المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

الدول الأعضاء تخشى عودتهم.. واستعدت بإجراءات أمنية وقوانين تجريم الانضمام إلى «داعش»

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية
TT

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

المقاتلون الأجانب.. الملف الرئيسي في أجندة الاجتماعات الأوروبية

ملف سفر الشباب الأوروبي إلى مناطق الصراعات وخصوصا إلى سوريا والعراق، كان حاضرا وبقوة في أجندة اجتماعات الاتحاد الأوروبي على مستويات مختلفة خلال عام 2014، ولم يقتصر الأمر على اجتماعات وزراء الداخلية المعنيين بهذا الملف، أو وزراء الخارجية وتداعيات هذا الملف على التحرك الخارجي الأوروبي أو على مستوى وزراء المال والاقتصاد لتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية والمنظمات الناشطة في مجال تجنيد وتسفير الشباب إلى مناطق الصراعات بل أيضا في اجتماعات قادة الدول الأعضاء الذي أظهروا اهتماما ملحوظا بملف مكافحة الإرهاب، والتطورات في بؤر الصراع، وسفر الآلاف من الشبان الأوروبيين للمشاركة في تلك الصراعات، وما يشكلونه من خطر بعد عودتهم، ولكن السؤال الذي يطرح من جانب الكثير من المراقبين هنا في بروكسل عاصمة أوروبا الموحدة، هل تحرك التكتل الموحد بالشكل المطلوب للتعامل مع ملف تجنيد وتسفير الشباب الأوروبي إلى مناطق الصراعات، وفي تصريحان لـ«لشرق الأوسط» قال مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي: «الوضع على الحدود السورية وفي داخل سوريا وأيضا الوضع في العراق هو وضع غير مستقر ومحل قلق للمجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأوروبي ونناقش منذ فترة مسألة المقاتلين الأجانب الذين سافروا من أوروبا وعودتهم إلى الدول الأعضاء وما يشكله هذا الأمر من خطر أمني أنها مشكلة حقيقية لنا جميعا».
أشار تقرير الإرهاب لعام 2014 الذي أعدته وكالة تطبيق القانون الأوروبية «يوروبول»، إلى الارتفاع المتزايد لعدد مواطني دول الاتحاد الأوروبي، الذين يشتركون في القتال بسوريا، لافتا إلى زيادة التهديد الأمني المحتمل الذي سيمثله هؤلاء المقاتلون على الاتحاد الأوروبي حال عودتهم إلى بلادهم. وتفيد أرقام الداخلية البريطانية أن أكثر من 500 بريطاني يقاتلون في صفوف مجموعات مثل «داعش»، معربة عن خشيتها من التخطيط لاعتداءات فور عودتهم إلى المملكة المتحدة. وتقدر ألمانيا عدد رعاياها الذين انضموا إلى الجهاديين في العراق وسوريا بـ550، وقتل نحو 60 في المعارك أو في هجمات انتحارية وعاد 180 إلى ديارهم، بحسب برلين وبحسب المركز الدولي لدراسة العنف والتطرف السياسي فإن روسيا تحتل المرتبة الأولى من بين الدول الغربية في عدد مواطنيها الذين يقاتلون ضمن تنظيم داعش، وتليها في المرتبة الثانية فرنسا، وفي المرتبة الثالثة بريطانيا، وفي المرتبة الرابعة جاءت تركيا. فيما اعتقلت السلطات في دول عربية وآسيوية وأوروبية عشرات المتهمين بالتخطيط للانضمام إلى تنظيم «داعش»، مما يشير إلى أنه ما زال قادرا على جذب المقاتلين، وحتى النساء، من مختلف دول العالم، على رغم الجهود المختلفة لمواجهته، والتي تنوعت بين الحرب الإلكترونية والعسكرية والاقتصادية التي يشنها التحالف الدولي، بالإضافة إلى القوانين الرادعة التي أقرها بعض الدول في إطار تجريم الانتساب أو دعم أو الترويج لـ«داعش» بأي وسيلة.
من جانبها، قالت المتحدثة باسم الداخلية البريطانية في اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط»: إن «عدد البريطانيين الذين ذهبوا للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة هناك في حدود 500»، ورفضت أن تكشف عن عدد الذين عادوا من هناك. يجيء هذا وسط تنسيق أمني بين الدول الأوروبية وخطوات للتحرك المشترك في التعامل مع ملف المقاتلين في سوريا».
وتحدثت صحيفة «صنداي تايمز» عن تزايد أعداد المقاتلين الأجانب في كل من سوريا والعراق، خصوصا من البريطانيين والألمان الذين قدموا إلى المنطقة للانضمام إلى القتال بجانب تنظيم «داعش».
ونسبت الصحيفة للسلطات البريطانية القول إن «نحو 500 مسلم بريطاني غادروا المملكة المتحدة إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيم داعش، وإن عددا كبيرا منهم ينتشرون في بلدة منبج في ريف حلب بسوريا».
وأوضحت الصحيفة أن منبج التي يسيطر عليها تنظيم الدولة تعج بالمقاتلين الأجانب، خصوصا البريطانيين، لدرجة أنهم حولوا البلدة إلى ما يشبه لندن المصغرة.
ونسبت الصحيفة إلى عامل الإغاثة الدنماركي أحمد رشيدي قوله، إنه «قابل عشرات المقاتلين الأجانب في منبج». وأضافت أن «رشيدي سافر إلى سوريا بحثا عن توأمين بريطانيتين فرتا من مانشستر إلى منبج في سوريا وتزوجتا من مقاتلين بتنظيم داعش». وأضافت الصحيفة أن «رشيدي أفاد أنه يمكن سماع اللغتين الإنجليزية والألمانية طوال الوقت في منبج للدرجة التي قد يظن المرء أنه موجود في لندن أو برلين».
وقال خبراء في مكافحة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط» إن «التعامل مع العائدين (من المقاتلين) تشكل أحد أهم شواغل الداخلية البريطانية»، باعتبار أن وجود قاعدة لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا هو مشكلة جديدة طرحها النزاع في سوريا وحيث جرى بحث التداعيات والمشكلات المترتبة في أكثر من اجتماع أمني بالتنسيق مع النظراء الأوروبيين، على سفر هؤلاء الذين يذهب البعض منهم للجهاد والبعض الآخر لتقديم مساعدات للجيش السوري الحر وآخرين للالتحاق بجماعة النصرة وغيرها، وهذا أمر مثير للقلق، لأنه بالتالي يتم استقطابهم للأيديولوجية التي تتبعها «القاعدة» والفكر المتطرف، وسيتعلمون صناعة القنابل والمتفجرات والطرق القتالية المختلفة وبعد عودتهم سيشكلون حالة عدم استقرار.
ومن وجهة نظر فوزية طلحاوي أول برلمانية بلجيكية من أصل مغربي، فإن مشكلة تسفير الشباب للقتال في سوريا أصبحت موضوعا أساسيا في الأجندة الأوروبية وهناك تنسيق مشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا الأمر، وتضيف في تصريحات «الشرق الأوسط» ببروكسل، أن «اجتماعات انعقدت مؤخرا بين بلجيكا وفرنسا للتنسيق والعمل المشترك هي جزء من تحرك أوروبي، تشارك فيه دول أخرى تعاني من مسألة تسفير شبان من المسلمين الأوروبيين إلى سوريا للمشاركة في العمليات القتالية، وخصوصا أن هناك مخاوف من مرحلة ما بعد عودة هؤلاء إلى أوطانهم الأوروبية وما يمكن أن يشكل ذلك من خطر على المجتمعات الأوروبية». وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال جيل دي كيرشوف المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، هناك حلول ونعمل دائما من أجل إيجاد الحلول وتطبيقها على أرض الواقع وأولها الوقاية، ونحن نعمل بشكل وثيق مع المجتمع المدني ومع مكاتب الشرطة والعائلات والمعلمين لمواجهة المخاطر والبحث عن علامات التطرف لمواجهتها مبكرا كما نعمل أيضا لمواجهة الرسائل المتشددة على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال التواصل مع تلك الشبكات وقد بدأت مؤخرا حوارا مع أكبر الشبكات متعددة الجنسيات ومنها «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب». وخصوصا بعد أن لاحظنا أن «داعش» ناشط جدا على تلك الشبكات ونحن نريد أن نمنع نشر تلك الرسائل وأيضا نعمل مع شركات الطيران للانضمام إلينا في العمل المشترك من خلال توفير الأدوات والموارد اللازمة لكي نصل إلى أقصى درجة من المنع للأشخاص الذين يرغبون في السفر للقتال مع تلك الجماعات وتوقيفهم عند الضرورة وأيضا مراقبتهم أو اعتقالهم بعد العودة من هناك، وأعتقد أن أعدادا من هؤلاء ليسوا بمجرمين ولكن هم بحاجة إلى معالجة نفسية خاصة وتعامل مختلف ويجري ذلك بالتزامن مع رصد كل التهديدات ونعمل بجدية كبيرة للتعامل مع كل هذه الأمور، وأضاف أن «البعض من الناس قد يرى أن الأمور لا تسير على ما يرام وخصوصا في أعقاب حادث إطلاق الرصاص في المتحف اليهودي ببروكسل في 24 مايو (أيار) الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص ومشتبه في الحادث شخص مسلم، فرنسي الجنسية عائد من سوريا»، ويسمى مهدي نيموشي والبعض الآخر يرى ما نقوم به من توقيف واعتقال لأشخاص متورطين في الإرهاب ومنها ما حدث في بريطانيا وإسبانيا وأيضا في بلجيكا وفرنسا وأيضا إعطاء أهمية كبيرة لمواجهة الأمر على الإنترنت وهي مسألة غاية في الأهمية، إذن هناك نظام للعمل يسير بشكل جيد ولكن لم يصل إلى درجة 100 في المائة لأنه ما زال هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد. وعلى مدى العقدين الأخيرين، انطلقت تحذيرات من عدة عواصم أوروبية من سفر الشباب من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى مناطق الصراعات في الخارج للمشاركة في العمليات القتالية تأثرا بالفكر المتشدد الذي يدعو إلى الجهاد المسلح وكان التركيز في ذلك الوقت على السفر إلى أفغانستان والصومال وباكستان والشيشان وبعد ذلك اليمن ثم أخيرا سوريا والعراق.. وفي ظل تزايد في أعداد الراغبين في السفر للقتال في الخارج تضمنت التقارير الأمنية التي طرحتها أجهزة الاستخبارات أمام المؤسسات التشريعية في عدة دول أوروبية ومنها بلجيكا وهولندا على سبيل المثال، تحذيرات من تنامي الفكر المتشدد وتأثيراته على الشباب صغار السن ودفعهم للسفر إلى الخارج تحت راية الجهاد، للمشاركة في أعمال قتالية، وأثبتت التحقيقات التي أجريت مع جماعات متشددة في هولندا وبلجيكا مثلا خلال العقد الماضي أن عناصر من صغار السن سبق ضبطها على الحدود الصومالية والشيشانية ودول أخرى وجرى إعادتها إلى أوروبا من حيث أتت.
وهناك حكومات اتخذت إجراءات وصفت بالبطيئة نوعا ما لمواجهة الأمر، وهناك عواصم أخرى لم تتحرك بل إن البعض منها اعترف بأنه تساهل في هذا الأمر لدرجة أنه كان يشجع على سفرهم إلى الخارج، وقال رئيس قسم مكافحة الإرهاب بولاية بافاريا الألمانية إن «أجهزة الأمن في ألمانيا شجعت الإسلاميين المتشددين على مدى سنوات ماضية على مغادرة البلاد للمشاركة في الأعمال القتالية في سوريا وأفغانستان». وقال لودفيج شيرجهوفر في تصريح لقناة «في دي آر» الألمانية إن «السلطات الأمنية اتخذت هذا الإجراء لحماية شعبنا». وأوضح شيرجهوفر أن الفكرة كانت تقوم على أساس إخراج الأشخاص الذين كانوا يمثلون خطرا على ألمانيا من ناحية احتمال تنفيذهم هجمات.
