المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

الدول الأعضاء تخشى عودتهم.. واستعدت بإجراءات أمنية وقوانين تجريم الانضمام إلى «داعش»

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية
TT

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

ملف سفر الشباب الأوروبي إلى مناطق الصراعات وخصوصا إلى سوريا والعراق، كان حاضرا وبقوة في أجندة اجتماعات الاتحاد الأوروبي على مستويات مختلفة خلال عام 2014، ولم يقتصر الأمر على اجتماعات وزراء الداخلية المعنيين بهذا الملف، أو وزراء الخارجية وتداعيات هذا الملف على التحرك الخارجي الأوروبي أو على مستوى وزراء المال والاقتصاد لتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية والمنظمات الناشطة في مجال تجنيد وتسفير الشباب إلى مناطق الصراعات بل أيضا في اجتماعات قادة الدول الأعضاء الذي أظهروا اهتماما ملحوظا بملف مكافحة الإرهاب، والتطورات في بؤر الصراع، وسفر الآلاف من الشبان الأوروبيين للمشاركة في تلك الصراعات، وما يشكلونه من خطر بعد عودتهم، ولكن السؤال الذي يطرح من جانب الكثير من المراقبين هنا في بروكسل عاصمة أوروبا الموحدة، هل تحرك التكتل الموحد بالشكل المطلوب للتعامل مع ملف تجنيد وتسفير الشباب الأوروبي إلى مناطق الصراعات، وفي تصريحان لـ«لشرق الأوسط» قال مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي: «الوضع على الحدود السورية وفي داخل سوريا وأيضا الوضع في العراق هو وضع غير مستقر ومحل قلق للمجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأوروبي ونناقش منذ فترة مسألة المقاتلين الأجانب الذين سافروا من أوروبا وعودتهم إلى الدول الأعضاء وما يشكله هذا الأمر من خطر أمني أنها مشكلة حقيقية لنا جميعا».
أشار تقرير الإرهاب لعام 2014 الذي أعدته وكالة تطبيق القانون الأوروبية «يوروبول»، إلى الارتفاع المتزايد لعدد مواطني دول الاتحاد الأوروبي، الذين يشتركون في القتال بسوريا، لافتا إلى زيادة التهديد الأمني المحتمل الذي سيمثله هؤلاء المقاتلون على الاتحاد الأوروبي حال عودتهم إلى بلادهم. وتفيد أرقام الداخلية البريطانية أن أكثر من 500 بريطاني يقاتلون في صفوف مجموعات مثل «داعش»، معربة عن خشيتها من التخطيط لاعتداءات فور عودتهم إلى المملكة المتحدة. وتقدر ألمانيا عدد رعاياها الذين انضموا إلى الجهاديين في العراق وسوريا بـ550، وقتل نحو 60 في المعارك أو في هجمات انتحارية وعاد 180 إلى ديارهم، بحسب برلين وبحسب المركز الدولي لدراسة العنف والتطرف السياسي فإن روسيا تحتل المرتبة الأولى من بين الدول الغربية في عدد مواطنيها الذين يقاتلون ضمن تنظيم داعش، وتليها في المرتبة الثانية فرنسا، وفي المرتبة الثالثة بريطانيا، وفي المرتبة الرابعة جاءت تركيا. فيما اعتقلت السلطات في دول عربية وآسيوية وأوروبية عشرات المتهمين بالتخطيط للانضمام إلى تنظيم «داعش»، مما يشير إلى أنه ما زال قادرا على جذب المقاتلين، وحتى النساء، من مختلف دول العالم، على رغم الجهود المختلفة لمواجهته، والتي تنوعت بين الحرب الإلكترونية والعسكرية والاقتصادية التي يشنها التحالف الدولي، بالإضافة إلى القوانين الرادعة التي أقرها بعض الدول في إطار تجريم الانتساب أو دعم أو الترويج لـ«داعش» بأي وسيلة.
من جانبها، قالت المتحدثة باسم الداخلية البريطانية في اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط»: إن «عدد البريطانيين الذين ذهبوا للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة هناك في حدود 500»، ورفضت أن تكشف عن عدد الذين عادوا من هناك. يجيء هذا وسط تنسيق أمني بين الدول الأوروبية وخطوات للتحرك المشترك في التعامل مع ملف المقاتلين في سوريا».
