أحداث العام 2014: اليمن: الحوثيون.. يحكمون بدعم إيران ومساندة صالح

عام مضرج بالدماء ورائحة البارود.. ازدهرت فيه «القاعدة»

مقاتل حوثي في عمران في 29 سبتمبر(إ.ب.أ)
مقاتل حوثي في عمران في 29 سبتمبر(إ.ب.أ)
TT

أحداث العام 2014: اليمن: الحوثيون.. يحكمون بدعم إيران ومساندة صالح

مقاتل حوثي في عمران في 29 سبتمبر(إ.ب.أ)
مقاتل حوثي في عمران في 29 سبتمبر(إ.ب.أ)

سيتذكر اليمنيون عام 2014، لعقود طويلة قادمة باعتباره أسوء الأعوام التي مرت على بلادهم منذ أكثر من 50 عاما، ففيه سقط وطنهم مضرجا باللون الأحمر ورائحة البارود، وازدياد توابيت الموتى، توالت في أحداث العنف والفوضى في تسلسل كان مخططا له.
ترصد «الشرق الأوسط» أهم الأحداث التي شهدتها البلاد خلال هذا العام، ومن أبرز ذلك سقوط مقاليد الدولة وعاصمتها في يد جماعة مسلحة هي حركة الحوثيين التي تسمى نفسها «أنصار الله» عبر التحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبدعم مباشر من إيران، كانت المحصلة السيطرة على الدولة وإخضاع مؤسساتها ومدنها، دون مقاومة أو دفاع من الجيش وأجهزة الأمن، وفي الاتجاه المناقض لذلك كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبر جماعة أنصار الشريعة يزداد قوة وعنفا ويقتحم مدنا في جنوب البلاد وينهب البنوك والمصالح الحكومية.
تحولت جماعة الحوثيين في اليمن منذ سبتمبر (أيلول) 2014، إلى القوة الوحيدة التي تتحكم بمقاليد حكم البلاد، وتغلغلت الحركة رويدا رويدا، إلى مؤسسات صنع القرار، مرتكزة على قوتها العسكرية وتحالفاتها السياسية مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان يحكم البلاد منفردا قبل 2011، فضلا عن استغلالها للسخط الشعبي ضد الحكومة السابقة بسبب الأزمات المفتعلة التي ضيقت من حياتهم المعيشية وخلفت رأيا عاما ضدها. وخلال 4 أشهر فقط، حققت هذه الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، ما لم تكن تحلم به، فقد أحكمت قبضتها على 7 مدن في شمال البلاد أهمها العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر، حتى أصبحت بحلول نهاية العام الحالي، تمارس سلطات الدولة الأمنية والإدارية والمالية، وتحولت إلى دولة داخل الدولة، لها ممثلون ومندوبون في كل وزارة ومؤسسة حكومية ومعسكر للجيش والأمن، وكل ذلك عمل على إعادة رسم الخارطة السياسية العسكرية والاجتماعية، في بلد يعد الأفقر والأكثر فسادا على مستوى العالم.

* العملية الانتقالية
* في يناير (كانون الثاني) ، انتقل اليمن إلى مرحلة جديدة مع الإعلان يوم 22 يناير ، عن انتهاء مؤتمر الحوار، وهو اليوم الذي شهد عملية اغتيال قيادي من جماعة الحوثيين وهو الدكتور أحمد شرف الدين أثناء توجهه إلى مؤتمر الحوار، وأعلن الحوثيون انسحابهم منه، وفي مطلع فبراير (شباط) ، انتقل اليمن نحو تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار وأقر رسميا، وبصورة نهائية، شكل الدولة الاتحادية المستقبلية من 6 أقاليم، اثنان في الجنوب و4 في الشمال، ورفض هذا التقسيم الحزب الاشتراكي اليمني، والحوثيون.
كما شهد عام 2014 مزيدا من الاتفاقيات بين الأطراف السياسية والتي ظلت نصوصها حبرا على ورق، حيث وقع هادي مع الحوثيين اتفاقية السلم والشراكة بالتزامن مع اقتحامهم لصنعاء، ليزداد هادي ضعفا بعد تراجعه عن قرار تعيين مدير مكتبه أحمد بن مبارك رئيسا للحكومة، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ، بسبب رفض الحوثيين.
وفي 13 أكتوبر ، كلف المهندس خالد محفوظ بحاح رئيسا للحكومة، وتم الإعلان عن الحكومة يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) ، كان نصيب الحوثيين، 6 حقائب وزارية هي النفط والثروات المعدنية، والعدل، والكهرباء والطاقة، والثقافة، والخدمة المدنية والتأمينات، والتعليم الفني والمهني، وفي 2 نوفمبر ، اغتيل القيادي في تكتل المشترك محمد عبد الملك المتوكل بصنعاء، من قبل مجهولين.

