بات من المعتاد أن تواجه الحكومة العراقية، عند رأس كل شهر، معضلة تدبير الأموال اللازمة لدفع مرتبات الموظفين في القطاع العام، وصار من الطبيعي أن ينتظر الموظفون أكثر من أسبوعين بعد موعد استحقاق دفع مرتباتهم.
وتواجه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منذ توليها مقاليد السلطة في مايو (أيار) الماضي، أزمة مالية حادة، نتيجة تراجع أسعار النفط الذي يمول موازنة البلاد بنحو 90 في المائة من إجماليها، ما دفعها إلى الطلب من البرلمان التصويت على قانون الاقتراض الداخلي والخارجي لتمويل نفقاتها.
ولم تقلل التعهدات الدورية التي تطلقها وزارة المالية العراقية بشأن التزامها بدفع مرتبات الموظفين من حالة التذمر التي تسود أوساط الموظفين. وأصدرت وزارة المالية، أول من أمس، بياناً أكدت فيه أنها «تعمل بكل جد لضمان الوفاء بجميع الالتزامات الحكومية وفي أوقاتها المحددة، وعلى رأس تلك الالتزامات رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية»؛ غير أنها لم تخفِ المتاعب التي تواجهها في مسألة تأمين المرتبات؛ حيث تقول: «لا يخفى على الرأي العام العراقي أن الوزارة تبذل هذه الجهود في ظل ظروف استثنائية وأزمة مالية خارجة عن إرادة الحكومة، تتمثل بالانخفاض الحاد في الواردات النفطية، وجائحة (كورونا) وآثارها المحلية والدولية، بالشكل الذي فاقم نقص السيولة المتوفرة للدولة؛ خصوصاً مع التوسع غير المخطط له في أعداد الموظفين خلال العام الماضي»، في إشارة إلى التعيينات التي أقرتها حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وذكر بيان المالية أن «الحكومة العراقية سعت إلى استصدار تشريع برلماني يمكِّنها من الاقتراض داخلياً وخارجياً، وقد تم استخدام الأموال المتوفرة عبر الاقتراض الداخلي والبالغة حدود 15 تريليون دينار عراقي حتى نهاية الشهر الماضي، لتمويل الرواتب والوفاء بالنفقات الأساسية الأخرى، وخصوصاً ما يتعلق منها بالصحة والأمن، بينما اقتصر استخدام القروض الدولية على تمويل المشروعات التنموية».
وتحدثت المالية عن أنها «تقوم في الوقت الحاضر بإعداد خريطة طريق مفصلة لتمويل النفقات الأساسية للأشهر الثلاثة المتبقية من السنة الحالية، سنقوم بعرضها قريباً على مجلس النواب الموقر. وستشمل هذه الخطة زيادة قدرة الوزارة على الاقتراض الداخلي، وستمكننا حال الموافقة عليها من البدء في تأمين الرواتب الحكومية بالكامل».
وكان وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، قد أرسل إلى مجلس النواب، أول من أمس، مشروع قانون تمويل الاقتراض المحلي، لتمويل العجز المالي لعام 2020، وطالب بتشريع القانون بالسرعة الممكنة.
من جانبها، رأت اللجنة المالية في مجلس النواب، أمس، أن قانون الاقتراض الداخلي ليس له علاقة بتوزيع رواتب موظفي الدولة. وقالت اللجنة في بيان، إنها «تود أن تبين أن مشروع قانون تمويل الاقتراض المحلي لتمويل العجز المالي لسنة 2020، لم يصل لغاية الآن إلى أروقة مجلس النواب واللجنة المالية، وعلى الحكومة الإسراع في إرسال ورقة الإصلاح الاقتصادي». بدوره، قال عضو «النهج الوطني» النيابية حسين العقابي، أمس: إن «هناك تبياناً في الأرقام التي تعطيها الحكومة حول تأمين رواتب الموظفين».
وأضاف في تصريحات: «نستغرب إصرار الحكومة على الاقتراض مرة أخرى، ولا نعلم ما هو الرقم الموجود في قانون الاقتراض الجديد الذي تريد إرساله الحكومة إلى مجلس النواب للتصويت عليه». وتابع بأن «الاقتراض الداخلي الذي تم في نهاية يونيو (حزيران) كان يفترض به تغطية العجز في الرواتب حتى نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ويفترض أن الرواتب مؤمنة لهذا الشهر والشهر المقبل والذي يليه». وتوقع أستاذ الاقتصاد في «الجامعة المستنصرية» الدكتور صادق البهادلي، استمرار «معضلة» تسلم رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام والمتقاعدين والمسجلين في شبكة الحماية الاجتماعية في عهد حكومة الكاظمي.
ويقول البهادلي لـ«الشرق الأوسط»: «من المعلوم أن لدينا بحدود ثمانية ملايين مواطن يتسلمون دخلاً من الحكومة حتى وصلت النفقات على الأجور والرواتب لحدود 56 تريليون دينار عراقي. وبحسبة بسيطة نجد أن قطاعات واسعة من الشعب تعتمد على الحكومة في توفير لقمة العيش، نتيجة افتقار الاقتصاد الوطني للنشاط الاقتصادي». من هنا - والكلام للبهادلي - فإن «هناك علاقة تكامل وترابط بين الدخول الشهرية والسوق، بمعنى أنه كلما توفرت هذه الأجور والرواتب ازداد الطلب الكلي على السلع والخدمات».
ويضيف: «تحدثت اليوم مع صديق لديه محل جملة في سوق الشورجة، وشكا لي من ركود كبير في البيع رغم أنه يعمل في مجال السلع الأساسية، وهذا دليل على أن المواطن لا يستطيع الشراء مع عدم تسلمه لمرتبه الشهري».
وتوقع البهادلي أن «يستمر الموظفون العراقيون خلال الأشهر المقبلة وبفارغ الصبر في انتظار إعلان وزارة المالية إطلاق مرتباتهم».
بدوره، يقترح وزير النفط السابق إبراهيم بحر العلوم عدم التزام العراق بخطة خفض الإنتاج النفطي التي أقرتها «أوبك» لتجاوز الأزمة المالية في العراق. وقال بحر العلوم، في تغريدة عبر «تويتر»: «لا مناص عن عودة العراق لممارسة السيادة على قراره النفطي، وتصدير ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل يومياً كما كان سابقاً قبل قرارات (أوبك+)، لتخطي الأزمة المالية، بدلاً من الاقتراض من جهات خارجية وداخلية بفوائد».
العراق: عجز مالي يتسبب في تأخر دفع مرتبات القطاع العام
وزارة المالية تطالب البرلمان بتعجيل إقرار قانون التمويل الداخلي
العراق: عجز مالي يتسبب في تأخر دفع مرتبات القطاع العام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة