«نيران صديقة» في الجهاز المناعي تساعد الفيروس بدلاً من استهدافه

تتسبب في بعض حالات «كوفيد ـ 19» الشديدة

عامل صحة يجري فحص أجسام مضادة في بالي (أ.ب)
عامل صحة يجري فحص أجسام مضادة في بالي (أ.ب)
TT

«نيران صديقة» في الجهاز المناعي تساعد الفيروس بدلاً من استهدافه

عامل صحة يجري فحص أجسام مضادة في بالي (أ.ب)
عامل صحة يجري فحص أجسام مضادة في بالي (أ.ب)

مثل اللاعب الذي يسجل في شباكه، أو ما يُعرف بـ«النيران الصديقة»، يُمكن أن يفعل جهاز المناعة، ويتحول من مهاجم لفيروس «كورونا» إلى أداة تمنحه القدرة على السيطرة على الجسم، مسبباً أعراضاً حادة من مرض «كوفيد-19».
وخلال دراسة نشرت في 24 سبتمبر (أيلول) الحالي، وقادها جان لوران كازانوفا، من معهد هوارد هيوز الطبي في جامعة روكفلر بأميركا، تم التوصل إلى أن ما لا يقل عن 3.5 في المائة من مرضى «كوفيد-19» لديهم طفرات في الجينات المشاركة في الدفاع المضاد للفيروسات، وما لا يقل عن 10 في المائة من المرضى المصابين بمرض شديد يصنعون «أجساماً مضادة ذاتية» تهاجم جهاز المناعة، بدلاً من محاربة الفيروس.
ويقول كازانوفا، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمعهد هوارد هيوز، إن «رؤية هذه الأجسام المضادة الضارة لدى كثير من المرضى (101 من 987) كانت ملاحظة مذهلة، وهي تقدم التفسير الأول للسبب في أن «كوفيد-19» يمكن أن يكون شديداً جداً لدى بعض الأشخاص، في حين أن معظم المصابين بالفيروس نفسه بخير.
ويضيف أن هذا العمل له آثار فورية على التشخيص والعلاج، حيث إنه إذا كانت نتيجة اختبار شخص ما إيجابية للفيروس، فينبغي اختبار الأجسام المضادة الذاتية، فمن المحتمل أن إزالة مثل هذه الأجسام المضادة من الدم يمكن أن تخفف من أعراض المرض.
وبدأ فريق كازانوفا، بالتعاون مع الأطباء في جميع أنحاء العالم، لأول مرة في تسجيل مرضى «كوفيد-19) في دراستهم خلال شهر فبراير (شباط) الماضي. وفي ذلك الوقت، كانوا يبحثون عن الشباب المصابين بأشكال حادة من المرض للتحقيق فيما إذا كان هؤلاء المرضى يعانون من نقاط ضعف أساسية في أجهزتهم المناعية تجعلهم معرضين بشكل خاص للفيروس.
وكانت الخطة هي فحص جينومات المرضى، وعلى وجه الخصوص مجموعة من 13 جيناً تشارك في مناعة الإنترفيرون (بروتينات صغيرة ذات أنواع عدة تنتجها الخلايا اللمفاوية T المنشطة) ضد الإنفلونزا.
وفي الأشخاص الأصحاء، تعمل جزيئات الإنترفيرون، بصفتها نظام أمان للجسم، على اكتشاف الفيروسات والبكتيريا الغازية، وتطلقون ناقوس الخطر، الأمر الذي يجلب المدافعين المناعيين الآخرين إلى مكان الحادث.
واكتشف فريق كازانوفا سابقاً طفرات جينية تعيق إنتاج الإنترفيرون ووظيفته، والأشخاص المصابون بهذه الطفرات هم أكثر عرضة لبعض مسببات الأمراض، بما في ذلك تلك التي تسبب الإنفلونزا.
ويعتقد الفريق البحثي أن العثور على طفرات مماثلة في الأشخاص المصابين بـ«كوفيد-19» يمكن أن يساعد الأطباء في تحديد المرضى المعرضين لخطر الإصابة بأشكال حادة من المرض، ويمكن أن يشير أيضاً إلى اتجاهات جديدة للعلاج.
وفي مارس (آذار) الماضي، كان فريق كازانوفا يهدف إلى تسجيل 500 مريض مصاب بمرض «كوفيد-19» الحاد في جميع أنحاء العالم في دراستهم. وبحلول أغسطس (آب)، كان لديهم أكثر من 1500 مريض. ولديهم الآن أكثر من 3 آلاف مريض. وعندما بدأ الباحثون في تحليل عينات المرضى، بدأوا في الكشف عن الطفرات الضارة لدى الأشخاص الصغار والكبار.
ووجد الفريق أن 23 من أصل 659 مريضاً خضعوا للدراسة لديهم أخطاء في الجينات المسؤولة عن إنتاج مضاد للفيروسات. وقد أثار ذلك فكرة جديدة، وهي أنه ربما كان المرضى المصابون بـ«كوفيد-19» الشديد يفتقرون أيضاً إلى الإنترفيرون، ولكن لسبب مختلف، فربما كانت أجسام بعض المرضى تؤذي هذه الجزيئات، كما هو الحال في اضطرابات المناعة الذاتية، مثل داء السكري من النوع 1، والتهاب المفاصل الروماتويدي، وقد يصنع بعض المرضى أجساماً مضادة تستهدف الجسم.
وكشف تحليل الفريق لـ987 مريضاً مصاباً بـ«كوفيد-19» المهدِد للحياة عن ذلك تماماً، حيث كان لدى ما لا يقل عن 101 من المرضى أجسام مضادة ذاتية ضد مجموعة متنوعة من بروتينات الإنترفيرون.
واكتشف الباحثون أن هذه الأجسام المضادة تمنع عمل الإنترفيرون، ولم تكن موجودة في المرضى الذين يعانون من حالات «كوفيد-19» الخفيفة.
وتقول المؤلفة المشاركة في الدراسة إيزابيل ميتس، طبيبة الأطفال في مستشفيات جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، التي ساعدت في وقت سابق من هذا العام في تسجيل المرضى في الدراسة وجمع العينات وإجراء التجارب: «إنه اكتشاف غير مسبوق. ومن خلال اختبار وجود هذه الأجسام المضادة، يمكنك تقريباً التكهن بمن سيصاب بمرض شديد».
ووجد الفريق أن الغالبية العظمى (94 في المائة) من المرضى الذين يعانون من الأجسام المضادة الضارة هم من الرجال.
وتقول ميتس إن الرجال أكثر عرضة للإصابة بأشكال حادة من «كوفيد-19»، ويقدم هذا العمل تفسيراً واحداً لهذا التباين بين الجنسين.
ومن جانبه، يثني د. خالد عبد الفتاح، أستاذ الفيروسات بجامعة الزقازيق (شمال شرقي القاهرة)، على نتيجة الدراسة، كونها تكشف عن أحد ألغاز فيروس كورونا، وهو التباين في شدة الإصابة بين الحالات.
ويقول عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط» إن اكتشاف الأجسام المضادة التي تهاجم الجسم، بدلاً من الدفاع عنه، ليس نهاية المطاف، بل إن هناك حاجة لاستكمال هذا العمل بمعرفة المحرك الجيني وراء تلك الأجسام.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.