وأضاف المسؤول الألماني: «عندما يتبنى شخص أفكارا أصولية ويريد مغادرة ألمانيا كنا نسعى إلى تسهيل مغادرته أو نعجل بذلك من خلال الإجراءات الخاصة بقانون الأجانب». واستند شيرجهوفر في ذلك إلى وثيقة سرية لوزارة الداخلية الألمانية عام 2009 تنظم دخول وخروج الإسلاميين المستعدين لارتكاب أعمال العنف، وقال: إن «هذه الوثيقة جعلت من الممكن السماح لأفراد هذه المجموعات بمغادرة ألمانيا أو منعهم من المغادرة». وأوضح شيرجهوفر لوكالة الأنباء الألمانية «من أجل حماية أبناء شعبنا كان يجري السماح للأشخاص الذين يشكلون خطورة بشن هجمات إرهابية بالمغادرة السريعة وفق هذه الوثيقة». غير أن ايرنه ميهاليتش من حزب الخضر المعارض قالت: «هذا الأمر يعادل تصدير الإرهاب». وعلى الرغم من أن ألمانيا لم تشهد وقوع تفجيرات إسلامية أو غير ذلك من الهجمات، فإن عشرات من شبابها المتطرف من ذوي الأصول العربية والتركية قتلوا خلال العمل مع تنظيمي القاعدة وداعش. وبالنسبة لبلجيكا التي شهدت قبل أيام انتهاء جلسات الاستماع في قضية تسفير شباب إلى سوريا والعراق للقتال هناك، سيصدر الحكم فيها منتصف يناير (كانون الثاني) 2015، وتتضمن لائحة المتهمين 46 شخصا يحاكم منهم 37 شخصا غيابيا لوجودهم في مناطق الصراعات. ويعتبر ملف تسفير الشباب من الموضوعات التي تثير القلق والجدل في البلاد منذ فترة واتخذت الحكومة عدة خطوات في إطار مواجهة الفكر المتشدد ومنع تسفير المزيد من الشباب إلى الخارج. ويقول ديديه رايندرس وزير خارجية بلجيكا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اتخذنا خطوات كثيرة في هذا الصدد ولكن علينا أن نقوم بالمزيد وخصوصا فيما يتعلق بالتعاون مع دول أخرى في مجال تبادل المعلومات الأمنية وأيضا تبادل طرق التعامل مع نشر الفكر المتشدد وهذه مهمة غاية الصعوبة وهذه المهمة لن تتحقق في غضون شهور أو أعوام قليلة وإنما للأجيال القادمة ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين هنا، تحولت بلجيكا إلى خزان لتفريخ الجهاديين، هذا البلد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة، سافر منه إلى سوريا والعراق للمشاركة في القتال هناك ما يزيد على 350 شابا ويعتبر هو العدد الأكبر أوروبيا مقارنة بعدد السكان وتفوقت بذلك على دول أخرى كبرى مثل فرنسا التي سافر منها 900 مقاتل ولكن عدد سكانها يفوق 64 مليون نسمة أي ما يزيد على 5 أضعاف سكان بلجيكا بينما عدد المقاتلين يشكل مرتين ونصف العدد الذي سافر من بلجيكا، بينما سافر من بريطانيا 550 مقاتلا وعدد السكان يفوق 63 مليون نسمة ومن ألمانيا سافر ما يقرب من 400 شخص من بلد يضم ما يزيد على 80 مليون نسمة.
ويري بعض المراقبين أنه بالنسبة لبلجيكا بدا هذا الملف يحتل عنوانا رئيسيا في الكثير من المؤتمرات والندوات وأيضا تصريحات المسؤولين الحكوميين وغيرهم بل وداخل المحاكم البلجيكية في قضية ينظر فيها القضاء من نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي وتضم لائحة المتهمين 46 شخصا في ملف يتعلق بتجنيد وتسفير الشباب إلى سوريا والعراق ومعظمهم على صلة بجماعة تعرف باسم «الشريعة في بلجيكا» وكان باحث جامعي في بلجيكا سافر إلى سوريا والتقى بعدد من المقاتلين البلجيكيين وحاول أن يعرف الأسباب وراء هذه المخاطرة، وقال الباحث الجامعي منتصر الدعمه المقيم في بروكسل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يرى أن هناك عدة جهات تتحمل المسؤولية في اختيار هؤلاء الشبان للطريق الخطأ - من وجهة نظره» - وأشار إلى الحكومة والأئمة وأولياء الأمور وقال: «ذهبت إلى سوريا والتقيت مع الشبان البلجيكيين وتحدثت معهم وقالوا لي أنهم غير مرتاحين في بلجيكا لأسباب عدة منها، أنهم يتعرضون لمضايقات في المدارس بسبب الأصل والعرق، ويعانون من التمييز العنصري ومشكلات اجتماعية أخرى، تعزلهم عن المجتمع»، ويضيف الباحث الجامعي بالقول: «في نفس الوقت يشاهدون ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث ويصلون إلى نتيجة مفادها أن المعاناة في كل مكان وبالتالي وفي لحظة الغضب وفي أوقات الفراغ، يتأثرون بالفكر المتشدد ويختارون الاختيار الخطأ، ويسافرون إلى أماكن الصراع سواء في اليمن أو العراق أو سوريا». وخلال الشهور الماضية كان ملف تجنيد وتسفير الشباب للقتال في الخارج، مصدرا للقلق المتزايد في دول التكتل الأوروبي وخصوصا أنه قبل عام كانت الأرقام الأوروبية تشير إلى وجود 600 شخص أوروبي يشاركون في العلميات القتالية في سوريا وحاليا يتحدث المنسق الأوروبي المكلف بشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف عن وجود ما يقرب من 3 آلاف شخص يقاتلون في سوريا والعراق.
وعلى هامش اجتماعات وزارية أوروبية في لوكسمبورغ قال دي كيرشوف: «علينا أن نستعد لعودة عدد كبير من المقاتلين الأجانب إلى أوروبا من سوريا والعراق، تأثرا بالقصف الجوي لطائرات التحالف الدولي ضد عناصر (داعش)» وأكد شركاء التحالف الدولي التزامهم بالعمل معا في إطار استراتيجية مشتركة ومتعددة الأوجه وطويلة الأجل لهزيمة «داعش»، وشددوا على ضرورة أن تتركز جهود التحالف الدولي على عدة أوجه وهي دعم العمليات العسكرية وبناء القدرات والتدريب، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب، وقطع وصول التمويل عن «داعش»، ومعالجة الإغاثة الإنسانية المرتبطة بالأزمة، وكشف الطبيعة الحقيقية لتنظيم داعش وشهدت بروكسل في مطلع ديسمبر (كانون الأول) اجتماعا هو الأول من نوعه على المستوى الوزاري للدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش»، واتفق المشاركون في اجتماع بروكسل الذي انعقد داخل مقر الناتو، على استمرار الجهود من خلال المساهمات وفقا للقدرات والأولويات والقرارات الوطنية وأثنى البيان الختامي على الدور القيادي الذي اتخذه شركاء للتحالف ومنها الكويت التي استضافت مؤتمرا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول مكافحة «داعش» والبحرين التي استضافت بشأن مكافحة تمويل الإرهاب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والمغرب التي استضافت منتصف ديسمبر القادم الاجتماع الأول لفريق العمل المكلف ببحث ملف المقاتلين الأجانب في إطار المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب.
وأشار البيان إلى، أن الحملة العالمية لمكافحة «داعش» بدأت تؤتي ثمارها، وجرى وقف زحف «داعش» عبر سوريا وإلى العراق، كما أن القوات العراقية وقوات حكومة إقليم كردستان وبدعم من الضربات الجوية للتحالف أخذت تستعيد أراضي في العراق. وأكدوا على أن الحملة ضد «داعش» سوف تستغرق وقتا طويلا وتتطلب استجابة مستدامة وموحدة ومنسقة. وأكد المشاركون على الالتزام الطويل في هذا الجهد كما أكدوا الالتزام الراسخ بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 2170 و2178 وخصوصا المتعلقة بمكافحة تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين ووقف تمويل «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى، وفضح الفكر العنيف الذي تتبناه «داعش» في جميع أنحاء العالم. وأشار البيان إلى أن المنظمات الإقليمية يمكن أن تلعب دورا مهما في دعم تنفيذ تلك الأهداف. وأشاد البيان الختامي بقرار الجامعة العربية في 7 سبتمبر الماضي، وبيان جدة بالمملكة العربية السعودية 11 سبتمبر الماضي، وبيان باريس في منتصف الشهر نفسه، وأكد الجميع على ضرورة استمرار الدعم الدولي للعراق بناء على طلب من الحكومة العراقية للأمم المتحدة لمواجهة داعش، وكذلك المساعدات الثنائية للعراق في مجال تقديم المعدات والتدريبات لمساعدتها على حربها ضد «داعش». وأشاروا إلى الانزعاج الشديد للانتهاكات الممنهجة واسعة النطاق لحقوق الإنسان التي ترتكب من طرف عناصر «داعش» ومنها جرائم ضد الأقليات الدينية والعرقية والفئات الضعيفة، ولاحظ الجميع استخدام «داعش» للعنف الجنسي والقائم على نوع الجنس. وأخيرا قرر المشاركون مواصلة التنسيق ورصد التقدم وتوحيد الجهود من خلال المشاورات السياسية والتنسيق في السياسات والاستراتيجيات وستنعقد اجتماعات وزارية أو على مستوى أقل على فترات لا تتجاوز 6 أشهر.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».