يمنيون ينتقدون «تجزئة» اتفاق الأسرى... ويشككون في جدية الحوثيين

غريفيث خلال الاجتماع مع وفدي الشرعية والحوثيين في سويسرا أول من أمس (أ.ف.ب)
غريفيث خلال الاجتماع مع وفدي الشرعية والحوثيين في سويسرا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

يمنيون ينتقدون «تجزئة» اتفاق الأسرى... ويشككون في جدية الحوثيين

غريفيث خلال الاجتماع مع وفدي الشرعية والحوثيين في سويسرا أول من أمس (أ.ف.ب)
غريفيث خلال الاجتماع مع وفدي الشرعية والحوثيين في سويسرا أول من أمس (أ.ف.ب)

انتقد سياسيون وناشطون يمنيون الاتفاق الجزئي الذي توصل إليه وفد الحكومة الشرعية مع الجماعة الحوثية في سويسرا بخصوص تبادل الأسرى والمعتقلين، وعده بعضهم «مكسباً للجماعة وإنجازاً ضئيلاً للمبعوث الأممي مارتن غريفيث بعد قرابة عامين من المشاورات حول هذا الملف الإنساني».
وفي وقت قوبل الاتفاق بترحيب عربي وأممي، شكك جزء كبير من الشارع السياسي المؤيد للحكومة الشرعية في جدية الحوثيين لتنفيذه، وعدّه آخرون «تقدماً أقل مما ينبغي»، خصوصاً أنه لم يشمل إطلاق سراح الصحافيين المحكومين بالإعدام ولا القادة الأربعة المشمولين بقرار مجلس الأمن الدولي.
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي اليمني الدكتور فارس البيل لـ«الشرق الأوسط»: «كخطوة إنسانية فإن الاتفاق جيد. ربما هو أقل مما ينبغي، ومما كان قد تم التوصل إليه في جولات متعددة في الأردن بين الطرفين، وكان دائماً يتعذر الاتفاق في مراحله الأخيرة، وإن كانت غاية هذا الملف منذ استوكهولم هي إطلاق الكل مقابل الكل ولو على مراحل، لكن كانت تلك الخطوات تتعثر دائماً قبل إنجازها، وعاد هذا الاتفاق الآن بهذا العدد المحدود».
وأضاف «لعل المبعوث الأممي لم تعد لديه أدوات يمكن تحريكها سوى هذا الملف، لذلك لجأ إليه من جديد، مع أنه مفيد للطرفين في كل الأحوال، خصوصاً لميليشيا الحوثي التي تشهد تناقصاً في أعداد مقاتليها إثر المعارك الأخيرة على تخوم مأرب، كما أن المبعوث الأممي يريد إنجاز ما يسمى بالاتفاق المشترك الذي يخضع للتعديل من الطرفين، ويعتبر هذا النجاح في ملف الأسرى خطوة ممهدة لقبول هذا الاتفاق وإعلانه».
وشكك البيل في جدية الحوثي بخصوص تنفيذ الاتفاق، قائلاً إن «الحوثي سيبقى العقدة في المنشار، فهو الطرف المتململ من كل الاتفاقات، وسرعان ما يرفضها ولو أعلن موافقته. وربما يكون تنفيذ هذا الاتفاق هو الاختبار الأخير لغريفيث، فإن فشل هذا الاتفاق الجزئي فسيجد المبعوث الدولي نفسه في دائرة العجز، إذ لا يمكنه أن يقفز إلى اتفاق سياسي شامل ولم يتقدم في ورقة بسيطة تم الاتفاق عليها مراراً ولدوافع إنسانية محضة، وضعت بالأساس لتخفيف الاحتقان وإثبات حسن النوايا بين الأطراف لتأهيلها لخوض مفاوضات جادة بها قدر كبير من التنازلات والضغوط. فإذا فشلت في هذه، فإنها أفشل من أن تذهب إلى ما هو أشمل».
وأكد أن «الأمم المتحدة والأطراف الوسيطة تدرك أن الحوثي رغم حاجته العسكرية قبل السياسية لهذا الاتفاق، فإنه دائماً ما يعرقل التنفيذ ويتخلى عن التزاماته، ضمن سياسته المعتمدة على خلق المتاهات وإطالة مداها وإرباك التفاوض بحيل جديدة، فلا هو يرفض ولا هو ينفذ، فيكسب الوقت والجهد والحيلة».

