إهمال الحوثيين يعيد «شلل الأطفال» إلى اليمن بعد 14 عاماً من اختفائه

رصد 16 حالة في معقل الجماعة ودعوات أممية للسماح بالتلقيح

TT

إهمال الحوثيين يعيد «شلل الأطفال» إلى اليمن بعد 14 عاماً من اختفائه

تسبب إهمال الميليشيات الحوثية وفساد قادتها الانقلابيين في عودة العديد من الأوبئة والأمراض التي كانت الحكومات اليمنية المتعاقبة قد تمكنت من القضاء عليها، فإلى جانب تفشي أمراض الكوليرا والخناق والحميات المتنوعة في مناطق سيطرة الجماعة عاد من جديد مرض شلل الأطفال ظاهراً في معقل الجماعة الرئيس في محافظة صعدة، بعد 14 عاماً من اختفائه في اليمن.
وفيما أكدت في هذا السياق مصادر طبية رسمية أنه تم رصد 16 حالة مؤكدة بشلل الأطفال في محافظة صعدة، دعا مسؤولون أمميون الجماعة الانقلابية إلى السماح بنشر الفرق الصحية لتلقيح الأطفال.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد اعتمدت اليمن في عام 2006 بلداً خالياً من شلل الأطفال نتيجة ما قالت إنه الدعم المقدم من الشركاء وجهود السلطات المبذولة خلال السنوات الماضية لاستئصاله والقضاء عليه.
وفي وقت سابق أعلن وزير الصحة العامة والسكان بحكومة تصريف الأعمال اليمنية، ناصر باعوم، عن رصد وزارته 16 إصابة مؤكدة بشلل الأطفال، في محافظة صعدة، مرجعاً أسباب عودة تفشي المرض عقب سنوات من تخلص البلاد منه، إلى عدم سماح الجماعة خلال الأعوام الماضية للوزارة والمنظمات المقدمة للقاحات لتنفيذ حملات التحصين للأطفال في صعدة ومدن يمنية أخرى تحت سيطرتها.
وتوقع باعوم أن تكون الإصابة بالفيروس قد انتقلت إلى محافظات مجاورة خصوصاً عمران وحجة والمحويت وغيرها، محملاً في تصريحاته الميليشيات مسؤولية عودة ظهور الفيروس وتفشيه من جديد بعد أن كانت اليمن قد أعلنت في أعوام سبقت الانقلاب تخلصها نهائياً منه ولم تعد تسجل حينها أي حالات إصابة.
ودعا الوزير اليمني المجتمع الدولي للتدخل السريع والضغط على الميليشيات للقبول بتنفيذ عدد من حملات التحصين المتلاحقة للقضاء على الفيروس القاتل وتحصين الأطفال منه في محافظات صعدة وعمران وحجة والمحويت الواقعة تحت سيطرتها.
كانت الحكومة اليمنية، قد أعلنت في وقت سابق عن تفشي مرض شلل الأطفال في مناطق تحت سيطرة الجماعة. ونقلت وكالة «سبأ» عن اللجنة الوطنية العليا للطوارئ، عقب اجتماع لها، أن المرض عاد للتفشي في مناطق خاضعة للحوثيين وتحديداً بمحافظتي صعدة وحجة (شمال صنعاء وشمالها الغربي).
وفي حين حذرت اللجنة العليا للطوارئ من عودة تفشي المرض وتوسعه إلى أكثر من محافظة يمنية، حمّلت الجماعةَ مسؤولية تفشي المرض في صعدة وحجة نتيجة استمرار منعها فرق التحصين من ممارسة مهامها في المحافظتين.
ووجهت اللجنة وزارة الصحة في حكومة الشرعية بـ«تكثيف حملات التحصين، وإطلاع الرأي العام المحلي والدولي على عدد الحالات المكتشَفة من شلل الأطفال، وأماكن وجودها، والعوائق التي تواجه القطاع الصحي في القيام بمهامه جراء العراقيل التي تضعها ميليشيا الحوثي، بما في ذلك نهب المساعدات الطبية».
ويتزامن ظهور فيروس شلل الأطفال في مناطق سيطرة الميليشيات مع تصاعد تحذيرات أممية بأن اليمن على شفا أسوأ مجاعة في العالم. في حين تشير تقارير محلية ودولية عدة إلى أن أكثر من 12 مليون طفل يمني يحتاجون اليوم إلى الحصول على مساعدات إنسانية عاجلة.
ويؤكد بعض التقارير أن أمراضاً وأوبئة كثيرة من بينها «كوفيد - 19» والكوليرا والملاريا والدفتيريا وغيرها لا تزال تتفشى بشكل كبير في مناطق يمنية عدة وسط استمرار إهمال وتقاعس الحوثيين، وكذا النقص الحاد في المساعدات الطبية والأدوية وإغلاق أغلب المرافق الصحية نتيجة الحرب التي خلّفها الانقلاب على الشرعية.
ودعت الأمم المتحدة الشهر الماضي، في بيان لها، لإتاحة وصول اللقاحات إلى الأطفال في اليمن دون عوائق وبشكل مستدام، وكذا تسهيل مهام العاملين في مجال الصحة ليتمكنوا من تزويد كل طفل باللقاحات.
وأعلنت عن موجات تفشٍّ جديدة لمرض «شلل الأطفال» بكلٍّ من اليمن والسودان، بعد سنوات من انتهاء المرض في البلدين.
وأفاد البيان الأممي بأن «حالات وباء شلل الأطفال التي تم تأكيدها مؤخراً في اليمن هي من عواقب تدني مستويات المناعة بين الأطفال». وقال: «أدت كل موجة من تفشي المرض إلى إصابة الأطفال بالشلل في المناطق التي يصعب فيها تزويد الأطفال باللقاح المضاد له».
وأضاف: «في اليمن تتجمع الحالات بمحافظة صعدة (أقصى الشمال)، التي تعاني من نقص حاد في مستويات التلقيح، إضافةً إلى أن برنامج القضاء على شلل الأطفال لم يصل إليها منذ أكثر من عامين».
وحذر في الوقت نفسه من وجود أطفال مشلولين طيلة حياتهم في اليمن، حال لم يتم تلقيح كل طفل بالمناطق التي تعرضت لانتشار المرض.
وبينما يؤكد أطباء في صنعاء أن شلل الأطفال، الذي يصيب بشكل رئيسي الأطفال دون سن الخامسة، ليس له علاج ويمكن الوقاية منه من خلال لقاح فموي. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن «شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات.
وينتقل الفيروس عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسية عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام) ويتكاثر في الأمعاء، وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال (يصيب الساقين عادة).
وأرجع عدد من الأطباء بصنعاء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أسباب عودة تفشي الأمراض الوبائية منها فيروس شلل الأطفال إلى رفض الجماعة المستمر لحملات التطعيم بمختلف أنواعها ومضايقتها المتكررة للعاملين بمجال الصحة، والتي حالت، حسبهم، دون التمكن من تزويد كل طفل يمني باللقاحات المطلوبة.
وعلى مدى الأعوام الماضية من عمر الانقلاب، تحول اليمن إلى بيئة خصبة للأمراض والأوبئة بمختلف أنواعها خصوصاً في تلك المناطق الخاضعة للميليشيات والتي حصدت خلال السنوات الست المنصرمة أرواح الآلاف من الأبرياء جلّهم من الأطفال والنساء. وفق ما أفادت به تقارير دولية ومحلية.
وتقول تقارير حكومية إن الميليشيات انتهجت طيلة السنوات الماضية سياسة تدميرية ممنهجة تجاه القطاع الصحي وعملت على إيقاف رواتب ونفقات تشغيل المنشآت الصحية، وحرمت ملايين اليمنيين من تلقي الخدمات الطبية للحماية من الأمراض والأوبئة التي لا تزال، تفتك بالكثير منهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».