وتحدثت صحيفة «صنداي تايمز» عن تزايد أعداد المقاتلين الأجانب في كل من سوريا والعراق، خصوصا من البريطانيين والألمان الذين قدموا إلى المنطقة للانضمام إلى القتال بجانب تنظيم «داعش».
ونسبت الصحيفة للسلطات البريطانية القول إن «نحو 500 مسلم بريطاني غادروا المملكة المتحدة إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيم داعش، وإن عددا كبيرا منهم ينتشرون في بلدة منبج في ريف حلب بسوريا».
وأوضحت الصحيفة أن منبج التي يسيطر عليها تنظيم الدولة تعج بالمقاتلين الأجانب، خصوصا البريطانيين، لدرجة أنهم حولوا البلدة إلى ما يشبه لندن المصغرة.
ونسبت الصحيفة إلى عامل الإغاثة الدنماركي أحمد رشيدي قوله، إنه «قابل عشرات المقاتلين الأجانب في منبج». وأضافت أن «رشيدي سافر إلى سوريا بحثا عن توأمين بريطانيتين فرتا من مانشستر إلى منبج في سوريا وتزوجتا من مقاتلين بتنظيم داعش». وأضافت الصحيفة أن «رشيدي أفاد أنه يمكن سماع اللغتين الإنجليزية والألمانية طوال الوقت في منبج للدرجة التي قد يظن المرء أنه موجود في لندن أو برلين».
وقال خبراء في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط» إن «التعامل مع العائدين (من المقاتلين) تشكل أحد أهم شواغل الداخلية البريطانية»، باعتبار أن وجود قاعدة لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا هو مشكلة جديدة طرحها النزاع في سوريا وحيث جرى بحث التداعيات والمشكلات المترتبة في أكثر من اجتماع أمني بالتنسيق مع النظراء الأوروبيين، على سفر هؤلاء الذين يذهب البعض منهم للجهاد والبعض الآخر لتقديم مساعدات للجيش السوري الحر وآخرين للالتحاق بجماعة النصرة وغيرها، وهذا أمر مثير للقلق، لأنه بالتالي يتم استقطابهم للأيديولوجية التي تتبعها «القاعدة» والفكر المتطرف، وسيتعلمون صناعة القنابل والمتفجرات والطرق القتالية المختلفة وبعد عودتهم سيشكلون حالة عدم استقرار.
ومن وجهة نظر فوزية طلحاوي أول برلمانية بلجيكية من أصل مغربي، فإن مشكلة تسفير الشباب للقتال في سوريا أصبحت موضوعا أساسيا في الأجندة الأوروبية وهناك تنسيق مشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا الأمر، وتضيف في تصريحات «الشرق الأوسط» ببروكسل، أن «اجتماعات انعقدت مؤخرا بين بلجيكا وفرنسا للتنسيق والعمل المشترك هي جزء من تحرك أوروبي، تشارك فيه دول أخرى تعاني من مسألة تسفير شبان من المسلمين الأوروبيين إلى سوريا للمشاركة في العمليات القتالية، وخصوصا أن هناك مخاوف من مرحلة ما بعد عودة هؤلاء إلى أوطانهم الأوروبية وما يمكن أن يشكل ذلك من خطر على المجتمعات الأوروبية». وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال جيل دي كيرشوف المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، هناك حلول ونعمل دائما من أجل إيجاد الحلول وتطبيقها على أرض الواقع وأولها الوقاية، ونحن نعمل بشكل وثيق مع المجتمع المدني ومع مكاتب الشرطة والعائلات والمعلمين لمواجهة المخاطر والبحث عن علامات التطرف لمواجهتها مبكرا كما نعمل أيضا لمواجهة الرسائل المتشددة على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال التواصل مع تلك الشبكات وقد بدأت مؤخرا حوارا مع أكبر الشبكات متعددة