مكسب حوثي

الكاتب الصحافي اليمني وضاح الجليل تحدث بتعابير أكثر حدة، إذ اعتبر الاتفاق برمته «ليس أكثر من تمثيلية هزلية من قبل المبعوث الدولي الذي يحاول من ناحية إنقاذ مهمته من الموت بنبضات إنعاش يائسة، وليفرض على الجميع القبول باستمرار هذه المهمة والتعايش معها، ومن ناحية أخرى تمكين الحوثيين من تحقيق مكاسب سياسية لحماية تقدمهم على الأرض خلال الأشهر الأخيرة أولاً، وتحويل ذلك إلى مكاسب معنوية أمام أنصارهم».
وقال الجليل لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال هذا الاتفاق، حصل الحوثيون على مكسب جديد، إذ تخففوا من الضغوط الدولية لإجبارهم على تقديم تنازلات والدخول في مفاوضات حقيقية، وظهروا كطرف سياسي يستجيب للشرعية الدولية ويتعاطى معها وهذا يتناقض مع حقيقتهم كميليشيا».
وإلى جانب ذلك، فإن «ما يبدو نجاحاً لغريفيث ليس سوى تأكيد على استمراره في إدارة الأزمة وإطالتها، واستبعاد حلها حلاً عادلاً»، كما يرى الجليل. ويضيف «نحن نقترب من إكمال العامين منذ اتفاق استوكهولم الذي فشل تماماً، وأصبح فشله مكسباً للحوثيين، وتراجعت الآمال التي بُنيت عليه إلى مستوى القبول باتفاق تبادل أسرى هش وضئيل، رغم أنه كان ثمة اتفاق لتبادل الأسرى سبق مشاورات استوكهولم بيومين برعاية الأمم المتحدة، وتراجع عنه الحوثيون، وبدلا من البحث في كيفية تنفيذه وإلزام الحوثيين بذلك، ذهب غريفيث إلى عقد مشاورات جانبية حوله كمكافأة للحوثيين على تنصلهم منه أكثر من مرة، ليخرج علينا مؤخراً بهذا الاتفاق الذي وإن كان يخدم خدمة إنسانية لبعض الأسرى والمختطفين، إلا أنه بعيد تماماً عن جوهر الأزمة، وأبعد ما يكون عن إمكانية حلها، وتحقيق العدالة التي تنتصر للمعاناة الإنسانية لليمنيين جميعاً».

حبر على ورق

ولا يبتعد الكاتب اليمني أحمد عباس كثيراً عن طرح سابقيه بخصوص التشاؤم والتشكيك بتنفيذ هذا الاتفاق الذي تم اجتزاؤه لملف الأسرى والذي يعد جزءاً من اتفاق سابق تم التوقيع عليه في العام 2018 ولم تنفذ بنوده. وقال عباس لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى أن يكون مصير هذا الاتفاق الفشل، فالمبعوث الأممي يحاول إيجاد اختراق سياسي في الملف اليمني، وملف الأسرى هو أقل الملفات تعقيداً، ومع هذا لم يتم تحقيق الشيء الكثير فيه، ناهيك عن مماطلة الحوثيين في تنفيذ الاتفاقات، فهم يجيدون التملص من أي اتفاق يوقعون عليه، ويقومون بتقديم أسماء وهمية في كشوفات الأسرى مما يصعب عملية التبادل».
وانتقد توقيت توقيع الاتفاق «والمعارك على أشدها في مارب»، مشيراً إلى أن «عملية تبادل الأسرى تتم من حين لآخر عن طريق وجاهات قبلية وبعيداً عن أي إشراف أممي، وبصورة انتقائية». وأضاف أن «الجولة الأخيرة من الاجتماعات تنص على تنفيذ الاتفاق الذي وقع في الأردن في فبراير (شباط) الماضي على أن تعقد اجتماعات أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وهذا كله يدل دلالة قاطعة على أن مصير هذا الاتفاق سيكون كسابقيه حبراً على ورق، وسيخرج المبعوث الأممي بعد فترة يطالب الأطراف اليمنية بتطبيق الاتفاق، وهلم جرا».


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.