كانت هناك حكاية يحب الفيلسوف الأميركي ويليام جيمس سردها عن شخص دائم الاستخدام للغاز المثير للضحك. فعندما كان هذا الشخص يستنشق الغاز، كان يعتقد أن كل شيء يسير على ما يرام وأنه يفهم كل أسرار الكون، لكن بمجرد أن ينتهي تأثير الغاز يعود كل شيء إلى طبيعته. وفي إحدى الليالي قرر أن يترك مفكرة بجانب سريره لكي يكتب فيها ما يراه عندما يكون تحت تأثير الغاز وقبل أن يسترد وعيه مرة أخرى. وعندما استردّ وعيه، مد يده بلهفة إلى الوسادة والتقط المفكرة لكي يرى ما كتبه عندما كان تحت تأثير الغاز، فماذا كانت رؤيته العظيمة؟ لقد نظر إلى الكلمات التي كتبها والتي كانت تقول: «تسود رائحة البترول في كل مكان»!
في الحقيقة، ينطبق نفس الأمر على المدير الفني لنادي مانشستر يونايتد، أولي غونار سولسكاير، حيث كانت هناك فترة قرب نهاية الموسم الماضي بدا الأمر خلالها كأن المدير الفني النرويجي قد حقق مبتغاه أخيراً وتوصل إلى خطة تكتيكية متماسكة. لكن عندما يعود سولسكاير إلى أرض الواقع وينظر هو الآخر إلى الوسادة إلى جانب سريره ويلتقط المفكرة الموجودة هناك فإنه لن يقرأ سوى كلمة واحدة فقط هي «برونو فرنانديز»، في إشارة إلى النجم البرتغالي الذي تعاقد معه النادي الموسم الماضي ويقدم مستويات جيدة للغاية.
وعندما ننظر إلى الأمور في سياق الأسبوعين الماضيين، فإن ما حدث لمانشستر يونايتد في يونيو (حزيران) الماضي يبدو غير مفهوم تماماً. فكيف يؤدي التعاقد مع لاعب واحد فقط إلى كل هذا الاختلاف في مستوى الفريق؟ وما الذي حدث لكي ينجح الفريق فور التعاقد مع اللاعب البرتغالي في تحقيق الفوز المتتالي على كل من شيفيلد يونايتد وبرايتون وبورنموث وأستون فيلا، بالشكل الذي جعل الجميع يشعرون بالتفاؤل في ملعب «أولد ترافورد»؟
صحيح أن وصول فرنانديز قد سمح لبول بوغبا باللعب بشكل أكبر في عمق الملعب، وهو ما أعطى توازناً كبيراً لخط الوسط، وصحيح أن اللاعبين الثلاثة في خط الهجوم –ماركوس راشفورد وميسون غرينوود وأنتوني مارسيال– يقدمون مستويات جيدة ويفهم كل منهم الآخر بشكل جيد، لكن ما الذي حدث بالضبط؟ وهل تألق اللاعب الشاب ميسون غرينوود، الذي يجيد اللعب بكلتا قدميه، في ذلك الوقت القصير بعد استئناف النشاط الكروي كان كافياً لتشتيت الانتباه عن المشكلات الكبيرة والواضحة التي كان يعاني منها الفريق حتى خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)؟
وبنهاية الموسم المحلي، كان الأمر يبدو كأن سولسكاير لا يثق إلا في التشكيلة الأساسية التي يدفع بها في المباريات وأنه لا يوجد لديه أي خيارات بديلة تمكّنه من تغيير شكل المباريات وقت الحاجة، وهو ما يعكس سياسة النادي الخاطئة فيما يتعلق بالصفقات الجديدة، خصوصاً أنه أنفق 500 مليون جنيه إسترليني خلال السنوات الخمس الماضية! وبالنظر إلى الجدول المضغوط للمباريات واعتماد سولسكاير على مجموعة محدودة من اللاعبين، لم يكن من الغريب أن يعاني الفريق من الإجهاد بحلول الوقت الذي تغلب فيه على ليستر سيتي في الجولة الأخيرة من الموسم الماضي، وهو الفوز الذي كان يعني تأهل النادي للمشاركة في دوري أبطال أوروبا.
