بدا أن اتساع حجم المواجهات، واتساع نطاقها ليشمل اعتداءات متبادلة على المدن في جبهتي القتال، عزز من مخاوف تحول المعارك إلى «حرب مفتوحة طويلة الأمد». وبرز ارتباك لدى الأطراف الإقليمية والدولية، إذ سارعت بيلاروسيا وأوكرانيا إلى تأكيد عدم تدخلهما بدعم أي من الطرفين، بعد تقارير إعلامية تحدثت عن مشاركة الطرفين في تقديم دعم لأذربيجان، فيما دخل حلف الأطلسي على الخط، بدعوة الطرفين إلى وقف فوري للنار. وفي مقابل تمسك موسكو بنهج الوساطة، ودعوتها إلى إحلال قوات فصل روسية على خطوط التماس، أطلقت كل من باكو ويريفان إشارات لاستمالة الموقف الروسي.
وتبادل الطرفان الأرمني والأذري، أمس، اتهامات بتوسيع استهداف المناطق المدنية، خصوصاً المدن في عمق منطقة النزاع على الجانبين. وأفادت وزارة الدفاع الأرمنية بأن عاصمة إقليم قره باغ، ستيباناكيرت، تعرضت صباح أمس لاستئناف القصف الصاروخي المكثف، بعد هدوء نسبي لم يستمر أكثر من ساعات معدودة، ما يعني أن القصف تواصل لليوم الثالث على التوالي، فيما اتهمت باكو القوات الأرمنية بقصف 3 بلدات في الإقليم غدت تحت سيطرة القوات الأذرية.
وأفادت وكالة أنباء «نوفوستي» الروسية أنه سمع دوي نحو 20 انفجاراً ناجماً عن القصف المدفعي في ستيباناكيرت، مضيفة أن الانفجارات وقعت قرب وسط المدينة، وأنه جرى استخدام راجمات صواريخ أيضاً خلال القصف، في حين أشارت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأرمنية، شوشان ستيبانيان، إلى أن «الجيش الأذري استأنف هجومه على المحور الجنوبي للجبهة في قره باغ، وأن معارك ضارية جرت في المنطقة، وجهت خلالها وحدات جيش دفاع قره باغ ضربات معاكسة ضد القوات المهاجمة». وفي المقابل، قالت وزارة الدفاع الأذرية، هذا الصباح، إن بلدات بردا وترتار وبيلاغان تعرضت لقصف مركز من جانب القوات الأرمينية.
وأفادت الوزارة، في وقت سابق صباح أمس، بأن أنظمة رادار الدفاع الجوي الأذرية رصدت إطلاق صواريخ باتجاه أذربيجان من مواقع في 3 مناطق داخل أراضي أرمينيا، وزادت أن يريفان تواصل استهداف المدن داخل عمق الأراضي الأذرية. وأعلن مساعد الرئيس الأذري للشؤون الخارجية، حكمت حاجييف، أن القوات الأرمينية المسلحة شنت قصفاً صاروخياً استهدف مناطق داخل أذربيجان، من بينها مواقع قرب العاصمة باكو.
وقال حاجييف، في تغريدة عبر «تويتر»: «أرمينيا شنت ضربات صاروخية على السكان المدنيين والبنية التحتية في أذربيجان. تعرضت كنجه، ثاني أكبر مدينة، لهجوم بـ4 صواريخ، إضافة إلى الذخائر العنقودية من منظومات سميرتش».
وأضاف حاجييف أن الهجوم استهدف كذلك مدينة خيذيه ومنطقة أبشيرون، الواقعتين بالقرب من باكو، بصاروخين يصل مداهما إلى 300 كيلومتر. وتابع أن صاروخين آخرين استهدفا مدينة مينغاتشيفير الصناعية التي تضم خزاناً للمياه، ومحطة كهرباء رئيسية، مشدداً على أن القصف «تعبير همجي عن اليأس». لكن الجانب الأرميني نفى صحة هذه المعطيات التي وصفتها وزارة الخارجية بأنها «معلومات مضللة بشكل مطلق»، وقالت في بيان إن «التقارير الواردة في الساعات القليلة الماضية حول توجيه ضربات من أراضي أرمينيا على مناطق سكنية بأذربيجان هي معلومات مضللة، ويبدو أن أذربيجان تمهد الطريق بهذه الطريقة لتوسيع جغرافية الحرب».
ولفتت إلى أن «بيان أهداف حملة التضليل الإعلامي إخفاء القصف الهائل الذي شنته أذربيجان على مواقع سكنية كبيرة في قره باغ منذ الأيام الأولى للحرب، ما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية».
وكان لافتاً، أمس، أن وزارة الدفاع الأرمنية نشرت معطيات عن خسائر أذربيجان خلال أسبوع من المواجهات. ووفقاً لها، فقد تكبد الجانب الأذري منذ بدء الأعمال القتالية في قره باغ حتى الأحد خسائر فادحة في المعدات. ونشر المتحدث باسم الوزارة، آرتسرون هوفهانيسيان، رسماً توضيحياً يفيد بأنه «منذ بداية الأعمال القتالية، تمكنت قوات قره باغ من تدمير 124 طائرة مسيرة، و14 طائرة هليكوبتر، و17 طائرة حربية، و368 عربة مصفحة، و4 راجمات صواريخ من طراز سميرتش». ووفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأرمنية، فقد بلغت خسائر القوات المسلحة الأذرية في الأفراد 3154 شخصاً.
وفي غضون ذلك، نقلت وكالة «نوفوستي» الروسية عن مصادر مطلعة في المعارضة السورية أن 93 من «المرتزقة السوريين» قتلوا في معارك قره باغ مؤخراً، فيما توجهت دفعة جديدة من المسلحين السوريين إلى جبهة القتال هناك. وأفاد أحد المصادر للوكالة بأنه «تم نقل جثث 53 مرتزقاً إلى سوريا الأحد... بذلك، بلغ إجمالي عدد القتلى من المرتزقة السوريين 93 شخصاً». وزاد أن دفعة ثالثة من المرتزقة تضم 430 عنصراً غادرت إلى منطقة النزاع في قره باغ نهاية الأسبوع الماضي. وذكر مصدر آخر في المعارضة السورية أنه بحلول مطلع الشهر، كان هناك 322 مرتزقاً سورياً «مجهزين بشكل جيد» في قره باغ.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه تم نقل 300 مسلح سوري عبر مدينة غازي عنتاب التركية إلى باكو، لكن الرئيس الأذري إلهام علييف نفى صحة المعطيات، وطالب ماكرون بـ«الاعتذار» للشعب الأذري. وبدا أمس أن تواصل المعارك، واتساع رقعتها، فضلاً عن التضارب الكبير في المعلومات التي يقدمها الطرفان، دفع أطرافاً إقليمية إلى النأي بنفسها عن الصراع، حيث نفت وزارة الدفاع البيلاروسية صحة تقارير عن إرسالها طيارين عسكريين إلى أذربيجان للمشاركة في الأعمال القتالية الجارية. وكانت تقارير قد أشارت إلى أن باكو كانت بانتظار وصول طيارين عسكريين من بيلاروس للمشاركة في المعارك الدائرة في قره باغ. كما أفادت تقارير أخرى بأن أذربيجان توجهت أيضاً إلى أوكرانيا بطلب تقديم مساعدة عسكرية لها، لكن كييف رفضت هذا الطلب، مؤكدة أنها لن تشارك في الأعمال القتالية في المنطقة بأي شكل كان. وسبق أن أعلنت كييف أنها لم ترسل أي تعزيزات، ولم تقدم مساعدات لأي من طرفي الأزمة. وتزامن هذا مع دخول إيران التي سقطت على أراضيها بعض القذائف التي يتبادل الطرفان إطلاقها مجدداً على خط الدعوة إلى التهدئة، وحذرت من اضطرارها للرد، في حال تم انتهاك مجالها الجوي.
وفي غضون ذلك، أعرب الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، عن قلقه من استمرار الأعمال القتالية بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم قره باغ، وجدد الدعوة للطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار في المنطقة.
وقال ستولتنبيرغ، أمس، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو في أنقرة: «نحن قلقون جداً بسبب استمرار الأعمال العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا، ونتوقع من تركيا أن تهدئ الوضع بينهما».
وحذر ستولتنبيرغ من أن «هذا النزاع يشكل خطراً على الاتجاهات كافة، بما في ذلك في مجال الطاقة»، وأن «هذا وضع خطير للغاية بالنسبة للمنطقة بأكملها، ولأعضاء الحلف أيضاً». وأضاف: «نراقب الوضع من كثب، ونحن نرسل رسالة واضحة للطرفين بأن يوقفا القتال فوراً، على أن يتم التوصل إلى حل سلمي عن طريق المفاوضات».
ومن جهته، دعا شاويش أوغلو الناتو لأن يطالب أرمينيا بالانسحاب من قره باغ، مشيراً إلى أن أرمينيا تستهدف المدنيين والنساء والأطفال علناً، بما يمثل جريمة حرب.
وكان رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، قد طالب الحكومة الأميركية وحلف الأطلسي بتقديم تفسير، على خلفية ما وصفه بـ«استهداف سلاح الجو التركي المدنيين في قره باغ، باستخدام مقاتلات (إف-16) أميركية الصنع».
وقال باشينيان: «على الولايات المتحدة أن تشرح: هل قدمت طائرات (إف-16) هذه لتركيا من أجل قصف المدنيين والقرى المسالمة؟».
وفي وقت سابق، اتهمت يريفان تركيا مراراً بأنها تدعم أذربيجان بقوة في المعارك الجارية في قره باغ.
إلى ذلك، سعى الطرفان الأرميني والأذري، أمس، إلى كسب ود موسكو التي التزمت الحياد حتى الآن، واكتفت بالدعوة إلى التهدئة، وعرضت أول من أمس إدخال قوات روسية تكون وحدات فصل بين المتحاربين على خطوط التماس. وأشاد الرئيس الأذري، إلهام علييف، بما وصفه بـ«موقف روسيا بالغ المسؤولية» حيال الصراع الدائر.
وقال علييف إن مستوى التعاون بين باكو وموسكو «يبقى عالياً جداً، والعلاقات بين الدولتين تتسم بالشراكة الاستراتيجية». وتابع أن روسيا «تظهر أنها دولة كبيرة مسؤولة»، مضيفاً أن تصريحاتها «متحفظة»، و«تأتي منها رسائل إيجابية». واتهم الرئيس الأذري أرمينيا بأنها «تحاول جذب روسيا إلى جانبها في هذا النزاع»، وزاد: «لماذا توجه أرمينيا ضربات إلى مدن أذرية من عمق أراضيها؟ إنها تفعل ذلك كي نرد باستهداف أراضي أرمينيا، لكي تتوجه يريفان لطلب المساعدة من روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي»، في إشارة إلى المنظمة الدفاعية التي تضم كلاً من روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وبيلاروسيا.
وفي المقابل، توقع رئيس الوزراء الأرمني، نيكول باشينيان، أن روسيا «ستتدخل عسكرياً، في حال تطلبت الضرورة ذلك، لضمان أمن أرمينيا، بموجب الاتفاقات الثنائية بين البلدين». وقال باشينيان، في مقابلة صحافية، إن «أرمينيا تحتضن القاعدة العسكرية الروسية الـ102. ولدينا نظام مشترك للدفاع الجوي».
وأضاف أن «الاتفاقات الثنائية تحدد بشكل واضح ما الحالات التي يمكن فيها إشراك هذه القوات لضمان أمن أرمينيا. وأنا على يقين بأن روسيا، في حال وقوع هذه الحالات، ستنفذ التزاماتها في إطار الاتفاقات».
اتساع مواجهات قره باغ يربك الأطراف الإقليمية والدولية
استهداف المدن يتواصل... وباكو ويريفان «تغازلان» موسكو
اتساع مواجهات قره باغ يربك الأطراف الإقليمية والدولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة