شكل قرار النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، بإصدار مذكرة بلاغ بحث وتحرٍ بحق رئيسة مصلحة تسجيل السيارات المهندسة هدى سلّوم وخمسة موظفين، تحدياً غير مسبوق لوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، لا سيما وأن المذكرات صدرت إثر رفض وزير الداخلية مثول المهندسة سلوم أمام القاضية عون أو التحقيق معها، كما شكل تعدياً على صلاحيات النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بوصفه رئيساً للنيابات العامة والضابطة العدلية في كلّ لبنان، وتجاوزاً للتعليمات التي أعطاها إياها لصرف النظر عن استدعاء سلوم للتحقيق، غداة امتناع وزير الوصاية عن إعطاء الإذن بملاحقتهم.
وتعكس خطوة القاضية عون المحسوبة على «التيار الوطني الحر» عمق الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية، وهي تأتي استكمالاً لتوقيف سلوم أواخر العام الماضي، وتحريك ثلاث دعاوى قضائية ضدّها بتهمة سرقة المال العام والرشوة وصرف النفوذ، باعتبار أن سلّوم هي قريبة النائب هادي حبيش عضو كتلة نواب «المستقبل» التي يرأسها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وكشف مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإجراء الذي اعتمدته القاضية عون باستدعاء المهندسة سلوم وخمسة موظفين في مصلحة تسجيل السيارات للتحقيق معهم بملفّ يعود لعام 2016 ليس غير قانوني، لأن هذا الملف قيد التحقيق أمام النيابة العامة المالية». ولفت المصدر إلى أن سلوم «طلبت من القاضية عون إبلاغها الاستدعاء بواسطة وزير الداخلية كونه رئيسها المباشر»، مشيراً إلى أن وزير الداخلية «وجّه كتاباً إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أبلغه فيه عدم السماح بمثول سلوم وباقي الموظفين أمام القاضية عون مجدداً، فما كان من القاضي عويدات إلا أن طلب من عون صرف النظر عن استدعاء سلوم ورفاقها، لكنّهم فوجئوا بإصدار بلاغات بحث وتحرٍ بحقهم».
هذا الإجراء، دفع القاضي عويدات إلى إلغاء مذكرات البحث والتحري، وإطلاع مجلس القضاء الأعلى على حقيقة ما حصل، والطلب منه اتخاذ الإجراء المناسب بحق القاضية المذكورة، في وقت اعتبر الوكيل القانوني للمهندسة سلوم المحامي مروان ضاهر، أن قرار القاضية «بعيد كل البعد عن محاربة الفساد، ولا يعدو كونه إجراءً انتقامياً، يتجاوز حقها في تطبيق القانون». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الملف الذي استدعيت بموجبه سلوم للتحقيق هو قيد النظر أمام النيابة العامة المالية».
وقال ضاهر: «في عام 2016، اكتشفت سلوم اختلاسات في مصلحة تسجيل السيارات، وأحالت هذه القضية إلى النيابة العامة المالية، كما اكتشفت أموراً مماثلة في عامي 2018 و2019، وبدأت التحقيقات مع موظفين». وأضاف: «فوجئنا منذ ثلاثة أشهر بأن القاضية عون وضعت يدها على الملف خلافاً للقانون، إذ لا يجوز التحقيق بقضية واحدة أمام مرجعين قضائيين، واستدعت موكلتي (هدى سلوم) وخمسة موظفين للتحقيق»، مشيراً إلى أن سلوم طلبت إبلاغها بواسطة وزير الداخلية، وما إن تسلم الأخير مذكرة التبليغ رفضها، فما كان منها إلا أن أصدرت مذكرات البحث والتحري.
كانت القاضية غادة عون أوقفت سلوم أواخر العام الماضي، وادعت عليها بتهم «اختلاس المال العام والرشوة»، وكلما صدر قرار عن قاضي التحقيق بإخلاء سبيلها تلجأ إلى إقامة دعوى جديدة ضدّها، وشدد المحامي ضاهر على «وجود نزاع قضائي بين موكلته والقاضي عون بعدما رفعت سلوم دعوى قضائية ضدها بجرم توقيفها وحجز حريتها خلافاً للقانون، وبالتالي هي خصم ولا يحق لها التحقيق معها».
ولا تزال عودة المهندسة سلوم إلى وظيفتها تثير حفيظة «التيار الوطني الحر»، حيث أصدر رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج أوغست عطية (المحسوب على رئيس الجمهورية)، قراراً اعتبر فيه أن استمرار رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم في مركزها «مخالف للقانون منذ انتهاء فترة الثلاث سنوات لتعيينها في 24 مايو (أيار) 2017». علماً بأن رئيس الجمهورية ميشال عون جمد مرسوم التشكيلات القضائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى، بسبب نقل القاضية غادة عون من منصبها، وتعيينها في مكان آخر.
مذكرة قضائية بحق موظفة كبيرة تحيي خلافات القوى السياسية
مذكرة قضائية بحق موظفة كبيرة تحيي خلافات القوى السياسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة