تفجر خلاف جديد بين إسلاميي «مجتمع السلم» والرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
TT

تفجر خلاف جديد بين إسلاميي «مجتمع السلم» والرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

بات واضحاً أن العلاقة بين رئاسة الجمهورية في الجزائر، و«حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة، مرشحة لمزيد من التوتر، على أثر إطلاق ترتيبات داخل الحزب لفصل القيادي الهامشي جعبوب، كعقاب له على توليه وزارة العمل، دون استشارة قيادة الحزب.
وأحدث إعلان الرئاسة مساء الأربعاء تعيين عضو «مجلس الشورى» بالحزب الإسلامي جعبوب وزيراً للعمل، خلفاً لشوقي فؤاد عاشق، المستقيل منذ شهر ونصف، رجة قوية في صفوف القياديين، وخصوصاً لدى رئيس الحزب عبد الرزاق مقري الذي رأى في ذلك «عقاباً للحركة؛ لأنها دعت إلى رفض الدستور» الذي سيعرض على الاستفتاء في الأول من الشهر المقبل.
ولم يتردد جعبوب الذي كان وزيراً سابقاً للتجارة، في الموافقة على عرض الرئيس عبد المجيد تبون، رغم علمه بأن حزبه رفض عروضاً سابقة للمشاركة في حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وذلك منذ سنة 2012، تاريخ خروجه من الحكومة وعودته إلى المعارضة، على خلفية ثورات الربيع العربي. وكان معروفاً لدى الأوساط السياسية والإعلامية الجزائرية أن جعبوب اختلف مع مقري منذ سنوات حول خط المعارضة الذي انتهجه، وهو ما دفعه إلى الاستقالة من «المكتب التنفيذي» الذي يرأسه مقري. وقد ظل جعبوب يكرس توجهاً داخل «مجلس الشورى»، يتمثل في العمل على إعادة الحزب إلى الحكومة، مدعوماً في ذلك من رئيس الحزب ووزير الدولة السابق، أبو جرة سلطاني الذي قاد الحزب لمدة تسع سنوات، بعد وفاة المؤسس الشيخ محفوظ نحناح عام 2003.
وعاشت «الحركة» ظرفاً مشابهاً تماماً عام 2012؛ حيث بقي وزيرها مصطفى بن بادة في الحكومة، رغم قرار «مجلس الشورى» بمغادرتها، معلناً بذلك وقوفه مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ضد حزبه. وقد تم فصل بن بادة من هياكل الحزب حينها. وفي العام نفسه انفصل «مجتمع السلم» عن «التحالف الرئاسي»، الداعم لبوتفليقة، والذي يتكون من ثلاثة أحزاب، منها اثنان مواليان للسلطة، هما «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية)، و«التجمع الوطني الديمقراطي».
وقال ناصر حمدادوش، القيادي البارز في الحزب الإسلامي، لـ«الشرق الأوسط»، إن السلطة الحالية «وفية للذهنيات نفسها والسلوكيات السابقة للنظام السياسي. فهي امتداد له، وهو ما يفضح حديثها عن جزائر جديدة، ووعودها بأخلقة الحياة السياسية، وهو نوع من الإمعان في تكسير الأحزاب السياسية، ما يتنافى مع أبجديات التعددية والديمقراطية في العالم». وأضاف حمدادوش معبراً عن استنكاره «أخذ» قيادي من حزبه إلى الحكومة دون استشارة قيادته: «هذا التصرف يعبر عن إفلاس هذه السلطة وضعفها، فقد لجأت للأسف إلى مثل هذه الأساليب غير الأخلاقية في الضرب تحت الحزام والطعن في الظهر، وتوظيف مؤسسات الدولة في معركة التدافع السياسي واستهداف المنافسين».
وقالت قيادة الحزب في بيان، بعد اجتماعها أول من أمس، إن اختيار رئيس الجمهورية عضواً من «مجلس الشورى الوطني» في الحركة وزيراً، دون استشارتها: «محاولة لإرباكها» على أثر قرارها التصويت بـ«لا» على الدستور، و«هذا يدل على أن شعار أخلقة العمل السياسي (رفعه الرئيس بعد انتخابه) ادعاء لا أساس له في الواقع، وأن التضييق على الأحزاب لا يزال سيد الموقف»؛ مشيراً إلى أن هذا التصرف «يؤكد أنه لم يتغير شيء في النظام السياسي، إذ إن الحركة تعرضت لمثل هذه المحاولات مرات عديدة من قبل العهد السابق».
وأضاف البيان أن قبول جعبوب الوزارة «مدان ومخالف للمُثل والأخلاق؛ خصوصاً في هذا الزمن الذي تأكد فيه استهداف العمل الحزبي بسبب المواقف السياسية»؛ مبرزاً أن الحزب جمد عضوية جعبوب في هياكله، وأنه أحيل على هيئة التأديب للنظر في القضية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.