تراشق اتهامات وفوضى عارمة في المناظرة الرئاسية الأولى

«اخرس يا رجل» و«يا لك من غبي» عبارات تبادلها ترمب وبايدن

تراشق اتهامات وفوضى عارمة في المناظرة الرئاسية الأولى
TT

تراشق اتهامات وفوضى عارمة في المناظرة الرئاسية الأولى

تراشق اتهامات وفوضى عارمة في المناظرة الرئاسية الأولى

تابع الملايين من الأميركيين على مدى تسعين دقيقة متصلة تراشق الاتهامات والمقاطعة المتواصلة في المناظرة الرئاسية الأولى التي جمعت بين الخصمين دونالد ترمب وجو بايدن.
فالمناظرة التي اتسمت بالفوضى العارمة والاضطراب المتكرر لم تكن كسابقاتها من المناظرات الرئاسية التي اعتاد عليها الأميركيون، فقد حبس هؤلاء أنفاسهم وهم يشاهدون المرشحّين يقاطعان بعضهما البعض ويتراشقان الاتهامات النارية والإهانات، فيما جلس المحاور كريس والاس على مقعد المتفرج عاجزاً عن السيطرة على النقاش.
وبمجرد انتهاء المناظرة، تهافتت ردود الأفعال متراوحة بين الصدمة التامة والغضب الشديد من مجرياتها، ففي حين لام الكثيرون المحاور والاس على سوء إدارة النقاش، وعدم فرض قواعد المناظرة بشكل حاسم، أجمعت الأغلبية على أن المناظرة الأولى كانت «المناظرة الرئاسية الأكثر فوضوية وعدائية في تاريخ الولايات المتحدة».
وبالفعل فقد عانى المرشحان الديمقراطي والجمهوري من صعوبة فائقة في عرض أفكارهما في الملفات المختلفة التي تؤرق مضجع الأميركيين، فأخفقا في طمأنة الناخب الذي عادة ما ينتظر المناظرات الرئاسية لسماع وجهة نظر المرشحين في ملفات حاسمة في السباق الرئاسي. وعوضاً عن طرح الأفكار، تراشق بايدن وترمب الإهانات والشتائم وهما يقفان بعيداً عن بعضهما البعض على منصة المناظرة، حيث فرضت سياسة التباعد الاجتماعي، لكن هذا التباعد لم يمنع ترمب من نعت بايدن بالغبي، ولم يحول دون طلب بايدن من ترمب بأن «يخرس» أكثر من مرة ويصفه بالمهرج. فالرئيس الأميركي استفز منافسه عبر مقاطعته المستمرة لأجوبته، حتى أن المحاور كريس والاس اضطر لتذكير ترمب أكثر من مرة بقواعد النقاش، لكن من دون جدوى.
ورغم هذه الفوضى غير المسبوقة في المناظرات الرئاسية، فإن المرشحين تمكنا في لحظات متفرقة من الحوار من تسليط الضوء على بعض القضايا المهمة في هذا السباق الانتخابي المحتدم.
ولعلّ أكثر موقف أثار استغراب الجمهوريين وغضب الديمقراطيين هو رفض الرئيس الأميركي إدانة العنصريين البيض. فلدى سؤال المحاور لترمب ما إذا كان مستعداً لإدانة مجموعة (الصبيان الفخورين) التي تصنّف من مجموعات الكره العنصرية، قال الرئيس الأميركي: «أيها (الصبيان الفخورون)، تراجعوا وتأهبوا... يجب على أحدهم أن يتصرف مع مجموعة (أنتيفا) واليسار». ووجه ترمب اللوم في أعمال العنف والشغب التي تشهدها بعض الولايات المتحدة إلى اليسار قائلاً: «كل ما أراه هو قادم من اليسار وليس من اليمين».
وقد أثارت هذه المواقف غضب الديمقراطيين فسارعت نائبة بايدن، كامالا هاريس، إلى انتقاد ترمب بعد المناظرة فقالت: «دونالد ترمب لا يتظاهر، فهو لن يدين العنصريين البيض ولن يتفوه بجملة: حياة السود مهمة».
ولعلّ ما أغضب الديمقراطيين هو أن المجموعة التي تحدث عنها ترمب غرّدت مباشرة بعد تصريحاته صورة جديدة لشعارها الذي أصبح: «تراجعوا وتأهبوا» تيمناً بما قاله ترمب، وسرعان ما نشر بايدن هذه الصورة على حسابه على «تويتر» قائلاً: «هذه أميركا في ظل دونالد ترمب». أمّا الجمهوريون فقد اعتبروا أن ترمب أساء التعبير، ودعوه إلى إدانة العنصريين البيض بشكل مباشر، فقال السيناتور الجمهوري تيم سكوت: «أعتقد أن الرئيس أساء التعبير. ويجب أن يصحح ما قاله».
ويقول الخبراء إن ترمب سعى خلال المناظرة إلى التوجه إلى مناصريه الأوفياء، الأمر الذي قد يكلّفه المعتدلين وناخبي الضواحي، ويعتبر أرون كال وهو مدير المناظرات في جامعة ميشيغان أن «الرئيس ترمب كان بحاجة إلى جذب أصوات الناخبين المعتدلين وناخبي الصواحي عبر ترويج التفاؤل وأجندة تتطلع قدماً لولاية ثانية. لكن بدلاً من ذلك، كان هناك الكثير من التشاؤم الذي حرّك العنصرية في البلاد».

وسعى ترمب الذي غالباً ما قاطع بايدن خلال أجوبته، إلى تصوير نائب الرئيس السابق بمظهر الألعوبة بيد الاشتراكيين، بهدف تخويف الناخبين المعتدلين من التصويت لصالحه، لكن بايدن ردّ على هجمات منافسه قائلاً: «أنا أمثل الحزب الديمقراطي».
وكرر ترمب هجومه هذا صباح الأربعاء فأعاد تغريد مقال ينتقد أداء المحاور كريس والاس، معتبراً أن والاس وبايدن تكاتفا ضدّه فقال: «كانت ليلة كريس صعبة ولم يكن من المفاجئ تكاتف اثنين ضد واحد، لكني استمتعت بوقتي. وطرحت نقاطاً مهمة عندما هاجمت برني (ساندرز) وأوليفيا أوكاسيو كورتيز والبقية! إن اليسار المتشدد يرمي بجو النعسان. لا توجد أي حماسة ديمقراطية، يا لها من قيادة ضعيفة!». وتابع ترمب: «لا أحد يريد جو النعسان ككقائد، بمن فيهم اليسار المتشدد الذي خسره الليلة الماضية. لقد أهان برني ووصفه بالفاشل!».
ولعلّ أهم موقف في المناظرة ورد في الجزء الأخير منها، عندما رفض الرئيس الأميركي دعوة مناصريه إلى الالتزام بالهدوء بعد الانتخابات الرئاسية انتظاراً للنتائج في حال تأخرها، فقال: «إذا كانت الانتخابات عادلة، فأنا أدعم هذا 100 في المائة. لكني إذا رأيت تلاعباً بعشرات الآلاف من البطاقات الانتخابية، فلن أسكت عن هذا…». وحث ترمب مناصريه للعب دور المراقبين في مراكز الاقتراع يوم الانتخابات.
وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه قد يلجأ للمحكمة العليا للنظر في قضية البطاقات الانتخابية في تصريح ترجم مخاوف الديمقراطيين الذي يخشون من أن تؤدي المحكمة العليا بأغلبيتها المحافظة دور الحاكم في حسم الانتخابات الرئاسية.
وقد دافع الرئيس الأميركي عن ترشيحه للقاضية ايمي كوني باريت قبل الانتخابات مؤكداً أن الحزب الذي فاز بالانتخابات هو الذي يجري هذه التعيينات ويتحكم بها، فما كان من بايدن إلا وذكّر بالملفات العالقة محذراً الأميركيين من سعي الإدارة إلى إلغاء الرعاية الصحية المعروفة بأوباما كير والإجهاض.
بايدن الذي حرص خلال المناظرة على النظر مباشرة إلى عدسة الكاميرا لمخاطبة الأميركيين، تحدث عن فيروس «كورونا» فاتهم ترمب بعدم الاكتراث لحياة الأميركيين والتهرب من مسؤولياته، ليرد عليه الرئيس الأميركي ويتهمه بمحاولة إغلاق البلاد محذراً من التدهور الاقتصادي.
وكما كان متوقعاً حاول المحاور كريس والاس طرح قضية تهرب ترمب من الضرائب والتي وردت في صحيفة «نيويورك تايمز»، فأكد ترمب أنه يدفع «ملايين الدولارات من الضرائب»، لينقض عليه بايدن ويدعوه إلى الإفراج عن عائداته الضريبية، لكن الرئيس الأميركي كرر حججه السابقة بأن ضرائبه تخضع للتحقيق وأنه سيفرج عنها بمجرد انتهاء التحقيق.
وكان بايدن قد أفرج عن عائداته الضريبية للعام 2019 قبل المناظرة حيث تبين أنه يدفع مبلغ 300 ألف دولار من الضرائب، مقابل 750 دولاراً من ضرائب الدخل التي دفعها ترمب، بحسب الصحيفة.
بايدن الذي حافظ على رباطة جأشه خلال معظم فترة المناظرة، مبتسماً كلما قاطعه ترمب، ثارت ثائرته عندما تحدث عن مواقف ترمب المنتقدة للجنود الأميركيين، فتحدث عن ابنه بو الذي خدم في الجيش الأميركي، إلا أن ترمب حوّل الهجوم إلى ابنه الثاني هنتر فاتهمه بأنه طرد من الجيش بسبب إدمانه، فرد بايدن بلهجة حادة: «ابني هو كالكثير من الأشخاص الذين تعرفهم، عانى من مشكلة مع المخدرات. لكنه واجهها وتخطاها. وأنا فخور به»، وذلك في إشارة إلى شقيق ترمب الذي قضى نتيجة إدمانه على الكحول.
وقد أدت الأجواء المشحونة التي خيمت على المناظرة إلى دعوات لإلغاء المناظرتين القادمتين في الخامس عشر والثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) لكن حملة بايدن الانتخابية رفضت هذه الدعوات وقالت المتحدثة باسم الحملة كايت بيدينغفيلد: «نحن سنذهب إلى المناظرات فقد التزمنا بحضورها كلها».
ومن المستبعد أن تغير هذه المناظرات آراء الناخبين، فقد حسم أكثريتهم رأيهم بخصوص مرشحهم المفضل، بل وأدلى عدد كبير بأصواتهم في الانتخابات المبكرة التي شهدتها الولايات المختلفة، لكن التأثير الأكبر للمناظرة الأولى برز في جمع التبرعات، فقد أعلنت حملة بايدن الانتخابية أنها جمعت نحو ٤ ملايين دولار في ساعة واحدة خلال المناظرة، وقالت الحملة إن المتبرعين تهافتوا لإرسال الأموال بين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء، بعد انتهاء المناظرة.
يأتي هذا فيما بدأت مرشحة ترمب لمنصب قاضية في المحكمة العليا إيمي باريت بالاستعداد لجلسات المصادقة عليها التي ستبدأ في الثاني عشر من الشهر المقبل، الأمر الذي سيمهد للتصويت عليها في نهاية أكتوبر أي قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية. وعقدت باريت التي رافقها نائب الرئيس مايك بنس مجموعة من اللقاءات بأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، فيما رفض الكثير من الديمقراطيين لقاءها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