باتت الطائرات المسيّرة سلاح تركيا وإيران المفضل لتغيير «قواعد اللعبة» ضد المسلحين الأكراد في شمال العراق، مما يثير مخاوف حيال سلامة المدنيين ويرفع منسوب التوتر الجيوسياسي. وقال محمد حسن، رئيس بلدية قنديل؛ منطقة جبلية في شمال العراق والمعقل الرئيسي لـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور: «لا يمر يوم دون أن نرى طائرة مسيرة». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «تحلّق على ارتفاع منخفض بحيث يستطيع سكان قنديل رؤيتها بالعين المجردة».
واستخدم «حزب العمال الكردستاني» قنديل لعقود قاعدة رئيسية لعملياته العسكرية ضد أنقرة، بينما استخدم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الإيراني أجزاء أخرى نائية من كردستان العراق لشن هجمات ضد طهران.
وتعدّ تركيا وإيران «حزب العمال الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» الإيراني «إرهابيين»، وتقومان بشن هجمات برية عبر الحدود وضربات جوية وباستخدام المدفعية ضد قواعدهما في العراق بشكل دوري.
ومنذ عام 2018، بدأ البلدان استخدام الطائرات من دون طيار لمهام المراقبة وحتى تنفيذ اغتيالات في شمال العراق.
وقال خبراء وسكان المناطق المتضررة إن استخدام الطائرات المسيّرة ازداد بشكل كبير منذ شنت تركيا هجوماً جديداً في يونيو (حزيران) الماضي.
ويقول ناشطون إن عشرات القرى الحدودية أصبحت خالية بعد أن فر المدنيون المذعورون من منازلهم وأراضيهم الزراعية.
ويشير آخرون إلى أن غارات الطائرات المسيّرة حالت دون عودة مئات الآلاف من الإيزيديين النازحين إلى منازلهم من منطقة سنجار، القريبة من الحدود مع سوريا، حيث يوجود الآن عناصر «حزب العمال الكردستاني».
وصرح رئيس بلدية سنجار محما خليل بأن «القصف التركي يسبب كثيراً من الرعب، لذا لن يعود الإيزيديون إلى ديارهم».
ورغم الانتقادات العلنية، فإن تركيا واصلت حربها بالطائرات المسيرة، على الأرجح بسبب التقدّم الذي جرى تحقيقه مؤخراً في مواجهة «حزب العمال الكردستاني». وقال نيكولاس هيراس، من «معهد دراسات الحرب» إن الطائرات المسيرة سمحت لأنقرة بالتعقّب والتحديد والقضاء على أهداف تابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» في غضون دقائق. وأضاف أن «استخدام تركيا الطائرات المسيرة في شمال العراق غيّر قواعد اللعبة في حربها ضد (حزب العمال الكردستاني)».
ويتخذ الحزب من جبال العراق مخبأ منذ سنوات، حيث عجزت القوات والطائرات التقليدية عن الوصول إلى عناصره.
وتقوم تركيا في شمال العراق بالاستبدال بالمقاتلات القاذفة باهظة الثمن كتلك الأميركية من طراز «إف16»، طائرات من دون طيار؛ بما في ذلك الطائرة التركية «بيرقدار تي بي2»، التي تتفوّق من ناحية التجسس ويمكنها الطيران لمدة 24 ساعة، كما أنها أقل تكلفة، وبالتالي لن تكون الخسارة كبيرة في حال جرى إسقاطها من قبل «حزب العمال الكردستاني»، حسبما تقول الخبيرة في الطائرات من دون طيار سيبل دوز.
وفي مقابلة حصرية جرت في قنديل، قال المتحدث باسم «حزب العمال الكردستاني»، زاغروس هيوا، إن تركيا أنشأت منطقة عازلة على طول 15 كيلومتراً في شمال العراق بفضل طائراتها المسيرة. وأضاف: «أسقطت قواتنا 7 طائرات مسيرة هذا العام»، لكنه امتنع عن الإدلاء بتفاصيل عن خسائر «حزب العمال الكردستاني».
وحقق «حزب العمال الكردستاني» نجاحاً محدوداً في تصنيع طائرات مسيّرة خاصة به، وهي طائرات تجارية محمّلة بالمتفجرات.
وقال مصدر أميركي مطلع على برنامج تركيا للطائرات من دون طيار إن قوات العمليات الخاصة الأميركية في شمال العراق قلقة من «وتيرة وكثافة» ضربات الطائرات المسيّرة. وقال المصدر إن «الأتراك يحلّقون فوق مواقع أميركية مسلحة، وهو أمر غير مقبول»، مشدداً على أن «هناك انعداماً للثقة بشكل عام وانزعاجاً حيال ذلك كله». وبدأت إيران نشر طائرات مراقبة أول مرّة خلال حربها مع العراق (1980 - 1988).
وقال آدم راونسلي، الذي يتتبع الطائرات الإيرانية المسيّرة لصالح «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، إن طهران تعتمد على طائرات مسيرة من طراز «مهاجر6» و«شاهد129» في شمال العراق. وأفاد بأن «طريقة استخدام إيران الطائرات المسيّرة ضد أهداف كردية في العراق مختلفة 180 درجة عن طريقة استخدامها لها في أي مكان آخر. إنها أكثر تطوراً بكثير».
وفي مقابلة نادرة الربيع الماضي، قال قائد وحدة الطائرات المسيّرة في طهران العقيد أكبر كريملو، لوسائل الإعلام المحلية إن إيران تستخدم الطائرات من دون طيار للمراقبة والضرب وحتى ضبط دقة الأهداف.
وبينما تضرب المدفعية أو الصواريخ الإيرانية أهدافاً كردية في العراق، تقيس الطائرات المسيرة دقة إطلاق النار حتى يتمكن الجيش من تعديل الهدف حسب الضرورة.
وقالت إيران إنها ستتخذ «خطوات منسقة» مع تركيا لمواجهة نشاط الفصائل الكردية على طول حدودها، لكنها لم تذكر الطائرات من دون طيار تحديداً.
وكانت التصريحات الصادرة عن السلطات في بغداد وإقليم كردستان عن حملات الطائرات المسيرة التي تتسع رقعتها، محدودة للغاية؛ إذ قال مسؤولون عراقيون لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم لا يملكون أوراق ضغط على تركيا أو إيران.
وبعد أن قتلت غارة نفذتها طائرة تركية مسيرة اثنين من كبار الضباط العراقيين في شمال البلاد في أغسطس (آب) الماضي، أعربت بغداد عن غضبها، لكنها لم تمارس أي ضغوط على أنقرة.
وقال راونسلي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «المشكلة العامة التي يعاني منها العراق تكمن في أن القوى الأكبر تميل إلى استخدامه «مضماراً للرماية».
وقال ويم زفينينبيرغ، الذي يعمل في مجال نزع السلاح لدى منظمة «باكس» الهولندية، إن «كثيراً من هذه الضربات وقعت في مناطق غير مأهولة بشكل كبير، ولذلك لا توجد معلومات كافية من الناس أو الصحافيين على الأرض».
وبالفعل، لا يمكن للنشطاء ولا المسؤولين العراقيين أو الأكراد تقديم عدد محدد للقتلى المدنيين جرّاء ضربات الطائرات المسيّرة في الشمال.
وأكد زفينينبيرغ أن «هذا يزيد من غموض الحملات التي تنفذ بواسطة الطائرات المسيّرة».
طائرات تركيا وإيران المسيّرة «تغير قواعد اللعبة» في شمال العراق
طائرات تركيا وإيران المسيّرة «تغير قواعد اللعبة» في شمال العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة