إيمي كوني باريت... معركة تكريس هيمنة المحافظين على المحكمة العليا

مرشحة ترمب مسيحية {أصولية} مفضّلة لدى المتدينين

إيمي كوني باريت... معركة تكريس هيمنة المحافظين على المحكمة العليا
TT

إيمي كوني باريت... معركة تكريس هيمنة المحافظين على المحكمة العليا

إيمي كوني باريت... معركة تكريس هيمنة المحافظين على المحكمة العليا

أطلق ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاضية المحافظة إيمي كوني باريت لشغل مقعد المحكمة العليا، الذي شغر بوفاة القاضية الليبرالية روث بادر غينزبرغ، معركة سياسية وجدلاً آيديولوجياً غير مسبوقَيْن في لحظة فائقة الحساسية تمر بها الولايات المتحدة في عام انتخابي يراه البعض مصيرياً.
قد يؤدي ترشيح باريت، الكاثوليكية المتحدرة من أصول آيرلندية، وتثبيتها من قبل مجلس الشيوخ (الذي يهيمن عليه الجمهوريون) في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إلى تغيير جذري في التوازن التاريخي للمحكمة العليا التي تضم 9 قضاة، بين الليبراليين والمحافظين. وفي سن الـ48، ستكون باريت أصغر قضاة المحكمة سناً، وقد تستمر فترة ولايتها لعقود.
خلال السنوات القليلة الماضية، كان رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة وسطياً، وصوته هو الذي يرجح كفة التصويت. لكن مع استقالة رئيسها السابق المعتدل القاضي أنتوني كينيدي عام 2018، وإقدام الرئيس دونالد ترمب على تعيين القاضي المحافظ اليميني بريت كافاناه بدلاً منه، وقبله تعيينه محافظاً آخر هو القاضي نيل غورستش لخلفاً للمحافظ أنتوني سكاليا - الذي توفي عام 2016 - مالت المحكمة نحو المحافظين، لتضم 6 منهم مقابل 3 ليبراليين.
في مايو (أيار) عام 2017، رشح ترمب القاضية آيمي كوني باريت قاضيةً في الدائرة السابعة لمحكمة الاستئناف الأميركية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) ثبّتها مجلس الشيوخ. والحقيقة، أن ترمب كان يفكر في ترشيحها لتحل محل القاضي الراحل أنتوني سكاليا، إلّا أنه خشي تعرضها لانتقادات شديدة حتى من الجمهوريين أنفسهم بسبب صغر سنها وقلة تجربتها. وعليه، فضل تأجيل ذلك بانتظار شغور منصب القاضية غينزبرغ، التي توقع كثيرون وفاتها أو على الأقل استقالتها بعد إصابتها بالسرطان للمرة الثالثة. وللعلم، قبل تعيينها قاضية، وإبان عملها القانوني، كانت باريت أستاذة للقانون في كلية الحقوق بجامعة نوتردايم العريقة، أغنى الجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة، حيث درّست الإجراءات المدنية والقانون الدستوري والتفسير التشريعي.

«أصولية» مسيحية يفضلها المتدينون
باريت التي تُعرف بأنها مسيحية «أصولية» وصفتها وكالة «رويترز» بأنها «المفضلة لدى المحافظين المتدينين». بل إنها إبان حفل تخرج لطلابها، أخبرتهم أنه «إذا كان بإمكانكم أن تضعوا في اعتباركم أن الهدف الأساسي في الحياة ليس أن تكون محامياً، بل أن تعرف الحب وتخدم الله، فستكونون حقاً نوعاً مختلفاً من المحامين».
وككاثوليكية متدينة ولديها تراث آيرلندي، يتابع العديد من المراقبين كيف يمكن أن يؤثر ترشيح باريت على الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. إذ أشاد المحافظون المتدينون بهذا الاختيار، الذي يلقى استحساناً أيضاً لدى الكاثوليك الآيرلنديين والإيطاليين في الولايات الغربية الوسطى الذين صوّتوا لصالح ترمب عام 2016. وبناء عليه، بات يحسب الحساب للشخصيات الكاثوليكية المحافظة من ذوي الأصول الآيرلندية، باعتبارها جسراً جديداً ينضم إلى تحالف المحافظين من الإنجيليين البروتستانت وغيرهم من الجماعات المسيحية المتشددة الأخرى.
يقول الليبراليون إن آراء باريت القانونية متأثرة جداً بمعتقداتها الدينية، ويخشى أن يؤدي وصولها إلى أعلى محكمة في البلاد، إلى تقليص إصلاحات الإجهاض وقضايا الهجرة وحمل السلاح والرعاية الصحية.
أيضاً، يتخوف الديمقراطيين من أن تصوّت باريت حال تعيينها في المحكمة العليا، على قرار لإلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف بـ«أوباما كير»، الذي حُدّدت جلسته بوم 10 نوفمبر، أي بعد أسبوع واحد من الانتخابات. غير أن البعض يؤكد أن تصريحاتها لا توحي بأنها قد تقدم على ذلك. ويقول خبراء قانونيون إن الحكم بإلغاء قانون الرعاية الصحية قد لا يصدر على أسس آيديولوجية. لا، بل يرجحون عدم إبطاله أصلاً، إذ إن بعض المحامين الذين أيدوا إبطال «أوباما كير»، قالوا إن الدعوى التي رفعتها ولاية تكساس تفتقر إلى الجدارة.
مع هذا، يخشى العديد من الاستراتيجيين الجمهوريين من أنه إذا مضى الجمهوريون في مجلس الشيوخ قدماً في تثبيت باريت رغم اعتراضات الديمقراطيين، قد تتحول معركة تثبيتها إلى سلاح انتخابي في يد الديمقراطيين، الذين يُعِدون بالفعل لاستخدامه عبر إطالة أمد المناقشات والمماحكات لتهشيم صورتها والنيل من ترمب.
في المقابل، يحذر الاستراتيجيون الديمقراطيون من أن التصدّي لتعيينها، فيما هم يفتقدون القدرة على تعطيله، قد يكلفهم خسارة بعض المقاعد في انتخابات مجلس الشيوخ، كما حصل خلال تثبيت القاضي كافاناه، حيث خسر عضوان ديمقراطيان في مجلس الشيوخ مقعديهما في ولايتين تميلان للجمهوريين عام 2018.