* هادي وباسندوة
* شهد منتصف عام 2014، ظهور خلافات هادي مع رئيس حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة، الذي ظل صامتا تجاه القرارات الأحادية التي كانت يتخذها هادي بدءا بأول تعديل في حكومته في مارس (آذار) ، حيث جرى تعيين اللواء عبده حسين الترب وزيرا للداخلية، بدلا عن اللواء عبد القادر قحطان، وتعيين رئيس الوزراء الحالي خالد محفوظ بحاح وزيرا للنفط والمعادن، بدلا من هشام شرف عبد الله، واستمرت الخلافات في التصاعد بعد التعديل الحكومي الثاني في 11 يونيو (حزيران)، حيث جرى تغيير وزراء المالية والخارجية والكهرباء والإعلام، ليستحوذ هادي على معظم الوزارات السيادية بعيدا عن ما نصت عليه المبادرة الخليجية التي حددت الحكم بالشراكة بين مؤسسة الرئاسة والحكومة.
وتمكن هادي من وضع باسندوة في فخ السخط الشعبي ضد حكومته، يوم 30 يوليو (تموز) ، حينما أقر عبر الحكومة رفع أسعار الوقود، بنسبة تتفاوت من 70 – 100 في المائة في البنزين، والديزل، وقد نجح الحوثيون وأنصار صالح استغلال ذلك لتبرير أعمال الفوضى والتحرك العسكري لإسقاط الحكومة والسيطرة على المدن.
ورغم أن هادي وباسندوة ينتميان للمحافظات الجنوبية، فإن الخلافات خرجت من بين الرماد، يوم 21 سبتمبر ، وهو يوم استقالة باسندوة من منصبه بعد اقتحام الحوثيين لصنعاء، بتواطؤ وزير الدفاع محمد ناصر أحمد المقرب من هادي معهم، ومن أهم ما ذكره باسندوة في استقالته التي قدمها للشعب وليس لهادي، أن الأخير انفرد بالحكم وسحب صلاحيات حكومته التي تشكلت وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

* فوضى منظمة
* بدأت أعمال الفوضى في التصاعد بعد قرار رفع أسعار الوقود الذي اتخذه هادي والحكومة في يوم 30 يوليو ، حيث شهدت شوارع صنعاء مظاهرات وصدامات احتجاجا على ذلك، ليستغل زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي ذلك والبدء يوم 17 أغسطس (آب) بحركة احتجاج لأنصاره في العاصمة صنعاء لإسقاط الحكومة وإسقاط قرار رفع أسعار الوقود، وتشكيل حكومة كفاءات، ليقتحمها يوم 21سبتمبر بمشاركة أنصار صالح، وتواطؤ من قيادة الجيش اليمني وصمت من الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي.
ومع تزايد أعمال العنف في اليمن كان مجلس الأمن على موعد مع قرار لمعاقبة أبرز المتسببين فيها، حيث أقر يوم 7 نوفمبر ، عقوبات دولية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح واثنين من الحوثيين هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحاكم، تنص على منع 3 من السفر، وتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم، هذه القرارات أزعجت صالح واستنفر أنصاره بدعوى أن السفارة الأميركية بصنعاء، طلبت منه مغادرة البلاد، في 7 نوفمبر ، كما اتهم هادي بالوقوف وراء العقوبات، واستخدام نفوذه في حزب المؤتمر وقرر عزل هادي من منصبه الحزبي حيث كان يشغل نائب رئيس الحزب وأمينه العام.

* جماعة عنف
* في مطلع عام 2014 وتحديدا في يوم 14 يناير ، استغل الحوثيون ضعف الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية وبسطوا نفوذهم على مناطق جديدة، منها بلدة دماج السلفية في أقصى الشمال، ثم توسعوا إلى عمران بعد أن انقلب زعماء قبليون من قبيلة حاشد على الزعماء التاريخيين للقبيلة وهو آل الأحمر بأوامر من صالح، وانتهت معركة الحوثيين مع قبيلة حاشد بخسارة آل الأحمر لمعقل القبيلة في منطقة «العصيمات»، في يوم 5 فبراير، ثم هاجمت محافظة عمران واللواء 310 الذي يقوده العميد حميد القشيبي، وانتهت بسيطرتهما عليها وقتلوا العميد القشيبي والتمثيل بجثته.
أعلن الحوثيون في يوم 17 أغسطس، عن حركة احتجاجية ضد الحكومة، وفي 21 سبتمبر اقتحموا صنعاء إذ إنهم وبدلا من سحب مسلحيهم من صنعاء، تمددوا إلى مدن أخرى وهي:(ذمار، والحديدة، وحجة، وإب، وريمة، وأجزاء من الجوف)، وقبيل نهاية العام بـ10 أيام ظهرت قوة قبضة الحوثيين في الدولة حيث استحوذوا على معظم مؤسسات الدولة تحت مبرر لجان ثورية لمحاربة الفساد، وتشكلت اللجان من حوثيين وعناصر موالية للرئيس السابق صالح، وأصدر هادي يوم 20 ديسمبر (كانون الأول)، تعيينات في 7 محافظات ومؤسسات حكومية وسفراء، وهي القرارات التي رفضتها أحزاب اللقاء المشترك واعتبرتها إقصاء للأطراف السياسية مقابل تمكين الجماعات المسلحة.
وشهدت الأيام الأخيرة من عام 2014 فشلا لجهود حزب التجمع اليمني للإصلاح في التصالح مع الحوثيين بعد عمليات عنف كانت تستهدف جميع قيادات الحزب ومقراتهم في جميع المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، وأعلن الإصلاح في 25، فشل عمليات اتصالات المصالحة، التي أجراها في وقت سابق مع جماعة الحوثي، لوقف الاستهداف الممنهج لمقراته وكوادره.

* كلمات هادي
* كانت أكثر الجمل استخدما في خطابات الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، في عام 2014، لا تخرج عن سياق أن المبادرة الخليجية جنبت اليمن ويلات الحرب الأهلية، ويجب تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، كما استخدم مصطلح الخط الأحمر كلما اقترب الحوثيون من أي مدينة، بدءا بعمران ثم صنعاء، وبعد 21 سبتمبر أضاف هادي إلى خطابته، اتفاقية السلم والشراكة، والملاحظ أنه كلما استخدم هادي مصطلحات التهديد والتحذير ضد الحوثيين كانت الميليشيات تتمدد في مناطق جديدة وتخضعها لقانونها الخاص، كما فعلوا في عمران وصنعاء، وذمار والحديدة وإب والبيضاء وحجة.
وفي 18 نوفمبر، طلب هادي الجيش تطبيع الأوضاع مع الحوثيين التي باتت تسيطر على كل مفاصل الدولة وكان ذلك مفارقة في لغته تجاه الجماعة التي كان يتهمها بتنفيذ أجندة إيران في اليمن.

* ازدهار «القاعدة»
* شهد هذا العام تزايد العمليات النوعية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خصوصا في مدن بجنوب اليمن، وكان أكثر الأعوام تنفيذا لعملياته الأكثر دموية في تاريخ صراعه مع الدولة، شهد عمليات اغتيال لعشرات الضباط في الجيش والأمن، واستهل العام بعملية اقتحام للسجن المركزي في صنعاء، يوم 14 فبراير ، وتمكن من تهريب 21 مسجونا من عناصره من بين 29 سجينا تم تهريبهم.
ونفذ الجيش اليمني في أبريل (نيسان)، حملة عسكرية ضخمة على معاقل التنظيم في شبوة وأبين، وأجبرت قيادات وعناصر التنظيم على الفرار إلى مناطق وعرة فيما يسمى قوس «القاعدة»، الممتد في محافظات الجوف ومأرب وشبوة وأبين، والبيضاء، وأعلن الجيش عن مقتل أكثر من 500 عنصر من «القاعدة» خلال هذه العمليات، لكن التنظيم نفى هذه الإحصائية واعتبرها مضللة، بهدف التستر على فشل الجيش في القضاء على عناصره.
وفي 25 مايو (أيار) ، قاد القيادي في جماعة أنصار الشريعة جلال بلعيدي المرقشي، المعروف باسم حمزة - الزنجباري المئات من مسلحي «القاعدة»، وسيطروا على مدينة سيئون بحضرموت جنوب شرقي البلاد، بعد هجوم كبير شنه مسلحون من تنظيم على المقرات الحكومية والعسكرية بالمدينة، وقتل خلال هذه المواجهات أكثر من 28 شخصا، منهم 12 جنديا من الجيش والأمن، و16 مسلحا من القاعدة، إضافة إلى جرح العشرات.
وفي 8 أغسطس، أعلن الجيش اليمني، طرد «القاعدة»، من «إمارة القطن الإسلامية»، وسط وادي حضرموت.
وفي 25 نوفمبر، هاجمت وحدات من المارينز الأميركي وقوات يمنية مواقع لتنظيم «القاعدة»، في محافظة حضرموت شرق البلاد، وتمكنوا من تحرير 8 رهائن هم 6 يمنيين وسعودي وإثيوبي، بعد قتل 7 مسلحين، وفي يوم 7 ديسمبر، نفذ المارينز الأميركي عملية جديدة ضد «القاعدة»، بهدف صحافي أميركي ورهينة جنوب أفريقي في شبوة جنوب البلاد، وانتهت العملية بمقتل الرهينتين الصحافي الأميركي، لوك سومرز، والمعلم جنوب أفريقي، بيير كوركي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.