فيلم جديد يطرح ستانلي كوبريك كصاحب قضية

حقق أربعة أفلام حربية لغاية في نفسه

ستانلي كوبريك أثناء التصوير
ستانلي كوبريك أثناء التصوير
TT

فيلم جديد يطرح ستانلي كوبريك كصاحب قضية

ستانلي كوبريك أثناء التصوير
ستانلي كوبريك أثناء التصوير

يكمن فيلم «سترة معدنية كاملة» (Full Metal Jacket) (1987) في نهاية سلسلة من أربعة أفلام حربية مختلفة حققها المخرج ستانلي كوبريك وتناولها فيلم جديد عنه بعنوان Kubrick by Kubrick لغريغوري مونرو قائم بأسره على مقابلات قام بها الناقد الفرنسي ميشيل سيمنت في أكثر من مناسبة تركّز العديد منها على أفلام كوبريك الحربية. في الوقت ذاته قامت خلاله مجلة «أميركان سينماتوغرافر» بفتح صفحات التاريخ ونشر مقال عن هذا الفيلم يعود لعام 1987.
«سترة معدنية كاملة» هو فيلم حربي ولو أخذنا أفلام كوبريك الطويلة (ثلاثة عشر فيلماً) فإن موضوع الحرب شغل بال المخرج في أربعة أفلام.
في عام 1953 أنجز كوبريك أول فيلم له وكان حربياً: «خوف ورغبة» بعده هناك فيلمان غير حربيين («قبلة القاتل»، 1955 و«القتل»، 1956) قبل العودة إلى نطاق الحرب في «ممرات المجد» (Paths of Glory) سنة 1957. في سنة 1964 عمد إلى «دكتور سترانجلَف أو: كيف تعلمت التوقف عن القلق وأن أحب القنبلة». ومرّت عدة سنوات قبل أن ينجز آخر فيلم حربي مباشر وهو «سترة معدنية كاملة» سنة 1987.
- تائهون
كان كوبريك ما زال شاباً يافعاً عندما قام باستدانة المال من والده وعمّه لتحقيق «خوف ورغبة» سنة 1953. ميزانية الفيلم بلغت نحو 30 ألف دولار جمعها من والده ومن عمّه ومما وفّره من مال (كان يعمل مصوّراً فوتوغرافياً لمجلة Look) وهو 3 آلاف دولار.
تقع أحداث الفيلم في نطاق الحرب العالمية الثانية، لكن المكان مبهم على أكثر من نحو. وزّع شخصياته الرئيسية على رقعة صغيرة في غابة ولم يكترث - عن قصد - لتحديد آخر. بذلك دشّن منهجه من اعتبار الحروب متشابهة جاعلاً من موضوع فيلمه هذا فرصة للحديث عن الصورة الأكبر.
هم أربعة أفراد تائهين في الغابة (كوربي هارب وستيفن كويت وفرانك سيليرا وبول مازورسكي) بعدما سقطت طائرتهم خلف خطوط العدو. يسعون لبناء طوّافة فوق النهر لكي تنقلهم عائدين إلى الأمان، لكنهم يتعرّضون لمعركة مع جنود العدو ثم يلقون القبض على فتاة ويربطونها إلى عمود وإغلاق فمها حتى لا تصرخ. أحدهم (مازورسكي)، وهو الأكثر اضطراباً بين الفريق، يقتلها.
بعد ذلك يصل «خوف ورغبة» إلى بيت القصيد. يجد الكولونيل كوربي (هارب) ملجأ للكولونيل من الأعداء يحتمي فيه مع معاونه. المفاجأة هي أن الكولونيل المعادي ومعاونه هما نسختان من كوربي ومعاونه فلتشر (كويت). هنا يساوي المخرج بين الطرفين ويمعن في القول بأن الحرب لا تعرف أبطالاً ولا أعداءً، بل ضحايا.
فيلمه الحربي التالي كان «ممرات المجد» على بعد أربع سنوات من الفيلم السابق. هنا يوجهنا المخرج للعودة إلى رحى الحرب العالمية الأولى. القيادة الفرنسية تأمر بشن هجوم مستحيل لاحتلال تلة استراتيجية مهما كلف الثمن، عندما يفشل الهجوم رغم كل ما بذل فيه من تضحية، تقرر القيادة إلقاء اللوم على ثلاثة ضباط رفضوا تنفيذ الأوامر وإعدامهم. لكن الكولونيل داكس (كيرك دوغلاس) يعارض ورغم معارضته فإن القيادة تنفذ القرار، مما يكشف لداكس أن الدافع الحقيقي هو حفظ ماء الوجه.
«ممرات المجد»، المأخوذ عن رواية لهفمري كوب، فيلم مأساوي خال من مواقف الوسط، وخال من التأثير الميلودرامي ـ الفجاعي في طروحاته الصارمة التي لا تعرف التستر. ينتقد كوبريك ما يعرضه الفيلم في تماسك شديد. تطير الكاميرا فوق رؤوس الجنود الفرنسيين في معالجة بصرية واقعية وجمالية في آن. يسحب المخرج من شكله الفني ما يتفق ومضمون عمله. في معالجة كوبريك لهذه المشاهد صخب الحرب وفوضاها، وهي على نقيض من مشاهد المحكمة التي تلج جوّا هادئاً وملتزماً.
- قنبلة فوق موسكو
بعد هذا الفيلم قرر كوبريك الإغارة على رواية أخرى وضعها بيتر جورج تحت عنوان «إنذار أحمر» وغيّر كوبريك العنوان إلى ‫«دكتور سترانجلَف أو: كيف تعلمت التوقف عن القلق وأن أحب القنبلة».‬ عنوان طويل يوجز كل السخرية التي حواها الفيلم. هو فيلم كوميدي في الأساس تولى كوبريك كتابة السيناريو وإنتاجه أيضاً وترك شؤون التصوير، بالأبيض والأسود، لغيلبرت تايلور، وتحدّث فيه عما يمكن أن يحدث لو أن طائرة نووية أميركية انطلقت لتقذف موسكو بقرار فردي ومن المستحيل استعادتها قبل أن تنجز مهمّتها.‬
يأمر الجنرال جاك ريبر (سترلينغ هايدن) بإرسال طائرة B‪ - ‬52. وكان لها طنّة ورنّـة آنذاك، لكي تدك الاتحاد السوفياتي بقنبلة نووية. الخاطر مخيف، وها هو رئيس الجمهورية الأميركي (بيتر سلرز) يجتمع وأركان قيادته (التي تضم جنرالاً آخر ذي نزعة عسكرية يقوم به جورج س. سكوت) لبحث الأمر. بين المجتمعين الدكتور سترانجلَف (بيتر سلرز أيضاً) الاستراتيجي المقعد الذي بات أقرب إلى الروبوت المُسير نظراً لتعدد إصاباته التي سببت له شللاً بدنياً.‬
هناك دور ثالث لسلرز في هذا الفيلم، إذ يؤدي دور الكابتن ليونيل الذي يبحث الوضع مع الجنرال ريبر. هذا يؤمن بأن ماء الشرب مسممة بعنصر كيماوي من شأنه تحويل الشارب عن مبادئه الأميركية.
هذا ما يقودنا إلى آخر فيلم أنجزه كوبريك في هذا المضمار (والفيلم ما قبل الأخير في مسيرته). «سترة معدنية كاملة» المقتبس عن رواية لغوستاف هاسفورد بعنوان آخر هو The Short‪ - ‬Timers («ذوو الفترة القصيرة» ونشرت سنة 1979).‬
لم يكن كوبريك على إلمام بالقصّة، بل اكتشف وجودها من خلال مراجعة قصيرة في مجلة أميركية. أعجبته فكرتها واشترى الحقوق مستبدلاً فيلماً كان يجول في باله حول الهولوكوست بهذا الفيلم.
أدار كوبريك جلسات هاتفية مطوّلة مع الروائي هاسفورد (الذي روى الحكاية من وجهة نظره كمجنّد في الحرب الفييتنامية) كون كوبريك لا يحب السفر. لاحقاً رفض كوبريك الموافقة على طلب هاسفورد حضور التصوير.
الفيلم مقسّم إلى جزأين يبدوان كما لو كان كل منهما ينتمي إلى فيلم منفصل. الجزء الأول يدور في معسكر تدريب يقوده ضابط قاس اسمه هارتمَن (ر. لي إرمي الذي كان مجنداً بدوره). ينتهي الجزء بقيام المجند بايل (فنسنت داونفريو) بقتل قائده والانتحار.
هدف هذا الجزء هو تصوير القسوة التي تحاول انتزاع الكرامة من الجندي قبل توجهه إلى الميدان، حيث تدور وقائع في رحى الحرب الفييتنامية في مدينة مهدّمة وجنود يحاولون التقدم صوب مبنى فيه قنّاص. هذا القنّاص امرأة للتدليل على صلابة المقاومة كما هم رجال لنقد الصورة البطولية التقليدية التي تداولتها معظم الأفلام الحربية الأخرى.
في كل هذه الأفلام لم يتوقف كوبريك عن التفكير بأن أي حرب من تلك التي نقلها إلى الشاشة (الحرب العالمية الأولى ثم الثانية مروراً بالحرب الباردة ثم فييتنام) لم تكن نهاية نزاع بصرف النظر عن الرابح فيها.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
TT

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

TO KILL A MONGOLIAN HORSE ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيانغ شياو شوان | Jiang Xiaoxuan

‫* هونغ كونغ / ماليزيا

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر. في المشهد الثاني قبيل النهاية يتقدم ساينا صوب الحصان نفسه يربت على وجهه، لكن الحصان ينظر إليه سريعاً ومن ثَمّ يشيح بوجهه بعيداً عنه. تمر بين المشهدين أحداث تنعكس على تلك العلاقة، فساينا مُخيّر بين أن يبيع حصانه ويعتزل المهنة التي توارثها بصفته مدربَ خيول وفارساً، أو البقاء في ذلك العمل. الحصان لا بد بات يشعر بأن صاحبه لم يعد ذلك الرجل الواثق من نفسه وقد يضحي بالفرس متى شاء.

«لقتل حصان منغولي» يطرح طوال الوقت (85 دقيقة) مسألة بين الأمس واليوم. إنها صحاري منغوليا الجافة التي لم تعُد تشهد مطراً كافياً لإنبات الأرض. السبب في الأزمة التحوّلات البيئية، وهذه واحدة من المسائل المطروحة بوضوح. تشكل عصباً مهماً كون صلب الموضوع يتعلق بحياة تتغير لا يستطيع ساينا فعل شيء حيالها. إنه مرتبط عاطفياً بتقاليد فروسية ومعيشية متوارثة في حين أن المتغيرات طرقت باب تلك التقاليد ولا مجال للحفاظ على الوضعين معاً. على ساينا ترك الماضي أو الانضمام إلى الحاضر. قدمٌ هنا وقدمُ هناك، والفيلم ينتهي بقرار يرتاح المُشاهد إليه.

كانت المخرجة الصينية الشابة جيانغ شياو شوان صوّرت فيلماً قصيراً في تلك الأنحاء وتعرّفت على مدرّب الخيول ساينا وراقبته في عمله. هذا ما أوحى إليها بإخراج هذا الفيلم عنه وعن البيئة وأزمة الوجود بين عالمين على المرء أن يختار بينهما. ساينا ممثلاً لديه القدرة على استخدام عدم حرفيّته في تناسب مع الشخصية التي يؤديها. رجل لديه من المتاعب مع والده السّكير والمديون ومطلّقته. في مشهد آخر يذكّره والده بأنه هو من وضعه فوق الفرس لأول مرّة عندما كان طفلاً صغيراً. يحاول ساينا فعل ذلك مع طفله، لكن طفله يخاف. هي فعلاً حياة أخرى تندثر سريعاً.