النشأة والمسيرة
ولدت آيمي كوني (وهو اسمها الأصلي قبل الزواج)، عام 1972 في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا. وتعود جذورها الآيرلندية لأجدادها من ناحية والدتها مع دماء آيرلندية مختلطة من ناحية والدها، وهي الأكبر بين سبعة أطفال، مع خمس أخوات وأخ.
والدها، مايكل كوني، عمل محامياً لشركة «شل للبترول» ورُسّم شماساً في الكنيسة الكاثوليكية خلال الثمانينات. أما والدتها ليندا، فكانت مدرّسة لغة فرنسية في المدرسة الثانوية.
آيمي نشأت في ضاحية ميتايري بنيو أورلينز، وتخرّجت في مدرسة سانت ماري التابعة للرهبنة الدومينيكانية الكاثوليكية بالمدينة عام 1990. وبعدها التحقت بكلية رودز (وهي إحدى أرقي الجامعات الخاصة في ولايات الجنوب الأميركي) بعد حصولها على منحة دراسية، وتخصصت في الأدب الإنجليزي والفرنسية. وفي رودز تخرّجت عام 1994 بدرجة البكالوريوس في الآداب بامتياز. ومنها انتقلت إلى دراسة القانون في كلية الحقوق بجامعة نوتردايم بمنحة دراسية كاملة. وإبان دراستها فيها كانت محرّرة تنفيذية في مجلة «نوتردابم لو ريفيو»، وتخرجت عام 1997 بدرجة دكتوراه في القانون بامتياز.
بعد التخرّج في كلية الحقوق، أمضت باريت سنتين كاتبة قانون قضائي، مع القاضي لورانس سيلبرمان من محكمة الاستئناف الأميركية لدائرة العاصمة واشنطن من 1997 إلى 1998، ثم عملت مع القاضي أنتوني سكاليا في المحكمة العليا الأميركية من 1998 إلى 1999. وقالت في الكلمة التي ألقتها في البيت الأبيض بعد ترشيح ترمب لها، السبت الماضي، إن سكاليا هو مثالها ومدرّبها ومنه تستلهم أحكامها.
أيضاً عام 1999 تزوجت من جيسي باريت، زميلها في كلية الحقوق بجامعة نوتردايم. وهو شريك في شركة محاماة بمدينة ساوث بند في ولاية إنديانا، وأستاذ قانون في جامعة نوتردايم. وكان جيسي باريت قد عمل سابقاً مساعداً للمدعي العام الأميركي للمنطقة الشمالية بولاية إنديانا لمدة 13 سنة. وتعيش العائلة اليوم في مدينة ساوث بند (القريبة جداً من جامعة نوتردايم) ولديهم سبعة أطفال، اثنان منهم تم تبنيهم من هايتي، الأول عام 2005 والثاني عام 2010، بعد الزلزال الذي ضرب الجزيرة. ويعاني طفلها الأصغر من متلازمة التوحُّد وخشي الأطباء ألا يتمكن من النطق أو المشي بشكل طبيعي.
بين عامي 1999 و2002، مارست باريت العمل القانوني في مؤسسة «ميلر كاسيدي لاروكا» في واشنطن العاصمة، التي اندمجت مع مؤسسة «بيكر بوتس» في هيوستن. وخلال فترة عملها في «بيكر بوتس»، عملت في قضية «بوش ضد غور»، وهي الدعوى القضائية التي حسمت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2000. ويومذاك قدمت المساعدة البحثية والإعلامية لتمثيل بيكر بوتس لجورج بوش الابن الذي كسب الدعوة ليصبح رئيس الولايات المتحدة الـ43.

«مجتمع العهد» عصبة كاثوليكية
آيمب كوني باريت كاثوليكية ملتزمة وعضو في جماعة مسيحية اسمها «مجتمع العهد» في ساوث بند، ويضم 1700 شخص، أكثر من 90 في المائة من أعضائه من الكاثوليك. وهي مرتبطة بحركة التجديد الكاريزمية (الهِبَوية) الكاثوليكية، لكنها غير مرتبطة رسمياً بالكنيسة الكاثوليكية. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، «يُقسِم أعضاء الجماعة قسم الولاء مدى الحياة، ويسمى (عهداً) لبعضهم البعض، وهم مسؤولون أمام مستشار شخصي، يسمى (رأس) الرجال و(خادم) النساء». تؤمن هذه الجماعة بأن الأزواج رؤساء زوجاتهم ويجب أن يتولوا السلطة على الأسرة. وعام 2015، وقّعت باريت خطاباً إلى المجمع الكنسي حول الأسرة جاء فيه أن «تعاليم الكنيسة حول الزواج والأسرة أسست على التزام الرجل والمرأة الذي لا ينفصم».
وخلال جلسة تثبيتها في مجلس الشيوخ قاضيةً في الدائرة السابعة لمحكمة الاستئناف الأميركية عام 2017، أثارت آراؤها حفيظة الديمقراطيين ومخاوفهم من أن يؤثر ولاؤها لمجموعتها الدينية على أحكامها القضائية وتغليب معتقداتها على أحكام القانون والدستور. وبالفعل، استجوبتها السيناتور الديمقراطية ديان فاينشتاين حول مقال قانوني شاركت في كتابته عام 1998 مع الأستاذ جون إتش غارفي. وجادلت فيه بأن على القضاة الكاثوليك في بعض الحالات التنحي عن قضايا عقوبة الإعدام بسبب اعتراضاتهم الأخلاقية على هذه العقوبة. وخلص المقال إلى أن على القاضي التنحي بدلاً من التورط في القضية. ورداً على سؤال حول «توضيح البيانات ومناقشة كيفية النظر إلى قضية الإيمان مقابل الوفاء بالمسؤولية كقاضية»، قالت باريت إنها شاركت في العديد من الطعون المتعلقة بعقوبة الإعدام أثناء عملها ككاتبة قانونية مع القاضي سكاليا. وأضافت: «لن يؤثر انتمائي الشخصي للكنيسة أو معتقداتي الدينية على أداء واجباتي كقاضية، وليس من المناسب أبداً أن يفرض القاضي قناعاته الشخصية، سواء كانت ناشئة عن الإيمان أو أي مكان آخر، بشأن القانون». ومن ثم، شددت على أن المقالة كتبتها في سنتها الثالثة في كلية الحقوق، وأنها كانت «شريكاً صغيراً جداً فيها». غير أن فاينشتاين (اليهودية الليبرالية) ردّت بالقول: «العقيدة تعيش بصوت عالٍ في داخلك، وهذا مصدر قلق».

معاداتها للمثليين والمتحوّلين
واستُجوبت باريت، أيضاً، في سوابق قانونية تتعلق بالمثليين والمتحوّلين جنسياً، بعدما وقّعت 26 منظمة مدنية تعنى بحقوقهم، رسالة تعارض ترشيحها آنذاك. وشكّكت الرسالة بقدرتها على فصل الإيمان عن أحكامها في قضايا مجتمع المثليين. وجاء في الرسالة: «مجرد تكرار أنها ستكون مُلزمة بسابقة المحكمة العليا لا يوضح، بل إنه يشوّش بالفعل. إذ كيف ستفسر الأستاذة باريت تلك السابقة وتطبّقها عند مواجهة أنواع المعضلات التي، في رأيها، (وضعت القضاة الكاثوليك في مأزق)».
غير أن جلسة الاستماع رفعت شعبيتها كثيراً عند المحافظين المتدينين. وانتقد بعض الجمهوريين والمراقبين الآخرين استجواب فاينشتاين وأعضاء مجلس الشيوخ الآخرين لها، باعتباره «تحقيقاً دينياً غير لائق في المعتقد الديني للمرشح وغير مطلوب دستورياً للمنصب».
وفي قضية تتعلق بالأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب لرفع معيار شروط الحصول على «البطاقة الخضراء» (الخاصة بالإقامة)، «الغرين كارد»، كتبت باريت نصاً معارضاً من 40 صفحة لقرار الغالبية في المحكمة التي أيدت أمراً قضائياً أولياً بتجميد الأمر التنفيذي المثير للجدل. ورأت باريت أن الأمر التنفيذي يقع ضمن النطاق الواسع للسلطة التقديرية الممنوحة للسلطة التنفيذية من قبل «الكونغرس» من خلال قانون الهجرة والجنسية.
كذلك اعترضت باريت مرة أخرى على قرار المحكمة التي أيدت قانوناً يمنع المجرمين المدانين غير العنيفين من حيازة أسلحة نارية. وفي حين أيد غالبية القضاة قوانين منع الحيازة باعتبارها «مرتبطة بشكل جوهري بمصلحة حكومية مهمة في منع العنف المسلح»، جادلت باريت أنه في حين أن للحكومة مصلحة مشروعة في حرمان المجرمين المدانين بارتكاب جرائم عنيفة من حيازة السلاح، لا يوجد دليل على أن حرمان المجرمين غير العنيفين من السلاح يعزّز هذه المصلحة، وأن قرار المنع ينتهك التعديل الدستوري الأميركي الثاني الذي يضمن الحق في اقتناء السلاح.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».