الجنسيات ومنها «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب». وخصوصا بعد أن لاحظنا أن «داعش» ناشط جدا على تلك الشبكات ونحن نريد أن نمنع نشر تلك الرسائل وأيضا نعمل مع شركات الطيران للانضمام إلينا في العمل المشترك من خلال توفير الأدوات والموارد اللازمة لكي نصل إلى أقصى درجة من المنع للأشخاص الذين يرغبون في السفر للقتال مع تلك الجماعات وتوقيفهم عند الضرورة وأيضا مراقبتهم أو اعتقالهم بعد العودة من هناك، وأعتقد أن أعدادا من هؤلاء ليسوا بمجرمين ولكن هم بحاجة إلى معالجة نفسية خاصة وتعامل مختلف ويجري ذلك بالتزامن مع رصد كل التهديدات ونعمل بجدية كبيرة للتعامل مع كل هذه الأمور، وأضاف أن «البعض من الناس قد يرى أن الأمور لا تسير على ما يرام وخصوصا في أعقاب حادث إطلاق الرصاص في المتحف اليهودي ببروكسل في 24 مايو (أيار) الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص ومشتبه في الحادث شخص مسلم، فرنسي الجنسية عائد من سوريا»، ويسمى مهدي نيموشي والبعض الآخر يرى ما نقوم به من توقيف واعتقال لأشخاص متورطين في الإرهاب ومنها ما حدث في بريطانيا وإسبانيا وأيضا في بلجيكا وفرنسا وأيضا إعطاء أهمية كبيرة لمواجهة الأمر على الإنترنت وهي مسألة غاية في الأهمية، إذن هناك نظام للعمل يسير بشكل جيد ولكن لم يصل إلى درجة 100 في المائة لأنه ما زال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد. وعلى مدى العقدين الأخيرين، انطلقت تحذيرات من عدة عواصم أوروبية من سفر الشباب من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى مناطق الصراعات في الخارج للمشاركة في العمليات القتالية تأثرا بالفكر المتشدد الذي يدعو إلى الجهاد المسلح وكان التركيز في ذلك الوقت على السفر إلى أفغانستان والصومال وباكستان والشيشان وبعد ذلك اليمن ثم أخيرا سوريا والعراق.. وفي ظل تزايد في أعداد الراغبين في السفر للقتال في الخارج تضمنت التقارير الأمنية التي طرحتها أجهزة الاستخبارات أمام المؤسسات التشريعية في عدة دول أوروبية ومنها بلجيكا وهولندا على سبيل المثال، تحذيرات من تنامي الفكر المتشدد وتأثيراته على الشباب صغار السن ودفعهم للسفر إلى الخارج تحت راية الجهاد، للمشاركة في أعمال قتالية، وأثبتت التحقيقات التي أجريت مع جماعات متشددة في هولندا وبلجيكا مثلا خلال العقد الماضي أن عناصر من صغار السن سبق ضبطها على الحدود الصومالية والشيشانية ودول أخرى وجرى إعادتها إلى أوروبا من حيث أتت.
وهناك حكومات اتخذت إجراءات وصفت بالبطيئة نوعا ما لمواجهة الأمر، وهناك عواصم أخرى لم تتحرك بل إن البعض منها اعترف بأنه تساهل في هذا الأمر لدرجة أنه كان يشجع على سفرهم إلى الخارج، وقال رئيس قسم مكافحة الإرهاب بولاية بافاريا الألمانية إن «أجهزة الأمن في ألمانيا شجعت الإسلاميين المتشددين على مدى سنوات ماضية على مغادرة البلاد للمشاركة في الأعمال القتالية في سوريا وأفغانستان». وقال لودفيج شيرجهوفر في تصريح لقناة «في دي آر» الألمانية إن «السلطات الأمنية اتخذت هذا الإجراء لحماية شعبنا». وأوضح شيرجهوفر أن الفكرة كانت تقوم على أساس إخراج الأشخاص الذين كانوا يمثلون خطرا على ألمانيا من ناحية احتمال تنفيذهم هجمات.
