معركة البقاء في زمن «كورونا»... متاحف تعرض مقتنياتها للبيع

آخرها دار الأوبرا الملكية ولوحة لديفيد هوكني

كاثرين أرنولد رئيسة قسم الفن المعاصر بـ«دار كريستيز» أمام لوحة ديفيد هوكني التي تبيعها دار الأوبرا الملكية في المزاد هذا الشهر (رويترز)
كاثرين أرنولد رئيسة قسم الفن المعاصر بـ«دار كريستيز» أمام لوحة ديفيد هوكني التي تبيعها دار الأوبرا الملكية في المزاد هذا الشهر (رويترز)
TT

معركة البقاء في زمن «كورونا»... متاحف تعرض مقتنياتها للبيع

كاثرين أرنولد رئيسة قسم الفن المعاصر بـ«دار كريستيز» أمام لوحة ديفيد هوكني التي تبيعها دار الأوبرا الملكية في المزاد هذا الشهر (رويترز)
كاثرين أرنولد رئيسة قسم الفن المعاصر بـ«دار كريستيز» أمام لوحة ديفيد هوكني التي تبيعها دار الأوبرا الملكية في المزاد هذا الشهر (رويترز)

تتأرجح دول العالم بين الإغلاق وبين العمل، وحسب قانون «كورونا» فلا أحد يعرف متى تُفرض الإجراءات الوقائية، وبالتالي تغلق المؤسسات والمحال والمتاحف وغيرها أبوابها، ومتى تفتحها. في وضع متأرجح كهذا التبعات الاقتصادية مهولة، ولن يستطيع تحملها إلا المؤسسات القوية والتي تحصل على الدعم من الحكومات.
وتحاول المؤسسات المختلفة التعايش مع الخسائر عبر تخفيض العمالة والنفقات، وأحياناً بالإغلاق المؤقت. وحسب المثل السائر فـ«التاجر الشاطر يبحث في دفاتره القديمة»، وفعلاً فتحت عدد من المؤسسات دفاترها ومخازنها ووجدت ما يمكن أن يدر عليها ربحاً يمكنه تغطية ما أغارت عليه «كورونا». وبدأت حركة في دور المزادات لبيع أعمال فنية من مقتنيات بنوك وخطوط طيران ومتاحف عالمية، وغيرها.
آخرها كانت دار الأوبرا الملكية بلندن التي أعلنت عن عرضها لوحة رسمها الفنان البريطاني ديفيد هوكني تمثل مديرها السير ديفيد وبستر الذي كان مديراً لها في الفترة ما بين 1945 و1970. ووصف أليكس بيرد، المدير الحالي للدار، بأن البيع يعد «أمراً حيوياً» حسب ما قالت «وكالة الصحافة الفرنسية» أمس. وستعرض اللوحة للبيع ضمن مزاد لـ«دار كريستيز» في 22 من الشهر الحالي.
وتوقّعت صحيفة «ذي أوبزرفر» أن يحقق بيع اللوحة إيرادات تراوح ما بين 11 و18 مليون جنيه إسترليني (بين 12 و20 مليون يورو). وأوضح بيرد، أن الأرباح من بيع اللوحة «ستُستَخدَم لتمكين أفضل فناني العالم من العودة مجدداً إلى خشبة» الدار.
دار الأوبرا الملكية مثل غيرها من المؤسسات التي مُنيت بخسائر جسيمة بسبب انتشار الفيروس، وأيضاً مثل غيرها في التفكير ببيع بعض مقتنياتها لعلها تخفف قليلاً من الضغط الاقتصادي على وجودها.
في الشهر الماضي عرضت الخطوط الجوية البريطانية بعضاً من الأعمال الفنية التي كانت تعرضها في صالونات الدرجة الأولى بالمطارات وفي مكاتبها الرئيسية، وبالفعل عُرض عدد منها في مزاد لـ«دار سوذبيز» الشهر الماضي.
والمعروف أن الخطوط البريطانية تمتلك مجموعة قيّمة من الأعمال الفنية التي تقدر بملايين الجنيهات (نحو 1500 قطعة)، اختارت عشرة أعمال منها لفنانين بريطانيين معروفين لتبيعها في المزاد لعل الأرباح تخفف قليلاً من الخسائر التي كابدتها هذا العام.
من الأعمال التي عرضتها الخطوط لوحات لداميات هيرست، ومارك كوين، وبريدجيت رايلي، وتريسي إيمين، وغيرهم.
وكذلك لجأت شركة «توماس كوك» للسياحة والتي عانت اقتصادياً لأكثر من سبب لعرض قطعة قيّمة من مقتنياتها إذ عرضت تمثالاً فرعونياً للبيع بمبلغ 150 ألف جنيه إسترليني. وكان التمثال هدية من الحكومة المصرية في القرن الـ19 لابن توماس كوك مؤسس الشركة.
لا تختلف البنوك وشركات القانون عن خطوط الطيران في اقتنائها لأعمال فنية قيّمة، تستخدمها في تزيين أفرعها ومقرها الرئيسي. ولكن حتى البنوك لجأت لبيع تلك القطع لتستطيع البقاء في زمن «كورونا».
منها بنك «يونيكريديت» الإيطالي الذي عرض تمثالاً لجين تينغيولي حصد 75 ألف فرانك سويسري في مزاد لـ«دار كريستيز». أما بنك «دويتشه» والمعروف عالمياً بمجموعته الفنية القيمة، فقد قرر عرض أربعة آلاف قطعة للبيع، وحسب ما نقلت مجلة «فوربس» على لسان فريدهيلم أوت، مدير الفنون في «دويتشه بنك» فالأعمال الفنية التي تعرض في فروع البنك ترتبط بوجود عملاء، «الفكرة خلف المجموعة الفنية كانت دائماً تعبّر عن الفن في مكان العمل». وكان البنك قد أغلق 500 فرع مع تحول المعاملات البنكية للإنترنت وانتقال الموظفين للعمل من المنازل بسبب «كوفيد – 19».
ولم تقتصر حركة البيع التي لا شك استفادت منها دور المزادات العالمية، فخسائر قوم عند قوم فوائد، بل بدأت بعض المتاحف في مراجعة مقتنياتها لتختار منها ما يمكن أن يوقف التدهور الاقتصادي ولو إلى حين. في الولايات المتحدة الأميركية يعرض متحف بروكلين 12 عملاً فنياً للبيع في مزاد لـ«دار كريستيز» في 15 من الشهر الحالي تضم أعمال لكراناك وكورو لتوفير المال اللازم للاعتناء بباقي الأعمال في المتحف. كما يعرض متحف بالتيمور أيضاً عدداً من اللوحات الفنية منها لوحة للفنان آندي وارهول.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.