«الكرملين»: الاستخبارات الأميركية وراء اتهام نافالني لبوتين بتسميمه

نافالني يتهم بوتين بالتورط في قضية تسميمه (أ.ف.ب)
نافالني يتهم بوتين بالتورط في قضية تسميمه (أ.ف.ب)
TT

«الكرملين»: الاستخبارات الأميركية وراء اتهام نافالني لبوتين بتسميمه

نافالني يتهم بوتين بالتورط في قضية تسميمه (أ.ف.ب)
نافالني يتهم بوتين بالتورط في قضية تسميمه (أ.ف.ب)

شهد ملف تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني تطوراً حاداً، أمس، بعد قوله في مقابلة صحافية إن أي طرف روسي لا يمكن أن يستخدم غاز «نوفيتشوك» السام ضده من دون إذن الرئيس فلاديمير بوتين. وأثار الاتهام رد فعل فورياً لدى «الكرملين»، الذي وصفه بأنه «غير مقبول ولا أساس له من الصحة». ولوّح الناطق باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، إلى وقوف أجهزة الاستخبارات الأميركية وراء توجيه الاتهام لبوتين.
وفي أول مقابلة مع وسائل إعلام منذ تحسن حالته الصحية، وخروجه من غيبوبة استمرت نحو ثلاثة أسابيع، فجّر نافالني جدلاً واسعاً من خلال الاتهام المباشر لبوتين. وقال في حديث لصحيفة ألمانية إن «الرواية الوحيدة الممكنة والواقعية هي أن يكون بوتين وجّه الأوامر باستخدام الغاز السام». وزاد: «أنا أزعم أن بوتين وراء الجريمة، وليس هناك أي روايات أخرى»، موضحاً أنه يستند «إلى حقائق» في توجيه الاتهام. ورأى أن «الحقيقة الأكثر أهمية هي أنه لا يمكن الوصول إلى مكون (نوفيتشوك) السري في روسيا إلا لشخصين فقط، هما رئيس هيئة الأمن الفيدرالي أو رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية، ولكن في الحالين لا يمكن لأي منهما اتخاذ هذا القرار من دون علم وموافقة الرئيس الروسي».
ورداً على سؤال عن احتمال أن يكون رجل الأعمال يفغيني بريغوزين الذي يُوصَف بأنه «طباخ الكرملين» وراء حادثة التسميم، كون نافالني استهدفه بتحقيقات عن الفساد، قال المعارض الروسي: «لو وصل بريغوزين إلى نوفيتشوك لقام بتسميم نصف العالم بالفعل».
وزاد نافالني أن السلطات الروسية عوّلت على موته خلال رحلة الطائرة، ما يعني أنه «كان يجب أن أُنقل إلى ثلاجة الموتى في أومسك أو في تومسك (سيبيريا)، وكان سيكون صعباً جداً القيام بأي تحليلات بعد إخضاع الجثة لعمليات التطهير اللازمة، ووفقاً للخطة ففي الغالب كانت الوفاة ستحوم حولها شبهات، لكن لن يُعرَف السبب الحقيقي أبداً». وفي إشارة إلى نقله إلى ألمانيا لاحقاً، زاد أنه «ربما يكون الاتهام التالي هو أن (المستشارة) أنجيلا ميركل سممتني شخصياً بنوفيتشوك».
وزاد أن «مخاوف (الكرملين) من الاحتجاجات في بيلاروسيا وداخليا في إقليم خاباروفسك دفعت (الكرملين) إلى التفكير باللجوء إلى تدابير قصوى».
وجدد نافالني عزمه العودة إلى روسيا، وقال إن «فشلي في العودة يعني أن بوتين قد حقق هدفه. ومهمتي الآن هي ألا أخاف (...). لن أعطي بوتين مثل هذه الهدية». وأضاف أنه لن يعود إلى قناته على «اليوتيوب»، ولن يمارس نشاطاً سياسياً إلا بعد عودته إلى موسكو، لأنه لا يريد أن يكون «زعيم المعارضة في المنفى»، أو أن يواصل «الحديث عن الثورة وهو جالس في الخارج».
كما قال إنه يؤيد العقوبات المفروضة على بلاده، لكنه زاد أنها «لا ينبغي أن توجه ضد روسيا بأكملها، بل ضد مجرمين محددين من بين النخبة». وقال المعارض الروسي: «أؤكد لكم أن 95 في المائة من المواطنين الروس سيدعمون ذلك».
وأثارت هذه التصريحات عاصفة غاضبة في موسكو، وقال بيسكوف إن الاتهامات ضد بوتين «غير مقبولة ولا أساس لها من الصحة». وزاد: «نعتقد أن مثل هذه وبعض التصريحات، التي وردت في هذا الحديث، مسيئة، وأيضاً غير مقبولة»، موضحاً أن «الحديث يقتصر على الإساءة، وهذه طريقة معروفة لمن يريد أن يضع نفسه على نفس المستوى مع أول شخص في الدولة، زاعماً أنه في معركة سياسية معه». وأضاف المتحدث باسم «الكرملين» أن «المنافسين السياسيين الحقيقيين للرئيس هم أناس مختلفون وقوى أخرى، وهم ليسوا هامشيين، بل معارضة حقيقية». لكن اللافت أكثر في تعليق «الكرملين» هو تحميل المسؤولية للاستخبارات الأميركية على توجيه الاتهامات لبوتين. وقال بيسكوف إن «أجهزة الاستخبارات الغربية، وعلى وجه الخصوص وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، تعمل مع الناشط المعارض».
وكان رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي، فياتشيسلاف فولودين، وجه اتهاماً مماثلاً، وقال إنه «بات من الواضح أن الناشط الروسي، أليكسي نافالني، يعمل لصالح أجهزة استخباراتية وأجهزة تابعة لدول غربية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