«مرتزقة» سوريون يعودون من ليبيا وآخرون يذهبون إلى أذربيجان وأرمينيا

خبراء روس يشيرون إلى أن انضمامهم إلى الحرب في قره باخ مؤشر لـ«حرب طويلة»

TT

«مرتزقة» سوريون يعودون من ليبيا وآخرون يذهبون إلى أذربيجان وأرمينيا

منذ بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، واظبت موسكو على ترديد تحذيرات قاتمة حول احتمال أن ينتشر عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي في أنحاء مختلفة من العالم، وأنهم سيشكلون في فترة لاحقة بعد انحسار المعارك في سوريا، عناصر توتر إضافية في مناطق النزاعات والبؤر الساخنة، من أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، إلى روسيا ذاتها، وصولاً إلى بعض البلدان الأوروبية.
وأوردت الأجهزة الخاصة الروسية بعد ذلك كثيراً من التقارير التي لفتت إلى «الخطر الكبير»، خصوصاً مع بدء تراجع نفوذ التنظيم وتقلص مساحة سيطرته جغرافياً.
كانت الفكرة الرئيسية أن «المقاتلين الأجانب» في سوريا، سيعودون في وقت من الأوقات إلى بلدانهم الأصلية مزودين بخبرات قتالية كبيرة، مع واقع أنهم «لا يجيدون سوى حمل السلاح»، ما يعني حتمية انخراطهم في أعمال العنف.
في وقت لاحق، اتضح أن تلك التحذيرات كان «مبالغاً فيها كثيراً»، وقد تكون استخدمت لأغراض سياسية، إذ لم ينتشر مقاتلو التنظيم في أنحاء العالم، وباستثناء الإعلان عن نشاط بعض الخلايا المحدودة في بعض المناطق، لم يشكلوا تهديداً جدياً في أي بلد، حسب اعتقاد خبراء. وفي روسيا نفسها، تبين أن كل «الخلايا الإرهابية» التي أعلن عن «ارتباطها» بسوريا خلال السنوات الأخيرة، ضمت مواطنين محليين لم يسبق لهم أن زاروا سوريا، وحتى إن بعضهم قد لا يعرف أين تقع على الخريطة.
انقلب الأمر. وبدلاً من الحديث عن «تهديد العائدين من المقاتلين الأجانب»، طغى على المشهد حضور المقاتلين السوريين أنفسهم، في أكثر من بؤرة قتال خارج أراضيهم. وسلطت معطيات الضوء على إرسال مجموعات من المقاتلين السوريين إلى منطقة جنوب القوقاز وسط احتدام المعارك مجدداً بين أرمينيا وأذربيجان، بعدما كانت أنباء تحدثت في وقت سابق عن ظهور عناصر سورية في المعارك بين الأطراف الليبية.
في الحالين، برزت اتهامات لتركيا بأنها تعمل على زج سوريين من الفصائل التي تدعمها أنقرة في أعمال قتالية مقابل أجر مادي، وهو الأمر الذي دفع مصطلح «المرتزقة السوريين» إلى التداول بقوة أخيراً، مثيراً عاصفة من السجالات لدى النخب السورية حول «البعد الأخلاقي» والأبعاد القانونية واللغوية لهذا المصطلح.
لكن، بعيداً عن السجالات، أكدت مصادر المعارضة السورية بالفعل إرسال مجموعات من المقاتلين المحسوبين على تركيا إلى أذربيجان بهدف تعزيز عمليات الحراسة والدعم للوجود التركي في بعض المنشآت هناك، في حين أكد الجانب الأرميني أن المقاتلين السوريين يشاركون فعلياً، في أعمال قتالية في مرتفعات قره باخ.
اللافت هنا أنه ومثل الوضع في ليبيا، ظهرت معطيات عن وجود مقاتلين سوريين عند طرفي النزاع. وفي مقابل تأكيدات أرمينيا إرسال تركيا مسلحين سوريين، أعلنت وزارة الدفاع الأذرية أن لديها معطيات استخباراتية تؤكد أن بين القتلى والجرحى في الاشتباكات الدائرة في قره باخ، سوريين من أصول أرمينية. وقال فاجيف دارجاهلي المسؤول في وزارة دفاع أذربيجان إنه «حسب المعلومات الاستخباراتية الواردة، فإن بين خسائر العدو العديد من المرتزقة من أصل أرميني من سوريا ومختلف دول الشرق الأوسط. لكن بما أنهم غير مسجلين رسمياً في أرمينيا، فإن العدو يخفي بسهولة هذه الخسائر».
للتذكير، فإن روسيا واجهت اتهامات بإرسال مجموعات من السوريين للقتال في ليبيا إلى جانب الجيش الوطني، بينما أرسلت تركيا مجموعات أخرى للقتال إلى جانب قوات تابعة لحكومة الوفاق.
وخلافاً للوضع في ليبيا، حيث ركزت المعطيات على استخدام السوريين وقوداً في الحرب الجارية، فإن الوضع في المعارك الأرمينية - الأذرية اتخذ بعداً آخر. إذ تشير التقارير إلى أن أنقرة تقوم بإرسال مجموعات من فصائل تركمانية سورية بينها «السلطان مراد»، وهي مجموعات على عداء تاريخي مع أرمينيا، في حين تستقدم يريفان إذا صحت تلك المعطيات، سوريين من أصول أرمينية.
لكن مهما كانت التسميات، وحقيقة الأرقام والمعطيات الجارية على الأرض، فإن المهم في هذه المعطيات، وفقاً لخبراء في موسكو، أن قيام الطرفين بزج قوات من المرتزقة في المعركة يعني الاستعداد لمواجهات طويلة الأمد، لأن الطرفين الأرميني أو الأذري لا يحتاج من وجهة النظر العسكرية لعشرات أو لمئات أو حتى آلاف من المقاتلين الأجانب لحسم المعركة، ما يعني أن الوضع الحالي، يمكن أن يكون مقدمة لتحويل قره باخ إلى بؤرة ساخنة جديدة لفترة طويلة نسبياً، من دون السماح بتغلب طرف على طرف، وهذا وضع يمنح الروس والأتراك والأطراف الأخرى مكاسب في حروب يستخدم بعض السوريين وقوداً إضافياً لها، وفقاً لوصف معلق روسي، وتساءل: «هل يمكن أن نرى زجاً للسوريين في مناطق أخرى؟ (...) وإيران مرشحة إذا ساءت الأحوال مع جيرانها ورأى بعض السوريين أن عليهم رد الدين لهذا البلد، وفنزويلا مرشحة إذا تطورت الأمور، واللائحة قد تطول».
وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قال إن دفعة من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لأنقرة، وصلت إلى أذربيجان، حيث قامت الحكومة التركية بنقلها من أراضيها إلى هناك.
وكانت الدفعة هذه قد وصلت إلى الأراضي التركية قبل أيام مقبلة من منطقة عفرين شمال غربي حلب، وأوضحت مصادر أن دفعة أخرى تتحضر للخروج إلى أذريبجان، في إطار الإصرار التركي على تحويل المقاتلين السوريين الموالين لها إلى «مرتزقة وسط رضوخ كامل من قبل الأخير».
وكان «المرصد السوري» نشر أن الحكومة التركية قامت بنقل أكثر من 300 مقاتل من الفصائل الموالية لها، غالبيتهم العظمى من فصيلي «السلطان مراد» و«العمشات»، من بلدات وقرى بمنطقة عفرين شمال غربي حلب، حيث قالوا لهم إن الوجهة ستكون إلى أذربيجان لحماية المواقع الحدودية هناك، مقابل مبلغ مادي يتراوح بين 1500 و2000 دولار أميركي.
ونشر «المرصد» السبت، أن دفعة جديدة من «المرتزقة» التابعين للحكومة التركية عادوا إلى الأراضي السورية، حيث عاد أكثر من 1400 من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لأنقرة بعد انتهاء عقودهم في ليبيا.
ووفقاً لإحصائيات «المرصد»، فإن تعداد المجندين الذين ذهبوا إلى الأراضي الليبية، بلغ نحو 18 ألف «مرتزق» من الجنسية السورية. وعاد نحو 8500 عنصر منهم إلى سوريا، بعد انتهاء عقودهم وأخذ مستحقاتهم المالية، لافتاً إلى وجود نحو عشرة آلاف من المتطرفين.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم