أحدث رحيل الإعلامي والروائي السوري عدنان فرزات، صدمة كبيرة في نفوس المثقفين العرب، من الخليج إلى مسقط رأسه دير الزور على الضفة السورية لنهر الفرات.
جاء رحيله مفاجئاً، وصاعقاً، هو الذي جمع حوله أطياف المثقفين العرب، خصوصاً في الكويت والخليج. عمله في الصحافة الثقافية المتعددة، وفي مؤسسة «جائزة عبد العزيز البابطين» الفاعلية في النشاط الثقافي على الصعيد العربي والعالمي، جعلت عدنان الذي يتقن فن نسج العلاقات التي لا تنقطع، محلّ ثقة واحترام المثقفين في عموم العالم العربي.
فاجأه المرض، ليصرم السنوات الـ56 التي شيدّها بنفسه؛ عاماً من حلم، وعاماً من عناء، قضى أغلبها في الغربة والمنفى حاملاً همّ وطنه الذي ينزف، وهمّ الثقافة التي خدمها برموش عينيه.
ولد عدنان فرزات في دير الزور، وكانت عائلته من حماة، وفي جامعة حلب درس في كلية الحقوق، وخلال دراسته فيها، بدأ العمل في مجال الصحافة والإعلام، وكانت بدايته صحيفة «الجماهير» في حلب.
في حلب الشهباء واجه عدنان قسوة الحياة وشظفها، يقول في حوار صحافي: «عشتُ أياماً بائسة كنت أمضي يوماً كاملاً على وجبة واحدة، أو ربما سندويتشة، ولم أكن أملك دثاراً في برد حلب المعروف بقسوته، فأضطر للنوم بثيابي الشتوية التي أذهب فيها إلى الجامعة، والعمل البسيط الذي لا يسد فاقتي، وكنت أسكن في غرفة أرى فيها الجرذان تجري من أمامي، وظللت أكافح وأعمل ليل نهار».
المعاناة التي لازمته كظله، أصبحت شبحاً ثقيلاً يحمله معه أينما حلّ: «حملتُ المعاناة منذ طفولتي، بدأتُ حياتي بكفاح مرير وحياة بائسة من الفقر والجوع والتشرد. المعاناة كوّنت لدي أحاسيس مرهفة تجاه الفقراء والبسطاء والمعذبين في هذا الكون والمشردين والذين يعانون».
بعدها حطّ رحاله في الكويت لبعض الوقت، ومنها سافر إلى أكثر من دولة ومدينة حول العالم... «كل دولة أسافر إليها أستقي من أزقتها القديمة ومعالمها التاريخية أثر الإنسان. أصافح في حجارتها عقولاً صنعت هذا المجد المدهش».
في عام 2000 صدرت في دمشق جريدة «الدومري» كأول صحيفة مستقلة منذ عام 1963، وكان شقيقه رسام الكاريكاتور الشهير علي فرزات أبرز مؤسسيها، وأصبح عدنان رئيساً لتحرير الصحيفة، ولم تستمر تجربته فيها طويلاً حيث غادرها مجدداً إلى الكويت، حيث عمل في العديد من الصحف والمؤسسات الثقافية هناك، وكان أبرز تلك الأماكن عمله كمسؤول المركز الإعلامي في مؤسسة «جائزة عبد العزيز البابطين» للإبداع الشعري، ومدير قناة البابطين الثقافية التلفزيونية، ونشاطه المميز في رابطة الأدباء، حيث أصبح سكرتير تحرير لمجلة «البيان» الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين، عمل كذلك في العديد من وسائل الإعلام الكويتية بينها «القبس» و«الأنباء»، ومجلة «المستثمرون»، وصحف خليجية متعددة، حتى استقرّ به المقام، مراسلاً متعاوناً في القسم الثقافي لصحيفة «الشرق الأوسط».
كانت روايته «رأس الرجل الكبير» أول عمل سردي يتعرض للحراك السوري، عبر رصدها لحركة الناس في الأحياء الشعبية لمدينة حلب. وقد أصدر عدنان فرزات خمس روايات هي: «جمر النكايات» 2010، و«رأس الرجل الكبير» 2011، و«كان الرئيس صديقي» 2013، و«لقلبك تاج من فضة» 2014، و«تحت المعطف» 2015، وفي كل أعماله كان عدنان ينحاز للفقراء والمهمشين: «لم أنس الناس البسطاء في رواياتي وكتاباتي. أنا لسانهم وقلمهم الذي يتحدث عن معاناتهم وقلمي يكتب لهم».
أنتج له تلفزيون الكويت أفلاماً وثائقية، منها «ماينهز الفنجان»، و«رحيل الطيور الطائرة»، و«وطني الثاني: على الحلوة والمرة»، و«العتمة والنور». وحظيت أعماله الروائية بالعديد من الندوات والدراسات النقدية.
حمل عدنان فرزات غربته على كتفيه يبحث عن درب يوصله إلى وطنه الذي حلم أن يعود إليه، مشاياً أو محمولاً، وشاءت الأقدار أن تحتضن جثمانه أرض الكويت، كما احتضنت شبابه وعطاءه ومجده الذي سيبقى طويلاً.
عدنان فرزات.. ما أقسى الموت في الغربة!
رحيل «لسان البسطاء وقلمهم»
عدنان فرزات.. ما أقسى الموت في الغربة!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة