تركيا ترفض دعوات وقف إطلاق النار في القوقاز

تتمسك بالحرب حتى إنهاء الوجود الأرميني

وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي أمس (أ.ب)
وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي أمس (أ.ب)
TT

تركيا ترفض دعوات وقف إطلاق النار في القوقاز

وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي أمس (أ.ب)
وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي أمس (أ.ب)

أعلنت تركيا رفضها دعوات إنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه، مشددة على أن الحل الوحيد هو «إنهاء الاحتلال الأرميني».
ورفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بيان رؤساء الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، الذي يدعو أذربيجان وأرمينيا إلى وقف إطلاق النار، واستئناف محادثات السلام دون شروط مسبقة. وقال إن النضال في أذربيجان سيستمر حتى تحرير إقليم «قره باغ» من الاحتلال الأرميني، مضيفا أن «محاولات حصار تركيا تتكشف وأنها لن تنجح في تحقيق أهدافها».
وتابع إردوغان، في كلمة أمس (الجمعة) في كونيا وسط تركيا أنه بالنظر لأماكن الأزمات الممتدة من سوريا إلى البحر المتوسط والقوقاز، تتكشف المحاولات الرامية لحصار تركيا، وأنها تحافظ على قوتها ووحدتها لإحباط كل هذه المحاولات.
واعتبر الرئيس التركي أن أرمينيا «اعتدت على أذربيجان مجددا في وقت لم تحل فيه قضية إقليم (قره باغ) الذي احتلته أرمينيا بارتكاب مجازر دنيئة». واصفاً مطالب الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا باستئناف المباحثات بـ«غير المقبول». وأضاف أن «الأجدى بهم مطالبة أرمينيا بالانسحاب».
وقال إردوغان إن أرمينيا واجهت بعد اعتدائها الأخيرة نتيجة لم تكن تتوقعها، لافتا إلى أن أذربيجان بدأت عملية عسكرية كبيرة من أجل الدفاع عن ترابها وتحرير «قره باغ»، وأن الجيش الأذري الذي يتقدم بنجاح على الجبهة نجح في تحرير العديد من المناطق.
وأضاف: «نقف وسنواصل الوقوف بكل إمكاناتنا وقدراتنا إلى جانب أذربيجان الشقيقة والصديقة... النضال سيستمر حتى تحرير قره باغ».
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن على أرمينيا الانسحاب من الأراضي التي تحتلها حتى تتمكن أذربيجان من إعلان وقف إطلاق النار.
وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو في روما أمس، إن المجتمع الدولي إذا كان يريد القيام بشيء ما، فليعمل على انسحاب أرمينيا فورا من أراضي أذربيجان. واعتبر أن أذربيجان تحارب الإرهاب في أراضيها المحتلة، وتمتلك القدرة والقوة لاسترجاعها.
في السياق ذاته، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مواصلة بلاده الوقوف إلى جانب أذربيجان في قضيتها ضد أرمينيا، مشككاً في دعوات وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات دون شروط مسبقة. وقال أكار، خلال مشاركته أمس مع كبار القادة العسكريين الأتراك في مراسم وضع حجر الأساس لأحد المصانع في قيصري (وسط تركيا) أمس، إن «دعوات وقف إطلاق النار التي أطلقها أولئك الذين لم يقدموا لسنوات لحل قضية أذربيجان العادلة بشأن إقليم قره باغ ليست صادقة ولا مقنعة بالمرة».
وأضاف أن أرمينيا «أطلقت ادعاءات كاذبة حول استخدام مقاتلات تركية خلال المعارك. إنها تحاول من خلال هذه الادعاءات خلق تصور بأن تركيا تواجهها، لزيادة الدعم المقدم لها... أرمينيا استخدمت الدعاية السوداء لمواجهة الانتصارات التي حققتها أذربيجان في الميدان».
ونشرت وزارة الدفاع التركية رسالة تضامن تعبر عن دعمها لأذربيجان أمس على «تويتر» أرفقتها بمقاطع فيديو لمناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، وتخللتها مشاهد لتدمير القوات الأذرية العديد من المواقع والآليات العسكرية الأرمينية.
والأحد، اندلعت اشتباكات على خط الجبهة بين البلدين، إثر إطلاق الجيش الأرميني النار بكثافة على مواقع سكنية في قرى أذربيجانية، ما أوقع خسائر بين المدنيين، وألحق دمارا كبيرا بالبنية التحتية المدنية، بحسب وزارة الدفاع الأذربيجانية.
والأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، أن قواتها استطاعت خلال الفترة الممتدة بين 27 إلى 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، تحييد ألفين و300 جندي أرميني، أثناء عملياتها المضادة للاعتداءات الأرمينية. وتحتل أرمينيا، منذ عام 1992 نحو 20 في المائة من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم «قره باغ» (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غرب البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي «آغدام» و«فضولي».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