وأضاف المسؤول الألماني: «عندما يتبنى شخص أفكارا أصولية ويريد مغادرة ألمانيا كنا نسعى إلى تسهيل مغادرته أو نعجل بذلك من خلال الإجراءات الخاصة بقانون الأجانب». واستند شيرجهوفر في ذلك إلى وثيقة سرية لوزارة الداخلية الألمانية عام 2009 تنظم دخول وخروج الإسلاميين المستعدين لارتكاب أعمال العنف، وقال: إن «هذه الوثيقة جعلت من الممكن السماح لأفراد هذه المجموعات بمغادرة ألمانيا أو منعهم من المغادرة». وأوضح شيرجهوفر لوكالة الأنباء الألمانية «من أجل حماية أبناء شعبنا كان يجري السماح للأشخاص الذين يشكلون خطورة بشن هجمات إرهابية بالمغادرة السريعة وفق هذه الوثيقة». غير أن ايرنه ميهاليتش من حزب الخضر المعارض قالت: «هذا الأمر يعادل تصدير الإرهاب». وعلى الرغم من أن ألمانيا لم تشهد وقوع تفجيرات إسلامية أو غير ذلك من الهجمات، فإن عشرات من شبابها المتطرف من ذوي الأصول العربية والتركية قتلوا خلال العمل مع تنظيمي القاعدة وداعش. وبالنسبة لبلجيكا التي شهدت قبل أيام انتهاء جلسات الاستماع في قضية تسفير شباب إلى سوريا والعراق للقتال هناك، سيصدر الحكم فيها منتصف يناير (كانون الثاني) 2015، وتتضمن لائحة المتهمين 46 شخصا يحاكم منهم 37 شخصا غيابيا لوجودهم في مناطق الصراعات. ويعتبر ملف تسفير الشباب من الموضوعات التي تثير القلق والجدل في البلاد منذ فترة واتخذت الحكومة عدة خطوات في إطار مواجهة الفكر المتشدد ومنع تسفير المزيد من الشباب إلى الخارج. ويقول ديديه رايندرس وزير خارجية بلجيكا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اتخذنا خطوات كثيرة في هذا الصدد ولكن علينا أن نقوم بالمزيد وخصوصا فيما يتعلق بالتعاون مع دول أخرى في مجال تبادل المعلومات الأمنية وأيضا تبادل طرق التعامل مع نشر الفكر المتشدد وهذه مهمة غاية الصعوبة وهذه المهمة لن تتحقق في غضون شهور أو أعوام قليلة وإنما للأجيال القادمة ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين هنا، تحولت بلجيكا إلى خزان لتفريخ الجهاديين، هذا البلد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة، سافر منه إلى سوريا والعراق للمشاركة في القتال هناك ما يزيد على 350 شابا ويعتبر هو العدد الأكبر أوروبيا مقارنة بعدد السكان وتفوقت بذلك على دول أخرى كبرى مثل فرنسا التي سافر منها 900 مقاتل ولكن عدد سكانها يفوق 64 مليون نسمة أي ما يزيد على 5 أضعاف سكان بلجيكا بينما عدد المقاتلين يشكل مرتين ونصف العدد الذي سافر من بلجيكا، بينما سافر من بريطانيا 550 مقاتلا وعدد السكان يفوق 63 مليون نسمة ومن ألمانيا سافر ما يقرب من 400 شخص من بلد يضم ما يزيد على 80 مليون نسمة.
ويري بعض المراقبين أنه بالنسبة لبلجيكا بدا هذا الملف يحتل عنوانا رئيسيا في الكثير من المؤتمرات والندوات وأيضا تصريحات المسؤولين الحكوميين وغيرهم بل وداخل المحاكم البلجيكية في قضية ينظر فيها القضاء من نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي وتضم لائحة المتهمين 46 شخصا في ملف يتعلق بتجنيد وتسفير الشباب إلى سوريا والعراق ومعظمهم على صلة بجماعة تعرف باسم «الشريعة في بلجيكا» وكان باحث جامعي في بلجيكا سافر إلى سوريا والتقى بعدد من المقاتلين البلجيكيين وحاول أن يعرف الأسباب وراء هذه المخاطرة، وقال الباحث الجامعي منتصر الدعمه المقيم في بروكسل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يرى أن هناك عدة جهات تتحمل المسؤولية في اختيار هؤلاء الشبان للطريق الخطأ - من وجهة نظره» - وأشار إلى الحكومة والأئمة وأولياء الأمور وقال: «ذهبت إلى سوريا والتقيت مع الشبان البلجيكيين وتحدثت معهم وقالوا لي أنهم غير مرتاحين في بلجيكا لأسباب عدة منها، أنهم يتعرضون لمضايقات في المدارس بسبب الأصل والعرق، ويعانون من التمييز العنصري ومشكلات اجتماعية أخرى، تعزلهم عن المجتمع»، ويضيف الباحث الجامعي بالقول: «في نفس الوقت يشاهدون ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث ويصلون إلى نتيجة مفادها أن المعاناة في كل مكان وبالتالي وفي لحظة الغضب وفي أوقات الفراغ، يتأثرون بالفكر المتشدد ويختارون الاختيار الخطأ، ويسافرون إلى أماكن الصراع سواء في اليمن أو العراق أو سوريا». وخلال الشهور الماضية كان ملف تجنيد وتسفير الشباب للقتال في الخارج، مصدرا للقلق المتزايد في دول التكتل الأوروبي وخصوصا أنه قبل عام كانت الأرقام الأوروبية تشير إلى وجود 600 شخص أوروبي يشاركون في العلميات القتالية في سوريا وحاليا يتحدث المنسق الأوروبي المكلف بشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف عن وجود ما يقرب من 3 آلاف شخص يقاتلون في سوريا والعراق.
وعلى هامش اجتماعات وزارية أوروبية في لوكسمبورغ قال دي كيرشوف: «علينا أن نستعد لعودة عدد كبير من المقاتلين الأجانب إلى أوروبا من سوريا والعراق، تأثرا بالقصف الجوي لطائرات التحالف الدولي ضد عناصر (داعش)» وأكد شركاء التحالف الدولي التزامهم بالعمل معا في إطار استراتيجية مشتركة ومتعددة الأوجه وطويلة الأجل لهزيمة «داعش»، وشددوا على ضرورة أن تتركز جهود التحالف الدولي على عدة أوجه وهي دعم العمليات العسكرية وبناء القدرات والتدريب، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب، وقطع وصول التمويل عن «داعش»، ومعالجة الإغاثة الإنسانية المرتبطة بالأزمة، وكشف الطبيعة الحقيقية لتنظيم داعش وشهدت بروكسل في مطلع ديسمبر (كانون الأول) اجتماعا هو الأول من نوعه على المستوى الوزاري للدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش»، واتفق المشاركون في اجتماع بروكسل الذي انعقد داخل مقر الناتو، على استمرار الجهود من خلال المساهمات وفقا للقدرات والأولويات والقرارات الوطنية وأثنى البيان الختامي على الدور القيادي الذي اتخذه شركاء للتحالف ومنها الكويت التي استضافت مؤتمرا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول مكافحة «داعش» والبحرين التي استضافت بشأن مكافحة تمويل الإرهاب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والمغرب التي استضافت منتصف ديسمبر القادم الاجتماع الأول لفريق العمل المكلف ببحث ملف المقاتلين الأجانب في إطار المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب.
وأشار البيان إلى، أن الحملة العالمية لمكافحة «داعش» بدأت تؤتي ثمارها، وجرى وقف زحف «داعش» عبر سوريا وإلى العراق، كما أن القوات العراقية وقوات حكومة إقليم كردستان وبدعم من الضربات الجوية للتحالف أخذت تستعيد أراضي في العراق. وأكدوا على أن الحملة ضد «داعش» سوف تستغرق وقتا طويلا وتتطلب استجابة مستدامة وموحدة ومنسقة. وأكد المشاركون على الالتزام الطويل في هذا الجهد كما أكدوا الالتزام الراسخ بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 2170 و2178 وخصوصا المتعلقة بمكافحة تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين ووقف تمويل «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى، وفضح الفكر العنيف الذي تتبناه «داعش» في جميع أنحاء العالم. وأشار البيان إلى أن المنظمات الإقليمية يمكن أن تلعب دورا مهما في دعم تنفيذ تلك الأهداف. وأشاد البيان الختامي بقرار الجامعة العربية في 7 سبتمبر الماضي، وبيان جدة بالمملكة العربية السعودية 11 سبتمبر الماضي، وبيان باريس في منتصف الشهر نفسه، وأكد الجميع على ضرورة استمرار الدعم الدولي للعراق بناء على طلب من الحكومة العراقية للأمم المتحدة لمواجهة داعش، وكذلك المساعدات الثنائية للعراق في مجال تقديم المعدات والتدريبات لمساعدتها على حربها ضد «داعش». وأشاروا إلى الانزعاج الشديد للانتهاكات الممنهجة واسعة النطاق لحقوق الإنسان التي ترتكب من طرف عناصر «داعش» ومنها جرائم ضد الأقليات الدينية والعرقية والفئات الضعيفة، ولاحظ الجميع استخدام «داعش» للعنف الجنسي والقائم على نوع الجنس. وأخيرا قرر المشاركون مواصلة التنسيق ورصد التقدم وتوحيد الجهود من خلال المشاورات السياسية والتنسيق في السياسات والاستراتيجيات وستنعقد اجتماعات وزارية أو على مستوى أقل على فترات لا تتجاوز 6 أشهر.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».