نُذر خريف قاسٍ في أوروبا... والإقفال العام {كابوس}

الحكومات تلجأ إلى استراتيجية {الاحتواء المحلي}

طبيبة تتحدث مع متعافية من {كوفيد - 19} خلال تبرعها ببلازما الدم في إسبانيا أمس (أ.ف.ب)
طبيبة تتحدث مع متعافية من {كوفيد - 19} خلال تبرعها ببلازما الدم في إسبانيا أمس (أ.ف.ب)
TT

نُذر خريف قاسٍ في أوروبا... والإقفال العام {كابوس}

طبيبة تتحدث مع متعافية من {كوفيد - 19} خلال تبرعها ببلازما الدم في إسبانيا أمس (أ.ف.ب)
طبيبة تتحدث مع متعافية من {كوفيد - 19} خلال تبرعها ببلازما الدم في إسبانيا أمس (أ.ف.ب)

يوماً بعد يوم، يكفهر المشهد الوبائي في أوروبا منذراً بخريف قاسٍ تنسدل فيه مجدداً ستائر الإقفال التام على الكابوس الأسوأ الذي يراود الحكومات إذا اضطرت إلى تجميد الحياة الاجتماعية ووضع النشاط الاقتصادي في حال من الإغماء لوقف سريان فيروس {كورونا} الذي عاد يتمدّد بسرعة وكثافة تتجاوز في بعض الحالات المستويات التي بلغها خلال ذروة الجائحة في الربيع الفائت.
والحكومات الأوروبية التي تعرف أن العودة إلى إقفال المدارس والمتاجر والمكاتب والمصانع ستكون الضربة القاضية بالنسبة لمعظم الاقتصادات التي أنهكتها الموجة الأولى من الوباء، تحاول أن تتحاشاها باتباع استراتيجية {الاحتواء المحلّي} التي تقوم على الإسراع في رصد بؤر الانتشار وعزلها عن المناطق المحيطة بها، وهي التي عبّر عنها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي يهوى استخدام الاستعارات، عندما وصفها بلعبة Whac-a-Mole التي كلما ظهر فيها رأس الخلد من جحرٍ وجب على اللاعبين ضربه بمطرقة.
لكن الواقع الوبائي أكثر تعقيداً من ذلك، ولا تكفي ضربة بالمطرقة على رأس الفيروس للقضاء عليه. ويخشى خبراء من أنه إذا كانت موجة الوباء الأولى في أوروبا قد أسفرت عن إجحاف نسبي في التعامل بين البلدان وتقاسم التضحيات بين مواطني الدولة الواحدة، فإن هذه الاستراتيجية لمواجهة الموجة الثانية من شأنها أن تؤدي إلى تأجيج الأحقاد الإقليمية المتجذّرة داخل معظم الدول الأوروبية.
وتفيد دراسة وضعها فريق من خبراء المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة بأن تدابير العزل المحلية ستثير جدلاً أوسع وأعمق من إجراءات العزل على الصعيد الوطني، لأن المناطق المعزولة ستشعر بالإجحاف مقارنة بالمناطق الأخرى التي ستنعم بمزيد من الحريّة في الحياة اليومية والنشاط الاجتماعي والقدرة على مواصلة الحركة الاقتصادية.
وفيما كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تعلن صباح أمس (الاثنين)، أنها في الحجر الصحي الطوعي بعدما تبيّن أن أحد الأشخاص الذين شاركوا في اجتماع عقدته أواخر الأسبوع الماضي مصاب بالفيروس، صدر عن وحدة مراقبة جائحة {كوفيد - 19} في المفوضية الأوروبية أن المشهد الوبائي في بلدان الاتحاد يستوجب اتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة مفصولة عن أي اعتبارات غير علمية. وفي ذلك إشارة إلى بعض البلدان التي تتأخر في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء الوباء، أو تتخذ تدابير دون الفاعلية المطلوبة، مبدية الحسابات السياسية على الاعتبارات الصحية.
ولعلّ المثال الأوضح على المخاطر التي تنشأ عن إخضاع إدارة الجائحة للتجاذبات السياسية هو الوضع في مدريد التي تشكّل اليوم البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في أوروبا، والتي يعيش سكّانها حالة من التخبط والفوضى وسط غابة من التدابير المتضاربة التي فرضتها الحكومتان المركزية والإقليمية، الأولى اشتراكية والثانية يمينية محافظة. وتتنازع هاتان الحكومتان صلاحيات إدارة الأزمة وتسخّرانها أداة في المواجهة السياسية.
وأدّت هذه الإدارة المتعثّرة للوضع الوبائي المتفاقم في مدريد، الذي يُخشى أن يكرّر المرحلة المأساوية التي عاشتها العاصمة الإسبانية في الربيع الفائت، إلى انتفاضة واسعة في الأوساط العلمية والصحية، حيث وقّعت 55 من الهيئات العلمية والنقابات الطبية تمثّل 170 ألفاً من المتخصصين في هذه الحقول، عريضة تعرب عن الاستياء من أداء الطبقة السياسية في إدارة الأزمة تحت عنوان {في الصحة أنتم أصحاب القرار، لكنكم لا تعرفون}. وحذّر الموقّعون على العريضة من أن المعركة ضد الفيروس {يجب أن تستند قراراتها الأساسية إلى أفضل القرائن العلمية المتاحة، بمعزل كلّياً عن الصراع السياسي الدائم}. ومن مآخذ الأوساط العلمية على السلطات المركزية والإقليمية في إدارة الأزمة الصحية القرارات حول استخدام الكمامات العازلة وتحديد الفئات التي يجب أن تخضع للفحوصات والمعايير المعتمدة لفرض قيود على الحركة، وبخاصة عدم وضوح هذه القرارات وعدم التنسيق بينها.
وفيما تدقّ نواقيس الخطر في جميع الأقاليم الإسبانية التي تجاوزت إصاباتها الخط الأحمر ويستعدّ بعضها لفرض تدابير العزل التام على بؤر الانتشار الرئيسية فيها، تتجه فرنسا نحو مشهد مماثل. وفي إيطاليا، حذّرت السلطات الصحيّة من أن الرسم البياني لتطور انتشار الفيروس في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أننا {تجاوزنا عتبة الموجة الثانية، ومن المتوقع أن نشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات الجديدة خلال الأسابيع المقبلة}. وكان وزير الصحة روبرتو سبيرانزا قد صرّح بأن المعركة الحاسمة ضد الموجة الثانية من الوباء {تدور رحاها اليوم ولا يمكن أن تستمر بعد نهاية هذه الشهر. أمامنا أسبوعان أو ثلاثة لدحر الفيروس قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة}. في غضون ذلك، أعلنت ولاية في شمال ألمانيا فرض قيود على السفر إلى أربعة أحياء في برلين، نظراً لارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس.
وفي لندن، قالت كايت بينغهام التي عينتها الحكومة البريطانية في الربيع رئيسة لمجموعة العمل المكلفة التلقيح ضد {كوفيد - 19}، إن بريطانيا تعتزم إعطاء الألوية في التلقيح ضد فيروس {كورونا} - عند توافر اللقاح - للمسنين والعاملين في مجالات معرضة للعدوى من دون تنظيم حملة تلقيح معممة على جميع السكان، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت بينغهام لصحيفة {فايننشيال تايمز} إنه لن يكون هناك أي حملة تلقيح عامة. وأوضحت في المقابلة التي نشرتها الصحيفة مساء الأحد على موقعها الإلكتروني: {إننا بحاجة فقط لتلقيح كل الأشخاص المعرضين للخطر}. وأضافت: {يتحدثون عن (الوقت اللازم لتلقيح جميع السكان) لكن هذا خطأ. لن يكون هناك تلقيح لمن هم دون 18 عاماً من العمر. سيكون ذلك لقاحاً للبالغين فقط، لمن هم فوق الخمسين من العمر، وبصورة خاصة للعاملين الطبيين وموظفي دور الرعاية للمسنين والأكثر عرضة}.
وفي دبلن، أفادت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) بأن الحكومة الآيرلندية تدرس فرض إجراءات أكثر صرامة لمواجهة {كورونا}، عقب أن أوصى الفريق الوطني المعني بطوارئ الصحة بإعادة بفرض إجراءات الإغلاق. وتنص قيود المستوى الخامس، وهو أعلى مستوى في خطة {التعايش مع كورونا}، على إغلاق جميع الأعمال التجارية غير الأساسية وإلزام المواطنين بعدم الابتعاد عن منازلهم لمسافة أكثر من خمسة كيلومترات، وعدم السماح بالزيارات الخاصة. وستظل المدارس مفتوحة لكن لن يسمح بتجمعات في أماكن مفتوحة أو مغلقة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».