إردوغان يبحث مع السراج أسباب استقالته

جانب من لقاء الرئيس التركي وفائز السراج في إسطنبول ليلة أول من أمس (رويترز)
جانب من لقاء الرئيس التركي وفائز السراج في إسطنبول ليلة أول من أمس (رويترز)
TT

إردوغان يبحث مع السراج أسباب استقالته

جانب من لقاء الرئيس التركي وفائز السراج في إسطنبول ليلة أول من أمس (رويترز)
جانب من لقاء الرئيس التركي وفائز السراج في إسطنبول ليلة أول من أمس (رويترز)

ناقش الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تطورات الأوضاع في ليبيا، والحل السياسي، مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، وذلك غداة لقائه مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، مساء أول من أمس، في إسطنبول، الذي جدد خلاله الدعم لحكومة الوفاق، وللعملية السياسية في ليبيا.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع ستولتنبرغ، عقب مباحثاتهما في أنقرة أمس، التي سبقت لقاءه مع إردوغان، إنه تم تقييم التطورات في ليبيا، ووقف إطلاق النار، ومفاوضات الحل السياسي.
وقال إردوغان خلال لقائه في إسطنبول مع السراج إن تركيا تهدف إلى تعزيز العلاقات مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في ليبيا. وذكرت الرئاسة التركية، في بيان عقب الاجتماع الذي عقد ليلة أول من أمس، وضم مسؤولين من الجانبين، إن تركيا ستواصل الوقوف «بتضامن تام» مع حكومة الوفاق الوطني، وستظل مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم.
وجاء اللقاء بعد نحو أسبوعين من إعلان السراج عزمه الاستقالة بحلول نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وذلك على خلفية إعلان وقف إطلاق النار في 21 أغسطس (آب) الماضي، وهو الإعلان الذي استقبله إردوغان بغضب وانزعاج، قائلاً إن تركيا لا تشعر بالارتياح لقرار السراج التنحي، لا سيما أنه جاء بعد أيام من لقاء سابق بينهما في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وتطرق إردوغان خلال اللقاء إلى قرار السراج الاستقالة وأسبابه، وموقف تركيا منه، ومفاوضات الحل السياسي في ليبيا. وقبل اللقاء، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية إن المجلس الرئاسي الليبي يمكن أن يتحول إلى هيكل جديد مختلف تماماً، مشيراً إلى أن السراج لم يستقل من رئاسة حكومة الوفاق حتى الآن، بل يعتزم الاستقالة أواخر الشهر الحالي، وأن سبب الاستقالة يمكن أن يكون احتجاج السراج على بعض القضايا الخلافية في ليبيا، مؤكداً أن تركيا «ستواصل دعمها لحكومة الوفاق، فدعمها لها لا يرتبط بشخص، بل بالحكومة نفسها، وتركيا ستواصل عقد اتفاقيات مع حكومة الوفاق».
ومن جانبها، قالت حكومة «الوفاق»، في بيان حول اللقاء، إنه جرى «في إطار عملية التشاور والتنسيق وتبادل الآراء، بمشاركة مسؤولين كبار من الطرفين، حيث تناولت المحادثات مستجدات الأوضاع في ليبيا، وتعزيز آفاق التعاون المشترك».
وبحسب البيان، فقد جدد الجانبان التأكيد على الحل السياسي للأزمة الليبية، في إطار مخرجات مؤتمر برلين. وقال السراج في هذا السياق إنه «في الوقت الذي نسعى فيه لتحقيق السلام على كامل التراب الليبي، فإننا سنواصل رفع درجة الاستعداد والتأهب لمواجهة أي طارئ، مستفيدين في ذلك من التجارب السابقة».
وأضاف البيان أن الجانبين اتفقا على أن تشهد المرحلة المقبلة توسيع آفاق التعاون، ليشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، وتنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه من عودة الشركات التركية لاستكمال المشاريع المتوقفة في ليبيا، وإعطاء الأولوية لمساهمة الشركات المتخصصة في مشاريع الخدمات وبرامج الصيانة، والبدء بعدد من القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاعي الكهرباء والصحة، لإيجاد حلول جذرية للمشكلات في القطاعين بكفاءة، وفي زمن قياسي.
وفي سياق متصل، كشف موقع «صومالي جارديان» أنباء عن مقتل 25 جندياً صومالياً وليبياً ممن تدربهم تركيا خلال شجار مسلح وقع يوم الأحد بمركز تدريب عسكري تركي في مدينة إسبرطة، جنوب غربي تركيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.