«معركة دبلوماسية» في مجلس الأمن حول «الكيماوي» السوري

ضحايا يتهمون النظام ويقدمون شكاوى للادعاء الألماني

TT

«معركة دبلوماسية» في مجلس الأمن حول «الكيماوي» السوري

تراشق دبلوماسيون غربيون من جهة، وروس وصينيون من الجهة الأخرى، بالاتهامات، على خلفية جلسة عقدها مجلس الأمن لمناقشة ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا، بينما طالبت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، بـ«تحديد» و«محاسبة» المسؤولين عن استخدام هذه الأسلحة المحرمة دولياً في سياق الحرب السورية، مشيرة إلى اكتشاف مادة كيماوية في منطقة مجاورة للمركز السوري للدراسات والبحوث العلمية. وبصفتها رئيسة لمجلس الأمن للشهر الحالي، دعت روسيا المدير العام السابق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية جوزيه بستاني، لتقديم إحاطة خلال الجلسة الشهرية لمجلس الأمن حول الملف السوري. وخلال الاجتماع، طلب القائم بالأعمال البريطاني لدى الأمم المتحدة جوناثان ألن، الكلام، باسم بلاده ووفود أخرى، معبراً عن اعتراضه على دعوة بستاني الذي كان أقيل من منصبه. وطلب إجراء تصويت إجرائي على هذه المشاركة، وأيده المندوبان الفرنسي نيكولا دو ريفيير والألماني كريستوف هيوسيغن. ورد نائب المندوب الصيني جينج شوانغ، مدافعاً عن مشاركة بستاني. وأيده المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا.
وبعد التصويت الإجرائي، أيدت ثلاث دول هي الصين وروسيا وجنوب أفريقيا اقتراح دعوة بستاني لتقديم إحاطة. بينما رفضته ست دول هي أستونيا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وامتنعت عن التصويت ست دول هي جمهورية الدومينيكان وإندونيسيا والنيجر وسانت فنسنت وغرينادين وتونس وفيتنام. وبذلك سقط الاقتراح.
وعلى الأثر، قدمت ناكاميتسو إحاطة دعت فيها مجلس الأمن إلى «عدم التسامح مع الإفلات من العقاب فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية». وقالت إن جائحة «(كوفيد - 19) لا تزال تؤثر على قدرة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على الانتشار في سوريا»، علماً بأن الأمانة الفنية واصلت نشاطاتها فيما يتعلق بالقضاء على البرنامج السوري. وأضافت: «كما أعلم فإن الجمهورية العربية السورية لم تقدم بعد معلومات أو تفسيرات تقنية كافية تمكن الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية من إغلاق القضية المتعلقة بنتائج مادة كيماوية اكتشفت في أجزاء من المنطقة المجاورة للمركز السوري للدراسات والبحوث العلمية». وأوضحت أن الأمانة الفنية للمنظمة «ستواصل الانخراط مع السلطات السورية وستبلغ المجلس التنفيذي للمنظمة بأي تقدم في الوقت المناسب». وقال المندوب الروسي الذي تترأس بلاده مجلس الأمن للشهر الحالي، إن «ما حصل إجرائياً يظهر كيف أن الدول الغربية تريد فقط سماع تأكيدات لادعاءاتها وليس الحقيقة». ثم تلا البيان الذي كان سيقدمه بستاني، الذي أفاد بأنه «أقيل من إدارة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لأنه كان يحاول التمسك باتفاقية الأسلحة الكيماوية بالعدل المطلوب». واعتبر نيبينزيا أن التصريحات «كشفت التوجه المتحيز من جانب المجلس التنفيذي لمنظمة الأسلحة الكيماوية، الذي صار أداة الغرب لقمع دول معينة». وتطرق إلى أن «الادعاءات المتعلقة (بالمعارض الروسي) ألكسندر نوفالني تتبع المشكلة ذاتها». وأعلن تأييد موسكو «لإجراء تحقيقات نزيهة بعيداً عن المكائد والأكاذيب».
ووصفت المندوبة الأميركية كيلي كرافت، دعوة المدير السابق للمنظمة بأنه «محاولة فاضحة لحماية نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، الذي يواصل مهاجمة شعبه بالأسلحة الكيماوية، مما تسبب بمعاناة مروعة». وإذ نددت بـ«أي استخدام للأسلحة الكيماوية بأشد العبارات الممكنة»، طالبت أعضاء المجلس بـ«عدم التزام الصمت»، داعية «نظام الأسد إلى الامتثال للاتفاقية في أسرع وقت ممكن لتجنب المزيد من المآسي».
واتهم القائم بالأعمال البريطاني، السفير الروسي، بأنه «أظهر ازدراء لمجلس الأمن باختياره تجاهل التصويت الإجرائي». وحذر من أن «المجلس يجب أن يتوخى الحذر حيال أي إحاطة لا تؤدي إلا إلى تسييس مناقشاته وصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية».
وأكد المندوب الألماني أنه «ينبغي للمندوب الروسي أن يوضح من الذي يجلب العار إلى مجلس الأمن؛ أعضاء المجلس الـ12 الذين رفضوا الاستماع إلى افادة (بستاني) أم الصين وروسيا اللتان تمنعان وصف المعاناة الإنسانية في سوريا، والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وتسببت في مثل هذه المعاناة؟». وأسف نائب المندوب الصيني لنتيجة التصويت الإجرائي، واصفاً الآراء التي أعرب عنها بعض السفراء الغربيين بأنها «مثال على النفاق العفوي».
وأكد المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير، أن «إغلاق الملف الخاص بسوريا والأسلحة الكيماوية فيها لا يزال يمثل أولوية»، لكنه «لا يقترب بأي حال من الأحوال من تلك النقطة في الوقت الحالي»، مضيفاً أن الحكومة السورية «لم تفِ بوعدها في أن تصير شفافة في شأن مخزوناتها الكيماوية».
إلى ذلك، قال محامون يمثلون ضحايا هجمات أسلحة كيماوية في سوريا، إنهم قدموا شكاوى جنائية لدى المدعي الاتحادي العام في ألمانيا ضد مسؤولين سوريين يتهمونهم بالتسبب في موت مئات المدنيين في مناطق تسيطر عليها المعارضة. وتؤوي ألمانيا 600 ألف سوري، وتسمح قوانينها بالمقاضاة في جرائم ارتُكبت ضد الإنسانية في أي مكان بالعالم. ويفتح هذا ساحة قانونية نادرة للتحرك ضد حكومة الرئيس بشار الأسد.
كانت محاولات قوى غربية لفتح ساحة قضاء دولية للتعامل مع سوريا قد تعرقلت بسبب معارضة روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي. وتنفي الحكومة السورية أنها استخدمت أسلحة كيماوية ضد مواطنيها. ولم يتسن الاتصال بمتحدث باسم الادعاء العام بألمانيا لتأكيد تقديم الشكاوى. وتستند الشكاوى إلى ما يصفه المحامون بأنه أقوى دليل مادي حتى الآن على استخدام مواد مثل غاز السارين في الغوطة بسوريا في 2013، وفي خان شيخون بعدها بأربع سنوات، وهو ما أودى بحياة 1400 مواطن على أقل تقدير. ويقولون إن الأدلة تشمل شهادات 17 ناجياً و50 منشقاً لديهم معلومات عن برنامج الأسلحة الكيماوية بالحكومة السورية أو خطط لتنفيذ الهجومين. وقال ستيف كوستاس المحامي بمبادرة «العدالة» بمؤسسة «المجتمع المفتوح»، وهي إحدى ثلاث جماعات وراء الشكاوى، «قد يخلص الادعاء في النهاية إلى وجود ما يكفي من الأدلة لإصدار مذكرات اعتقال بحق أفراد بنظام الأسد». وأضاف: «ستكون هذه خطوة كبيرة في عملية أطول لمحاكمة مسؤولين سوريين».
في 2016، خلص تحقيق جرى بتفويض من الأمم المتحدة لتحديد من وراء هجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت غاز الكلور وغاز السارين. وقال مسعفة متطوعة أصيبت أثناء إنقاذ ضحايا الهجوم في الغوطة «هذه خطوة صغيرة لكنها تعطينا الأمل في أننا ربما نرى العدالة تتحقق يوماً ما». وأضافت المرأة التي فرت إلى ألمانيا في 2015، وطلبت عدم نشر اسمها، خوفاً على سلامتها، «بدأ العالم ينسانا، وشكاوانا تذكرة بأن العالم لديه التزام أخلاقي يحتم المساعدة في جلب من استخدموا أسلحة كيماوية أمام المحكمة».
ويسعى أيضاً محامون سوريون وضحايا تعذيب مزعوم لرفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين عسكريين وأمنيين سوريين سابقين يقيمون في ألمانيا، ويشتبه في انتهاكهم حقوق الإنسان.
وبدأت في ألمانيا في أبريل (نيسان) أول محاكمة لأفراد من الأجهزة الأمنية التابعة للأسد يُشتبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية تشمل التعذيب والاعتداء الجنسي.
وأصدر المدعي العام الألماني أيضاً مذكرة اعتقال دولية بحق رئيس المخابرات الجوية السورية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتنفي حكومة الأسد تعذيب المحتجزين.
وقال مازن درويش مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، «مغزى الشكاوى إرسال إشارة لداعمي النظام السوري الرئيسيَين، ألا وهما روسيا وإيران، بأنه لا حل للصراع دون محاسبة على الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.