الفيلم معزّز بالألوان والإضاءات المناسبة داخلياً وخارجياً. الإيقاع متمهّل، لكنه ليس مُملاً وفيه ملامح من بعض أفلام الوسترن الأميركية التي تحدّثت بدورها عن غروب حياةٍ وبدء أخرى.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

★★★⭐︎‬SIMA‪’‬S SONG

* رويا سادات | ‪Roya Sadat‬

‫* هولندا، فرنسا، أسبانيا ‬

لعلها صدفة لم تستطع المخرجة رويا سادات تحاشيها، وهي أن بداية فيلمها هذا شبيهة ببداية فيلم أفغاني القضية أيضاً، حققته ساهرا ماني في فيلمها التسجيلي «Bread ‪&‬ Roses» الذي شوهد في 2023. كلاهما يبدأ بمظاهرة نسائية في كابل تنادي بحقوقها. بعد 3 دقائق ينفصل الفيلمان بالضرورة ويعود «أغنية سيما» من زمن «طالبان» الحالي إلى عام 1973 عندما كانت أفغانستان على وعد مع التقدم المجتمعي. سورايا (مزهدة جمالزاده) هي إحدى المتظاهرات ومع عودة الفيلم إلى فترة سابقة نجدها حين كانت لا تزال شابة تؤمن بمبادئ التحرر عموماً وتحرر المرأة خصوصاً. في الواقع الحكاية التي نشاهدها هي حكايتها وليس حكاية سيما (نيلوفار كوقحاني) صاحبة الصوت الجميل التي حين تغني، في أحد المشاهد، تثير إعجاب الحضور.

«أغنية سيما» (بلوتو فيلم)

حينها، يقول الفيلم، كان بالإمكان للفتاة الظهور بتنانير والرجال بربطات عنق. صداقة سورايا وسيما قوية لدرجة رفضها الإفصاح عن مكان صديقتها سيما وزوجها عندما انضما إلى حركة «طالبان» وبدأت الحكومة الأفغانية سلسلة الاعتقالات والتحقيقات. مع اعتقال سورايا والإفراج عنها واحتلال الفيلا حيث كانت تعيش مع أهلها يدخل الفيلم جوّاً داكناً في أجوائه كما في تأطير مشاهده. يزداد التوتر وتبدأ رسالته بالتبلور صوب مراميها على نحو أفضل. إنه فيلم عن آخر فترة من حياة ثقافية ومجتمعية واعدة قبل دخول الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الحكومة والولايات المتحدة لتأييد «طالبان».

يذكر الفيلم أن الأحداث مأخوذة عن قصّة واقعية، لكن هذا ليس ضرورياً، خصوصاً أن الشخصيات معروفة. ما يمكن التنويه إليه حقيقة أن التصوير وظّف أطراف مدينة أثينا بنجاح لافت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

في الصالات

* Juror‪#‬2 ‫★★★★‬

- دراما محاكِم نوعها غير معهود، للمخرج كلينت إيستوود، عن عضو لجنة محلّفين يحاول إخفاء جريمته.

* Nosferatu ‫★★★⭐︎‬

- يُعيد المخرج روبرت إيغرز سرد حكاية «نوسفيراتو» (1922) بزخم وطاقة جديدتين. يتضمن لحظات مرعبة.

* Carry‪-‬on ‫★★★‬

- تشويق جيد من جومى كوليت سيرا، حول رجل أمن في مطار مهدد باغتيال حبيبته إذا لم يهرّب متفجرة إلى طائرة.

* The Substance ‫★★⭐︎‬

- المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، تضع ديمي مور في بطولة فيلم عن امرأة تنشد شباباً وأنثوية دائمين.