كيف تحولت حدود ليبيا إلى ساحة لتهريب الوقود والبشر؟

الجماعات الإرهابية تتخذها معبراً للتغلغل داخل البلاد

دورية أمنية تجري تمشيطاً للدروب الصحراوية بحثاً عن متسللين (القوة المشتركة التابعة لقوات الوفاق)
دورية أمنية تجري تمشيطاً للدروب الصحراوية بحثاً عن متسللين (القوة المشتركة التابعة لقوات الوفاق)
TT

كيف تحولت حدود ليبيا إلى ساحة لتهريب الوقود والبشر؟

دورية أمنية تجري تمشيطاً للدروب الصحراوية بحثاً عن متسللين (القوة المشتركة التابعة لقوات الوفاق)
دورية أمنية تجري تمشيطاً للدروب الصحراوية بحثاً عن متسللين (القوة المشتركة التابعة لقوات الوفاق)

تطوي سيارات دفع رباعي، تابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية الليبية، أطرافاً شاسعة من الصحراء لساعات طويلة، سعياً لتأمين الحدود المترامية، خصوصاً مع دول مجاورة، كتشاد والنيجر والسودان، وإحكام السيطرة عليها، في ظل تزايد عمليات تهريب الوقود، وتسرّب مئات المهاجرين غير النظاميين إلى داخل ليبيا، بهدف معانقة أوروبا عبر البحر المتوسط.
وتقول الأجهزة الأمنية والعسكرية في مدن الجنوب القريبة من الحدود التشادية، مثل تراغن ومرزق وأوباري، إن قواتها تعثر من وقت لآخر على مهاجرين أفارقة تقطعت بهم السبل، مبرزة أن عصابات تهريب البشر والوقود «تنشط في هذه المناطق الشاسعة، كما أن الجماعات الإرهابية تجدها فرصة للتغلغل داخل البلاد».
وأعلنت «القوة المشتركة»، التابعة لوزارة الدفاع في حكومة «الوفاق»، أمس، اعتقال عناصر، قالت إنه يشتبه في انتمائهم لتنظيم «داعش»، بينهم تونسيون وأفريقيون وليبيون. موضحة أنها تمكنت أيضا من ضبط ست شاحنات نقل، كانت محملة بالوقود قبل تهريبه إلى تونس، وذلك بعد اشتباكات مع مجموعة مسلحة كانت تؤمّن العملية، نجم عنها إصابة أحد المسلحين، لكن تم القبض على عدد آخر، وتمت إحالتهم إلى النيابة العامة.
ويعد الجنوب الليبي بوابة غالبية المهاجرين غير النظاميين، الذين يتدفقون إلى البلاد من دول أفريقية عديدة. وفي هذا السياق، قال الرائد إمساعد الدوي، الذي يتولى مراقبة المرور بمحاذاة الشريط الحدودي قرب تشاد، لـ«الشرق الأوسط» إنهم يعثرون دائماً على مواطنين من السودان وتشاد والنيجر، «بعد ضياعهم في الصحراء، إثر انسحاب عصابة الاتجار بالبشر التي تتركهم لمصيرهم، وأحيانا نجد عددا من الموتى، وآخرين أشرفوا على الهلاك من شدة الحر».
كما كشفت «القوة المشتركة»، التي تشكلت قبل عامين بقرار من المجلس الرئاسي، أنها أوقفت مساء أول من أمس 350 مهاجراً أفريقياً كانوا بصدد الهجرة إلى أوروبا عن طريق العجيلات والجميل، وذلك في إطار عملها داخل المناطق الغربية لمكافحة عصابات تهريب البشر والوقود والمخدرات، ومكافحة التنظيمات الإرهابية.
وجاء تشكيل هذه القوة لفرض الأمن، والفصل بين الأطراف المتنازعة، وفض الاشتباكات في العاصمة طرابلس. لكن لوحظ تزايد عمليات الهجرة غير النظامية، خصوصاً عقب انتهاء الحرب على العاصمة طرابلس، إلى جانب تهريب الوقود والمواد الغذائية، وهو ما كشفت عنه كتيبة «سُبل السلام»، التابعة للقيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي، بقولها إن إحدى دورياتها في الجنوب الشرقي والغربي ضبطت مطلع الأسبوع الماضي أربع شاحنات، بعد خروجها من مدينة تازربو (جنوب شرقي)، وهي محملة بالسلع التموينية والمواد الغذائية، بالإضافة إلى شاحنة أخرى كانت محملة بالوقود، وكانت جميعها ستُهرَّب إلى تشاد.
وأمام تزايد موجات تدفق الهجرة على ليبيا، اضطرت المنظمة الدولية للهجرة إلى تدريب مجموعة من المعنيين بملف المهاجرين، والعاملين في المجال الإنساني بطرابلس على عمليات البحث وإنقاذ المهاجرين، الذين يتسربون عبر الصحراء. ورأت المنظمة الدولية أن أكثر من 95 في المائة من المهاجرين يصلون إلى ليبيا عبر الصحراء، في تجربة قالت إنها تتحول إلى محنة لغالبية المتسربين من الحدود المترامية، والمشتركة مع خمس دول عربية وأفريقية.
واعتمدت الورشة التدريبية، وفقاً للمشاركين، على كيفية إنقاذ المهاجرين من التيه في الصحراء من خلال توحيد جهود الأجهزة الأمينة بهدف توفير الحماية لهم، قبل أن يقضوا عطشاً وجوعاً، أو يقعوا فريسة عصابات التهريب التي تتاجر بهم.
ورأى مسؤول عسكري تابع لـ«الجيش الوطني» في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن قواته «سددت خلال الأيام الماضية ضربات للتنظيمات الإرهابية والإجرامية، أوقعت رؤوسا كبيرة، وفي مقدمتها زعيم تنظيم (داعش) بشمال أفريقيا، إثر القضاء على خلية كبيرة بحي عبد الكافي بمدينة سبها، جنوب ليبيا».
وأوضح المسؤول العسكري، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن السيطرة الكاملة على الحدود «لن تتم بالشكل المطلوب في ظل سيطرة الميليشيات على مدن غرب ليبيا... لكن سيتم القضاء على جميع هذه الجماعات في حال توحدت الأجهزة الأمنية قريباً».
وغالبا ما تعلن الأجهزة الأمنية في البلاد عن ضبط مئات المهاجرين من دول أفريقية وآسيوية وعربية بعد تمكنهم من دخول البلاد بطريقة غير مشروعة. وقد أمرت النيابة العامة بالتحقيق مع عشرات الشخصيات بتهمة تهريب الوقود الليبي إلى خارج البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.