من البعثات الأوروبية والعربية»، لافتاً إلى أن «بعض الدول تحرك باتجاه الولايات المتحدة لحثها على عدم الانسحاب... وجميع الدول الغربية والعربية في حالة قلق من القرار».
وبينما شكل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لجنة حكومية عليا برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي «للكشف عن الخروقات الأمنية والتوصل إلى مطلقي الصواريخ»، نفى حسين معرفته بأي معلومات حول توصل ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت إلى اتفاق مع «الحشد الشعبي»، موضحاً أنه شرح للجانب الإيراني «مخاطر انسحاب القوات الأميركية من العراق».
وأكد السفير الأميركي الأسبق في العراق رايان كروكر أنه يتوجب على الولايات المتحدة عدم اللجوء إلى خيار غلق سفارتها في بغداد. وقال كروكر في تصريحات صحافية، أمس، إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تمارس «صبراً استراتيجياً» لدعم العراق. واعتبر أن غلق السفارة الأميركية في العراق سيكون أمراً غير مقبول، داعياً واشنطن إلى إيجاد طرق لدعم الكاظمي.
واعتبر أستاذ الأمن الوطني الدكتور حسين علاوي أن «العراق بات يحتاج اليوم إلى حوار سياسي بشأن كيفية ضبط السلاح خارج الدولة بصرف النظر عن المبررات، لا سيما أنه خرج عن قواعد العمل الذي يهدف إليه».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوار الوطني صار ضرورة ملحة لأنه من دون هذا الحوار، فإن عمليات الاستهداف للمنطقة الخضراء ستستمر، طالما أن هناك رسائل سياسية يراد بعثها عبر هذه الصواريخ مرتبطة بشكل واضح بالصراع الأميركي - الإيراني، وهو ما يعمل الكاظمي على تجنيب العراق مخاطره». وأوضح أن «الحوار الاستراتيجي الذي يقوم به الكاظمي منذ شهور مع واشنطن هو الذي يحدد طبيعة الوجود الأميركي الذي لن يتعدى في كل الأحوال الوجود الاستشاري».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم