وزير الخارجية العراقي ينقل إلى طهران «طلب تهدئة»

شمخاني: طرد القوات الأجنبية أقل عقاب لمقتل سليماني

علي شمخاني وفؤاد حسين خلال لقائهما في طهران أمس
علي شمخاني وفؤاد حسين خلال لقائهما في طهران أمس
TT

وزير الخارجية العراقي ينقل إلى طهران «طلب تهدئة»

علي شمخاني وفؤاد حسين خلال لقائهما في طهران أمس
علي شمخاني وفؤاد حسين خلال لقائهما في طهران أمس

في وقت بحث فيه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ملف العلاقات الثنائية والتهديدات الأميركية مع كبار المسؤولين الإيرانيين خلال زيارته إلى طهران التي انتهت أمس، بحث وكيل رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية قدير ناظمي الملفات ذاتها مع المسؤولين العراقيين في بغداد.
وجاءت المحادثات بين البلدين عقب إبلاغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المسؤولين العراقيين إمكانية غلق واشنطن سفارتها في بغداد بسبب استمرار تعرضها للقصف بالصواريخ من قبل فصائل مسلحة موالية لإيران، وإطلاق السلطات العراقية حملة لتوقيف منفذي الهجمات.
وكشفت مصادر عراقية مطلعة على تفاصيل زيارة وزير الخارجية إلى طهران، لـ«الشرق الأوسط» عن أن حسين «نقل إلى القيادة الإيرانية مضمون التهديد الأميركي بغلق السفارة ومعه طلب عراقي للتهدئة في هذه الظروف، وهو ما انعكس على موقف الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق، لا سيما أن تلك الجماعات لم تعترف علناً بقصف السفارة أو محيطها؛ بل كانت في الغالب تتهم أطرافاً أخرى بهدف خلط الأوراق».
التبليغ العراقي كان، بحسب المصادر ذاتها، «ودياً وواضحاً في الوقت نفسه، وهناك تفهم إيراني له، رغم أن طهران كانت واضحة على صعيد عدم التراجع عن الأخذ بثأر (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني) الجنرال قاسم سليماني» الذي قُتل بغارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الحالي. وفيما نقل حسين الرسالة العراقية ـ الأميركية المزدوجة «بهدوء» إلى الجانب الإيراني، صمتت صواريخ «المنطقة الخضراء» لليوم الخامس على التوالي.
وأعلن وزير الدفاع العراقي جمعة حسين، أمس، أنه بحث مع المسؤول العسكري الإيراني الجنرال قدير نظامي «آفاق التعاون والتنسيق المشترك في المجالات العسكرية بين البلدين». لم يقل وزير الدفاع أكثر من هذه العبارة التي يمكن أن تكون محلاً للنقاش بين الدول في الظروف الطبيعية، لا في ظروف الأزمات، لا سيما الطارئة منها والمتمثلة في حجم التهديد بغلق السفارة وما يمكن أن يترتب عليه من إجراءات قد تحسب لها طهران أكثر من حساب.
في مقابل ذلك، فإن الرسالة الإيرانية إلى العراق لم يعلن عنها المسؤول العسكري الإيراني الذي قيل إن من جملة مهامه «إبلاغ الجهات القريبة من إيران في العراق بالعمل على التهدئة وضبط النفس»، بل جاءت من طهران عن طريق أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني لدى لقائه وزير الخارجية العراقي.
وقال شمخاني عبر موقع «تويتر» إنه «تم التأكيد خلال اللقاء مع وزير خارجية العراق أن الحفاظ على الاستقرار والأمن الدائم في العراق ودعم توجهات المرجعية الدينية هي السياسة الدائمة والثابتة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه العراق».
وعدّ شمخاني أن «طرد القوات الأجنبية من العراق أقل عقاب للمسؤولين» عن مقتل سليماني في بغداد، مطلع العام الحالي. وشملت المباحثات «ملفات ثنائية وإقليمية ودولية»، حسب وكالة «إيسنا» الإيرانية الحكومية. ونُقل عن شمخاني دعوته العراق إلى التعجيل بتفعيل اتفاقيات ثنائية، قال إنها «تحظى بأهمية استراتيجية»، إضافة إلى «تطوير مستوى العلاقات» لـ«نقدم نموذجاً ناجحاً من التعاون الشامل».
وعدّ شمخاني مقتل سليماني «مثالاً واضحاً على إرهاب الدولة». وأضاف أن «أقل عقاب للمسؤولين عن مقتل سليماني هو الخروج الفوري من المنطقة، لا سيما من العراق». ورهن «تفعيل صناعة الاستقرار لدول المنطقة» بالحوار والتعاون الإقليمي «من دون تدخل قوات وافدة من خارج المنطقة»، في إشارة إلى القوات الأميركية. وأبلغ ضيفه أن «أقل ما نتوقعه من الحكومة العراقية المتابعة الجدية للاغتيال في المحافل الدولية».
وفي حين توقف إطلاق الصواريخ على محيط السفارة الأميركية داخل «المنطقة الخضراء»، تواصل استهداف الأرتال التابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وأعلنت «خلية الإعلام الأمني» العراقية، أمس، أن «تفجيراً استهدف رتلاً عسكرياً لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم (داعش) بقيادة الولايات المتحدة في محافظة ذي قار» جنوب العراق.
وقالت الخلية في بيان إن «رتلاً كان ينقل معدات (قوات) التحالف الدولي المنسحبة من العراق بواسطة شركات نقل عراقية وسائقي العجلات من المواطنين العراقيين، تعرض لانفجار عبوة ناسفة في ناحية البطحاء في محافظة ذي قار جنوبي العراق». وأضافت أن «التفجير أدى إلى أضرار بإحدى عجلات الرتل لكنه استمر بالحركة نحو وجهته المقصودة».
واعتذرت السفارة الأميركية في بغداد مقدماً لسكان المناطق المحيطة بها ضمن «المنطقة الخضراء» بسبب الضوضاء التي ستطلقها خلال اليومين المقبلين. وقالت السفارة في بيان إن «السفارة الأميركية ستجري خلال اليومين المقبلين سلسلة من الاختبارات التي تشمل معدات وإجراءات الطوارئ، وسيصل صوت الإنذارات بالخطر وصفارات الإنذار وغيرها من أنواع الضوضاء إلى السكان المقيمين في المناطق المحيطة بالسفارة عند إجراء هذه التدريبات، لذلك تتقدم السفارة باعتذارها عن أي إزعاج».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.