الأسد يدافع عن «وجود عسكري روسي دائم» في سوريا

تمسك بقاعدتي حميميم وطرطوس

TT

الأسد يدافع عن «وجود عسكري روسي دائم» في سوريا

دافع الرئيس السوري بشار الأسد عن أهمية «الوجود العسكري الروسي الدائم» في بلاده لأنه «يشكل ضمانة للأمن في سوريا حالياً وفي المستقبل».
وجاء تصريحه في إطار مقابلة تلفزيونية مع قناة «زفيزدا» الحكومية الروسية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، بمناسبة مرور خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا.
وبدا لافتاً أن الأسد لم يتوقف فقط عند الأهداف المباشرة التي أُعلنت عند بدء التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية في نهاية سبتمبر عام 2015، والتي انحصرت رسمياً في حينها في «محاربة الإرهاب»، لكنه تطرق إلى أبعاد استراتيجية تتعلق بمصالح روسيا طويلة الأمد على المستوى الدولي، في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في سوريا.
وقال الأسد في المقابلة التي تم نشر بعض تفاصيلها أمس، على أن تُبث كاملة غداً (الأحد)، إنه «وفقاً للاتفاقات الروسية السورية القائمة، توجد قاعدتان عسكريتان روسيتان على الأراضي السورية -في حميميم وطرطوس. وتحدث عن أهمية هذا الوجود الدائم «في ضمان الأمن في الجمهورية العربية السورية اليوم وفي المستقبل». وأوضح: «من أجل فهم دور روسيا في سوريا وأهمية هذه القواعد، من الضروري الإسهاب في نقطتين مهمتين: أولاً، نحن في سوريا نتعامل مع الإرهاب الدولي. في يوم من الأيام سيتم القضاء على آخر جيوبه على أرضنا، سيفقد المسلحون إمكاناتهم بسبب العمليات التي ينفذها جيشنا. لكن ماذا يحدث بعد القضاء على الإرهاب؟ هنا نأتي إلى النقطة الثانية التي تتعلق بدور روسيا في القضايا العالمية».
وزاد الرئيس السوري أن «العالم يعيش اليوم بقوانين الغابة متناسياً القانون الدولي. والسبب في هذا الوضع هو أنه لوحظ خلل في القوى في نظام العلاقات الدولية لمدة ربع قرن». وقال الأسد إن «دور روسيا يتمثل في استعادة التوازن المفقود»، موضحاً أنه «إلى جانب الخطوات السياسية والدبلوماسية على مختلف المنصات الدولية، يلعب تعزيز الوجود العسكري الروسي في العالم دوراً مهماً في هذه العملية».
وشدد على أن هذا الدور «كبير ومهم ليس في سوريا فحسب، بل في العالم كله»، موضحاً أن «معظم الدول، وبخاصة الصغيرة منها، بما في ذلك سوريا، ستستفيد فقط من نظام عالمي أكثر توازناً. وبالتالي، لا ينبغي للمرء أن يفترض أن دور روسيا في سوريا يقتصر فقط على مكافحة الإرهاب الدولي».
وأعاد التذكير بأنه «تم تصميم الاتفاقيات الروسية - السورية المقابلة لمدة 49 عاماً» مضيفاً: «لا أعتقد أن الإرهابيين سيستمرون كل هذا الوقت»، موضحاً أنه «بعد القضاء على الإرهاب هناك دور آخر ستلعبه روسيا على الصعيد الدولي من خلال حثّ المجتمع الدولي والدول المختلفة على تطبيق القانون الدولي»، مشيراً إلى أن «هناك خللاً بين القوى في نظام العلاقات الدولية الحالي ويجب على روسيا إعادة التوازن المفقود».
وأوضح الأسد أن «البعد الآخر المهم للوجود العسكري الروسي في سوريا، وكذلك في أجزاء أخرى من العالم. هو ضمان نظام عالمي أكثر عدلاً وتوازناً. وبالطبع، إذا تخلى الغرب عن سياسته العدوانية المتمثلة في استخدام قوته العسكرية لخلق مشكلات في العالم، فربما لن تحتاج روسيا أيضاً إلى مثل هذه المرافق. لكن العالم اليوم بحاجة إلى توازن، وهذا ما أشرت إليه».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.