البيلاروسيون يتظاهرون مجدداً ضد لوكاشينكو

البيلاروسيون يتظاهرون مجدداً ضد لوكاشينكو
TT

البيلاروسيون يتظاهرون مجدداً ضد لوكاشينكو

البيلاروسيون يتظاهرون مجدداً ضد لوكاشينكو

اعتقلت الشرطة البيلاروسية عشرات الأشخاص واستخدمت خراطيم المياه ضد المتظاهرين الذين تجمعوا بأعداد كبرى بلغت عشرات الآلاف في مينسك أمس للتنديد بإعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو رئيساً للبلاد في انتخابات عُدّت مزورة.
وانطلقت حركة الاحتجاج غير المسبوقة في البلاد إثر شبهات بحدوث عمليات تزوير كبرى خلال الانتخابات الرئاسية في 9 أغسطس (آب) الماضي وتجمع كل أيام الأحد عشرات آلاف الأشخاص منذ ذلك الحين رغم تعرضها للقمع.
وشارك أكثر من مائة ألف شخص، بحسب وكالة «إنترفاكس» الروسية، أمس، في مسيرة خصصت هذه المرة لـ«السجناء السياسيين».
وأشارت وسيلة الإعلام الإلكترونية البيلاروسية «توت» إلى عشرات آلاف الأشخاص، وبثت صوراً لأعداد كبرى من المتظاهرين. ثم توجه المتظاهرون إلى مركز الاعتقال «أوكريستينا» في مينسك حيث يعتقل المشاركون في التجمعات السابقة، ورددوا: «أفرجوا عنهم».
وكما في كل يوم أحد، نشرت السلطات البيلاروسية قوات مكافحة الشغب والآليات المدرعة وسيارات رباعية الدفع وخراطيم مياه. كما قلصت إمكان الوصول إلى الإنترنت عبر الهواتف، وحدّت من تحرك وسائل النقل العام لعرقلة التحركات.
وقالت الناطقة باسم وزارة الداخلية البيلاروسية، أولغا تشيمودانوفا، إنه «جرى استخدام خرطوم مياه في مينسك»، مضيفة أن الشرطة قامت أيضاً «باعتقالات» من دون إعطاء مزيد من التوضيحات. وبحسب مركز الدفاع عن حقوق الإنسان البيلاروسي «فياسنا»، فإنه جرى توقيف 68 شخصاً أمس في مختلف أنحاء البلاد.
وقالت ناتاليا ساموتييا، وهي متقاعدة نزلت للتظاهر في مينسك مع ابنها، إنها رأت الشرطة تفرق الناس «وهؤلاء الذين أوقفوا جرى ضربهم بقوة». والجمعة الماضي ألغت السلطات تصاريح عمل وسائل الإعلام الأجنبية، مما زاد من صعوبة تغطية الأحداث في البلاد. وتلقى كثير من البيلاروسيين رسائل من وزارة الداخلية تحذرهم من المشاركة في تجمعات غير مرخص لها وكتب عليها: «لا ترتكبوا خطأ».
في الأثناء، فر أبرز قياديي المعارضة إلى الخارج، كما المرشحة للرئاسة سفيتلانا تيخانوفسكايا، أو وضعوا في السجن، كما حليفتها المقربة ماريا كوليسنيكوفا. وأعلنت تيخانوفسكايا أمس في رسالة عبر تلغرام أنه «من المخيف أن عدداً كبيراً من الناس... هم الآن في السجن في بيلاروس»، مضيفة: «مهمتنا هي أن نؤمن لهم الحرية».
وفرض الاتحاد الأوروبي الجمعة حظراً على مسؤولين بيلاروسيين متورطين في القمع؛ بينهم وزير الداخلية ومسؤولون في الشرطة وقضاة ومسؤولون في مراكز الاحتجاز. وأعلنت بيلاروسيا في أعقاب ذلك لائحتها الخاصة بعقوبات على مسؤولين أوروبيين من دون أن تكشف أسماءهم. وعدّت روسيا حليفة لوكاشينكو الرئيسية أن القرارات الأوروبية بمثابة «اعتراف بالضعف»، مؤكدة أنها ستطبق التدابير التي قررتها بيلاروسيا رداً على العقوبات الأوروبية. وأعلنت الولايات المتحدة أيضاً عقوبات اقتصادية على 8 مسؤولين بيلاروسيين؛ بينهم وزير الداخلية.
من جهتها، تكثف تيخانوفسكايا الموجودة في ليتوانيا، لقاءاتها مع المسؤولين الغربيين؛ حيث التقت هذا الأسبوع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيما من المقرر أن تلتقي الثلاثاء في برلين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