وربما تسبب الإرهاق أيضاً في خسارة الفريق أمام إشبيلية في الدور نصف النهائي للدوري الأوروبي، لكن هذه الخسارة قد عكست أيضاً إخفاق سولسكاير كمدير فني، وافتقار النادي إلى الحلول الهجومية الفعالة في الكثير من المواقف. ونظراً لأن مانشستر يونايتد كان يواجه فريقاً منظماً يعتمد على العمق الدفاعي، كان من الواضح أن النادي الإنجليزي يفتقر إلى الإبداع والحلول غير المتوقعة في النواحي الهجومية، وهي الأمور التي تميّز أفضل الفرق. وقد واجه مانشستر يونايتد نفس المشكلة مرة أخرى في مباراته الأولى للموسم الحالي عندما خسر على ملعبه أمام كريستال بالاس.
لكن الحقيقة أن جميع الأندية الإنجليزية التي لعبت في المسابقات الأوروبية في شهر أغسطس لم تظهر بشكل جيد. ربما تستفيد هذه الأندية على المدى الطويل من البداية المتأخرة للموسم، لكن على المدى القصير كان من الواضح أن مانشستر سيتي وتشيلسي وولفرهامبتون ومانشستر يونايتد كانت غير مستعدة. لكن ما ينبغي أن يثير قلق مانشستر يونايتد هو الشعور بأن النادي قد عاد لنفس المستوى الذي كان عليه قبل فترة الإغلاق. صحيح أن النادي لديه بعض اللاعبين الممتازين الذين يمكنهم تسجيل أهداف مذهلة، كما فعل ماركوس راشفورد أمام برايتون، وصحيح أن النادي يمتلك خطاً هجومياً سريعاً يمكنه خلق مشكلات كبيرة للمنافسين، وصحيح أن التعاقد مع النجم الهولندي دوني فان دي بيك سوف يقوّي الفريق، لكن كل هذا لا يكفي في حقيقة الأمر.
وهذا لا يعني أيضاً أن التعاقد مع لاعب واحد أو اثنين أو أربعة كما حدث خلال اليوم الأخير من سوق الانتقالات، مهما كانت موهبتهم، سوف يؤدي إلى حل المشكلات التي يعاني منها الفريق. من حق مانشستر يونايتد أن يسعى بقوة للتعاقد مع نجم بروسيا دورتموند، جادون سانشو، ومن حقه أيضاً أن يحدد سعراً معيناً لا يمكنه أن يدفع أكثر منه، لكن المشكلة الآن تكمن في أن مانشستر يونايتد يسعى منذ فترة طويلة وعلى الملأ للتعاقد مع سانشو، وبالتالي فإن فشله في إبرام هذه الصفقة سيكون له تداعيات سلبية على النادي -ونائب الرئيس التنفيذي للنادي، إد وودوارد، لديه حساسية مفرطة تجاه التصور العام لما يحدث في النادي!
لقد كان شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بمثابة استثناء، عندما تعاقد مانشستر يونايتد مع برونو فرنانديز (وإن كان ذلك في اليوم الأخير من فترة الانتقالات الشتوية وبمقابل مادي أعلى مما كان متوقعاً) وعندما تعاقد مع أوديون إيغالو على سبيل الإعارة كمهاجم احتياطي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل التعاقد مع المهاجم الأوروغوياني إدينسون كافاني سيحل مشكلات مانشستر يونايتد الهجومية؟ إن التعاقد مع اسم كبير وبارز على الساحة العالمية مثل كافاني، لا يعد حلاً فورياً للمشكلات التي أسفرت عن هزيمة الفريق على أرضه أمام توتنهام 1 – 6، وتردد أن مانشستر يونايتد أنفق إجمالي 45 مليون جنيه إسترليني (58 مليون دولار) للتعاقد مع لاعب الظهير الأيسر أليكس تيليس من بورتو البرتغالي، والجناح الأوروغوياني فاكوندو بيليستري، والجناح الإيفواري أماد ديالو تراوري من أتلانتا الإيطالي.
وعلى الرغم من المبالغ المالية الكبيرة التي أنفقها مانشستر يونايتد، لا يزال الفريق بحاجة إلى التعاقد مع قلب دفاع. ومن الواضح أن مانشستر يونايتد يعاني من مشكلة كبيرة في قلب الدفاع، لا سيما بالنظر إلى حجم الأموال التي تم إنفاقها بالفعل على تدعيم هذا المركز. ويرى البعض أن مانشستر يونايتد يحاول تفادي التساؤلات حول قيادته والعروض السلبية للفريق، من خلال هذه الصفقات الجديدة. أما التعاقد مع اسم كبير وبارز على الساحة العالمية مثل كافاني، فلا يعدّ حلاً فورياً للمشكلات التي أسفرت عن هزيمة الفريق على أرضه أمام توتنهام بسداسية.
ولم يعد أحد يثق تماماً بحارس المرمى الإسباني ديفيد دي خيا بعد الآن، خصوصاً أنه يبدو غير مرتاح تماماً عندما يعتمد الفريق على الضغط العالي والدفاع المتقدم. ثم هناك مشكلة أخرى تتمثل في المركز الذي يجب أن يلعب به بول بوغبا، وهي المشكلة التي تذكّرنا بالنقاش الذي كان يدور حول الكيفية التي يجب أن يلعب بها لامبارد وجيرارد معاً في خط وسط المنتخب الإنجليزي! لكن في حين أنه قد يكون صحيحاً أن لاعبين آخرين من خلفيات أخرى أو لديهم قصّات شعر أقل لفتاً للنظر من بوغبا قد يُعامَلون بشكل مختلف، فمن الصحيح أيضاً أن بوغبا لم يقدم أداءً ثابتاً وقوياً على مدار السنوات الأربع الماضية منذ عودته إلى مانشستر يونايتد مقابل 90 مليون جنيه إسترليني.
ومن الصحيح أيضاً أن بوغبا كان سيئاً للغاية في المباريات التي لعبها مانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. والأسوأ من ذلك بالنسبة لمانشستر يونايتد يتمثل في أن النادي لم يعد لديه خيار واقعي لبيع اللاعب الفرنسي بمقابل مادي جيد، نظراً لأنه يبلغ من العمر 27 عاماً، ونظراً لأن كرة القدم العالمية تعاني من انكماش مالي واضح بسبب تداعيات فيروس «كورونا» (وإن كان الدوري الإنجليزي الممتاز مستثنى من ذلك بشكل غريب).
ربما سيستعيد مانشستر يونايتد إيقاعه السابق، لكن الخسارة أمام كريستال بالاس والفوز بقدر كبير من الحظ أمام برايتون والخسارة المذلة أمام توتنهام، كل هذا يشير إلى أن مانشستر يونايتد لم ينجح في حل أيٍّ من المشكلات القديمة بالفعل، فملّاك النادي لا يتخذون القرارات المناسبة، وسياسة النادي فيما يتعلق بالصفقات الجديدة حولها العديد من علامات الاستفهام، والفريق يعاني من نقاط ضعف واضحة، والمدير الفني لم يقدم ما يوضح أنه يمتلك الصفقات والقدرات التي تؤهله لقيادة نادٍ مثل مانشستر يونايتد. وحتى التعاقد مع فرنانديز لا يكفي لأن يقدم الفريق مستويات جيدة ومستدامة، وحتى الصفقات الأخيرة لن تضيف جديداً إلى مانشستر يونايتد. وبالتالي، لم يتغير أي شيء في مانشستر يونايتد في حقيقة الأمر. وعاجلاً أم آجلاً، سيتعين على مانشستر يونايتد أن يستيقظ من سباته العميق ويدرك أن ما قام به ليس كافياً وأنه يتعين عليه اتخاذ خطوات قوية وملموسة من أجل العودة إلى المسار الصحيح.
صيف التعاقد مع فرنانديز قد يتحول إلى شتاء كئيب
هل صفقات مانشستر يونايتد الأخيرة كافية لعودة الفريق إلى المسار الصحيح؟
صيف التعاقد مع فرنانديز قد يتحول إلى شتاء كئيب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة