«الاغتراب» وعجز المثقفين من «القاهرة الجديدة» إلى «ثرثرة فوق النيل»

منى بركات تتناول أبعاده وانعكاساته في أعمال محفوظ

لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية «ثرثرة فوق النيل» من أكثر روايات محفوظ التي تعكس سلبية المثقفين وتشرنقهم حول أنفسهم
لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية «ثرثرة فوق النيل» من أكثر روايات محفوظ التي تعكس سلبية المثقفين وتشرنقهم حول أنفسهم
TT

«الاغتراب» وعجز المثقفين من «القاهرة الجديدة» إلى «ثرثرة فوق النيل»

لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية «ثرثرة فوق النيل» من أكثر روايات محفوظ التي تعكس سلبية المثقفين وتشرنقهم حول أنفسهم
لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية «ثرثرة فوق النيل» من أكثر روايات محفوظ التي تعكس سلبية المثقفين وتشرنقهم حول أنفسهم

دراسة جديدة تقوم بها الباحثة د. منى بركات عن عالم صاحب نوبل حملت عنوان «الاغتراب في أدب نجيب محفوظ - دراسة سوسيولوجية» وصدرت في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
اعتمدت الدراسة على عدد من أبرز أعمال محفوظ التي تبرز - بحسب الكاتبة - مفهوم الاغتراب لديه وتنتمي إلى مراحل زمنية مختلفة مثل رواية «كفاح طيبة»، التي كتبها محفوظ في الثلاثينات من القرن الماضي، و«القاهرة الجديدة» التي تعد باكورة الروايات التي بشرت بميلاد بطل ثوري في الرواية المصرية، وكذلك «اللص والكلاب» كنموذج على التمرد الفردي و«ثرثرة فوق النيل» كمثال على اغتراب المثقفين، و«المرايا» كنموذج على ظاهرة «التشيؤ» التي تعكس فقدان الإنسان العربي مقومات شخصيته الأصيلة.
مصطلحا الاغتراب والغربة
ترجع المؤلفة لتحديد المعنى اللغوي لكلمة الاغتراب والغربة إلى معاجم اللغة العربية والغربية، والتمييز بينها وبين الغربة. الغربة يقصد بها الغربة المكانية، أي الابتعاد عن الوطن، أو الغربة الاجتماعية، أي الانفصال عن الآخرين أو كلا المعنيين معاً. أما دائرة المعارف البريطانية فتحمل كلمة الاغتراب لديها عدة معان منها «الضعف والوهن»، أي إحساس الفرد بأن مصيره محكوم بعدة عوامل خارجية مثل القدر والحظ والمؤسسات الرسمية، كما تعني كذلك «الخلو من المعنى»، أي الافتقار إلى المنطق فيما يجري في الحياة من أحداث وعدم وجود قواعد ثابتة تحكم السلوك البشري، أو تعني «العزلة الثقافية»، وقد يأتي «الاغتراب»، بمعنى العزلة الذاتية التي تشير إلى عدم اتساق الفرد مع ذاته.
ومن بين التعريفات الفلسفية للاغتراب تتوقف المؤلفة عند الفيلسوف الألماني «هيغل»، الذي يعرفه بأنه «حالة اللا قدرة أو العجز التي يعانيها الإنسان عندما يفقد سيطرته على منتجاته وممتلكاته فتوظف لصالح غيره».
وتذهب الكاتبة إلى أن هذه المفاهيم المتعددة للاغتراب تتجسد في رواية «القاهرة 30» حيث يتجلى حال السواد الأعظم للشعب في مواجهة النخبة المهيمنة الفاسدة المرتبطة بالاحتلال البريطاني الجاثم على صدر البلاد آنذاك، وهدر كرامة أبنائها ودفعهم إلى السقوط والانحلال في سبيل التخلص من الفقر والبؤس. وهنا يظهر نموذج «محجوب عبد الدايم»، الذي يتمنى أن يصبح عظيماً ولو بارتكاب جريمة تؤدي به إلى حبل المشنقة، لقد عاش هذا الشخص المعدم صراعاً رهيباً وسط علاقات اجتماعية تعتبر الانحرافات الأخلاقية بكل أشكالها الشخصية والسياسية والفكرية سلماً طبيعياً للنجاح حتى أصبح يؤمن بأنه أحمق من يضيع على نفسه لذة لأي وهم من الأوهام التي ابتدعتها الإنسانية. وهكذا انحرف «محجوب» وتحول من مجرد باحث عن رغيف الخبز إلى التطلع لأعلى، لكن انحراف «عبد الدايم» لا يحمل فقط الإدانة لطبقته الفقيرة المسحوقة في المجتمع، وإنما يحمل أيضاً الإدانة للحكومة وأعوانها الذين عاثوا في الأرض فساداً فحاصروا طموحات المواطن البسيط وضيعوا آماله. ويؤكد محفوظ أن الشعارات الثورية وحدها والتي أطلقها المثقفون آنذاك دون أن تتبعها خطوات إيجابية عملية على الأرض لن تجدي نفعاً ولن تستطيع أن تنقذ هذه الطبقة المسحوقة من آلامها كما ستفشل في الوقوف أمام الانحلال والفوضى التي تستشري في المجتمع جراء الاستبداد والفساد.
العدالة المفقودة
وتشير المؤلفة إلى أن غياب العدالة الاجتماعية في مصر الأربعينات كان أحد أسباب ظاهرة الاغتراب كما تتجلى بوضوح في رواية «بداية ونهاية»، التي يقدم فيها نجيب محفوظ صورة من صور الصعوبات الاقتصادية التي يتعرض لها المواطن البسيط منذ معاهدة 1936 وحتى عام 1939 قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة. وتعد الرواية من أعنف روايات محفوظ الاجتماعية وأكثرها مأساوية، فالظلم الاقتصادي مطروح، وموضوع الفقر يبدو مهيمناً، كما أن آثار الفقر والحرمان والجوع التي تعاني منه الفئات المسحوقة من المجتمع تبرز جلية في كل أحداث الرواية التي تجري في الأحياء الفقيرة من العاصمة. الأبطال أربعة أخوة في العائلة تجد نفسها بلا معيل ودون معاش يذكر إثر موت الأب الفجائي ومحاولة الأم بكل ما أوتيت من إرادة وتدبير أن تنقذ عائلتها من التدهور الذي يصل إلى حد الانتحار.
وتوضح المؤلفة أن العجز هو أكثر مظاهر الاغتراب تكراراً في البحوث المعنية بهذا الموضوع ويقصد به «شعور الفرد بأنه محكوم بعوامل خارجية ومن ثم فقدانه الشعور بأنه قوة حاسمة ومقررة في حياته»، ويصبح بالتالي منفعلاً بالأحداث لكنه غير فاعل فيها. أما العزلة فتعمق الشعور بالعجز وبانعدام الجدوى لما يؤديه الفرد من أعمال في حياته، وبالتالي يعيش في الإحباط والضياع، فهما نتيجة حتمية لما تعانيه الشخصية من يأس وتمزق وعجز وعزلة.
وترى منى بركات أن مؤلفات محفوظ جسدت كل هذا ببراعة في حقبة الستينيات، وكانت بمثابة مرآة للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر كما أنها تعكس أزمة المثقفين على اختلاف ميولهم مع السلطة في الفترة من 1961 إلى 1967. من بين هذه الأعمال المهمة «اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار»، وهي تعبر بشكل أساسي عن أزمة المثقفين الذين قد شعروا بالعجز وبالضياع من جراء إحباطهم من الأنظمة القمعية التي حكمت العالم العربي في ذلك الحين فضربوا على أنفسهم عزلة تعبر عن قلة حيلتهم وضيق صدورهم بعالمهم ويأسهم من تحقيق ذواتهم فيه.
توضح الكاتبة أنه سواء كان الشعور بالعجز نابعاً من أنفسهم أم نابعاً من أسباب خارجية عن وارداتهم، فإن صاحب نوبل كان يرى أن هذا الشعور بالعجز قد صنع من المثقفين في النهاية نماذج محبطة مغتربة عن عالمها. ويظهر ذلك في شخصية سعيد مهران في رواية «اللص والكلاب»، تلك الشخصية التي كانت نموذجاً لحالة التمزق والعجز التي عاشها اليساريون في تلك الفترة حين أفقدته خيانة المبادئ الثورية معنى الحياة، وبثت مشاعر الإحباط والضياع والقلق الحاد والإحساس بالتمزق والحزن في نفسه. كانت شخصية سعيد مهران، كما تضيف المؤلفة، مرسومة في هذه الرواية «كبطل إشكالي»، وربما لذلك نراه على طول الرواية محبطاً من الأوضاع السياسية التي تسيطر على مصر بسب عدم وفاء الساسة بوعودهم بالعدالة الاجتماعية للشعب من وجهة نظره كيساري، وبسبب عجزه عن التأثير في السياسة العليا لبلاده مما أشعره بالعجز والضياع. ولقد حاولت هذه الشخصية المأزومة أن تخرج من حالة اليأس عن طريقة محاولة قتل «الخونة». لقد وصل إلى درجة من اليأس والعجز جعلت كل طموحه في الحياة هو أن يموت موتاً بلا معنى، وعند ذلك تسترد الحياة معناها المفقود!
المشهد نفسه يتصاعد في حالة من الدراما والعبث في رواية «ثرثرة فوق النيل»، التي ترى الباحثة أنها من أكثر الروايات التي تظهر بها سلبية المثقفين ولا مبالاتهم داخل المجتمع وتشرنقهم حول أنفسهم بدلاً من السعي للتغيير، في مجتمع سيطرت عليه الدولة وعطلت فيه الحريات العامة.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.