دائماً ما تبدو كرة القدم وكأنها صناعة تبحث عن الشكل النهائي لمنتجها، وقد شهدت السنوات الخمس والعشرون الماضية تغييراً هائلاً في شكل اللعبة. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن كل ما حدث لم يكن سوى «جزء تدريجي» من شيء أكبر يتوقع أن يحدث خلال السنوات المقبلة. ويبدو أن كرة القدم قد وصلت في عام 2020 إلى نقطة اللاعودة، وباتت جاهزة للانزلاق بسرعة نحو تغيير مفاجئ وجذري.
ولا يوجد أدنى شك في أن الأزمة العالمية الحالية قد قدمت أيضاً فرصة رائعة لمن هم في مواقع القوة، والذين كانت خططهم من أجل التغيير ستشهد مقاومة قوية لولا حدوث هذه الأزمة. وفي أحدث مؤتمر للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تحدث رئيس الاتحاد جياني إنفانتينو - الذي يبدو أنه قضى الأشهر الثمانية الماضية في محاولة جاهدة للحفاظ على التعبير عن القلق الشديد بينما كان يتوق سراً للتباهي بشأن التجديد الذي يحدثه في اللعبة - عن إعادة تصور لجدول مباريات كرة القدم بشكل كامل، وتحريك كل مسابقة إلى فترة زمنية مميزة خاصة بها.
ويبدو أنه لا يوجد أي شخص يمانع القيام بذلك، أو لم يعرب حتى عن مخاوفه، وهو الأمر الذي سيسمح لجياني بالمضي قدماً في خططه. وربما تتمثل الملاحظة الأكثر إثارة للقلق في الوقت الحالي في أنه إذا كان الربع الأخير من القرن الماضي قد شهد تغييراً ملحوظاً وسريعاً في كرة القدم، فإن هذه الفترة قد شهدت أيضاً مقاومة شديدة لأي تغيير، على عكس ما يحدث تماماً في الوقت الحالي، حيث تسير الأمور من دون أي مقاومة أو اعتراض!
ودائماً ما كانت كرة القدم تتميز ببعض الطقوس المميزة والخطوط التي لا يمكن تجاوزها، والإحساس بأنها شيء نبيل ومحمي. لكن في الوقت الحالي لم يعد هناك أي درع تحمي هذه اللعبة، وبات من السهل التنازل عن أي شيء وتغيير الهياكل والأنظمة الراسخة منذ سنوات طويلة. وفي الماضي، كانت المقاومة تتمثل في مجالين رئيسيين. أولاً، إعطاء الأولوية للمشجعين والجمهور، والتركيز على أن كرة القدم من دون جمهور لا تعني أي شيء. لكن الحقيقة أن هذه الفكرة قد تبخرت تماماً الآن، وأصبح بإمكان الناس الذهاب إلى المتاجر والمطارات، لكن لم يعد بإمكانهم الذهاب لمشاهدة مباراة لكرة القدم، وهو أمر غير منطقي بالمرة. ويبدو أن مشجعي كرة القدم في الملاعب، على الرغم من أهميتهم، لم يعودوا يلعبوا دوراً محورياً في نموذج عمل كرة القدم، وكأن لسان حال المسؤولين عن كرة القدم يقول: إننا نقدّر وجودكم، لكننا لسنا في حاجة إليكم!
ويجب الإشارة إلى أن هذه اللحظة هي لحظة تحول هائلة في المشهد الكروي، ليس فقط من الناحية النظرية، لكن على المستوى العملي أيضاً. وبينما يسعى الدوري الإنجليزي الممتاز إلى تعديل أوضاعه بسبب خوفه من تراجع عائدات البث التلفزيوني، فقد تحول إلى منتج ترفيهي قابل للتبديل والتغيير. وفي نهاية الأسبوع الماضي، كان من الممكن مشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز على الهواء مباشرة من منتصف النهار وحتى الساعة العاشرة مساءً، وكانت كل المباريات عبارة عن المحتوى المتجانس نفسه والمتواصل وغير المحدد جغرافياً.
فهل هذا الأمر قابل للاستمرار والاستدامة؟ وبعدما حقق بايرن ميونيخ الفوز على بوروسيا دورتموند في كأس السوبر الألمانية، أشار نجم العملاق البافاري، روبرت ليفاندوفسكي، إلى أن اللاعبين لم يحتفلوا لأنهم كانوا «مرهقين للغاية». وأصبحنا نرى لاعباً مثل إريك داير على شاشات التلفزيون بشكل دائم بسبب كثرة مشاركته في المباريات. لقد تحولت اللعبة إلى سيرك رقمي يتكرر بلا نهاية ومن دون توقف، وأصبحت بعض المباريات تلعب في وقت متأخر من الليل، وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستسمح محطات البث التلفزيونية بذلك عندما يتم السماح للجمهور بالعودة إلى الملاعب؟ وفي هذه الأثناء، سيطر التلفزيون تماماً على المشهد الكروي، وأصبحنا نرى كل شيء من خلال الشاشات، وحتى حكام المباريات باتوا يعتمدون على الشاشات والإعادات التلفزيونية في معظم القرارات المهمة والمثيرة للجدل، ولا ينقصنا سوى أن نرى التلفزيون وهو يقرر كيف سيقف اللاعبون ويركضون ويصطدمون ببعضهم بعضاً داخل الملعب!
ووصل الأمر إلى درجة أن المرء بات يشعر بأنه من السهل التخلي عن التجربة الواقعة ومشاهدة المباريات من الملعب بمشاهدة المباريات عبر شاشات التلفزيون. وبات هناك تساؤل بشأن ما إذا كان هذا التغيير سيصبح دائماً خلال الفترة المقبلة. إن الجمهور العاشق لفريقه يكون لديه انتماء كبير وينفق الكثير من الأموال ويبذل الكثير من الجهد من أجل متابعة هذا الفريق من ملعب المباراة، لكن عدم السماح للجمهور بحضور المباريات لفترات طويلة سوف يؤثر على هذه العلاقة القوية، ويجعل كثيرين يفكرون في الاستمرار في متابعة المباريات عبر شاشات التلفزيون.
وفي هذه الأثناء، تواصل كرة القدم النسائية، وهي صناعة نامية، لكنها ليست مربحة بدرجة كافية في الوقت الحالي، الكفاح من أجل الاستحواذ على حصة من البث التلفزيوني. وحتى كرة القدم الدولية على مستوى المنتخبات يبدو وكأنها قد تبدأ في مواجهة الديكتاتورية الاقتصادية القاسية لأندية النخبة في عالم كرة القدم. وهذا هو العنصر الثاني الذي يواجه تهديداً كبيراً. ومن المعروف للجميع، أن الأندية في الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز تقترب من الانهيار. وفي الوقت نفسه، أصبح من البديهي أن نقول، إن أندية النخبة لن تنجو من دون وجود هذا الهرم القديم للدوريات الأدنى.
في الواقع، لا تهتم الأندية الكبرى بهذه العملية على الإطلاق وكأنها لا تعنيها من الأساس، فما الذي يدفع تلك الأندية الكبرى إلى الاهتمام بمصير أندية مثل سندرلاند وغيلينغهام؟ لقد توقعت رابطة الأندية الأوروبية خسائر بقيمة أربعة مليارات يورو هذا الموسم في بطولات الدوري الممتاز. ويعني ذلك أنه سيكون هناك تغيير حقيقي في المشهد الكروي خلال المرحلة المقبلة. ودائماً ما يؤكد المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر على أنه لا مفر من إقامة «دوري سوبر» بلا حدود؛ لأن هذا هو ما يريده المسؤولون. لكن لا أحد يعرف حقاً الشكل الذي قد يتخذه هذا الأمر. لكن في حالة حدوث ذلك، فمن المرجح أن يحدث التغيير بوتيرة أكبر، وسيتم تشتيت الانتباه عن ذلك من خلال الحديث عن الكارثة الاقتصادية العالمية!
ومن المغري بالطبع في خضم كل هذا أن نعلن عن غضبنا من القواعد الخاصة باحتساب لمسات اليد، وأن نتحدث عن إخفاقات مانشستر سيتي في سوق انتقالات اللاعبين، ومعاناة مانشستر يونايتد تحت قيادة المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير. إن التغيير الذي شهدته كرة القدم على مدار الثلاثين عاماً الماضية قد يحدث تغيير أكبر منه في غضون ستة أشهر فقط بسبب حالة الارتباك التي تهيمن على المشهد الكروي في الوقت الحالي! ويتمثل الخطر الحقيقي في أن يصبح هذا التغيير الغريب والشاذ أمراً طبيعياً. وكما هو الحال دائماً، فإن المسار الوحيد المتاح هو المقاومة بأي شكل من الأشكال.
هل فات الأوان لوقف انحدار كرة القدم نحو تغيير مفاجئ لا نهاية له؟
سيطرة التلفزيون على اللعبة في ظل غياب الجماهير عن الملاعب ستصبح واقعاً حتمياً
هل فات الأوان لوقف انحدار كرة القدم نحو تغيير مفاجئ لا نهاية له؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة