دريان يخشى «الفتنة» وعودة يهاجم «الأنانيات»

تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الإخفاق في تشكيل الحكومة

مفتي الجمهورية اللبنانية عبداللطيف دريان (الوكالة الوطنية)
مفتي الجمهورية اللبنانية عبداللطيف دريان (الوكالة الوطنية)
TT

دريان يخشى «الفتنة» وعودة يهاجم «الأنانيات»

مفتي الجمهورية اللبنانية عبداللطيف دريان (الوكالة الوطنية)
مفتي الجمهورية اللبنانية عبداللطيف دريان (الوكالة الوطنية)

وسط تبادل الأطراف السياسية في لبنان الاتهامات بالوقوف وراء إجهاض فرصة تشكيل الحكومة، يسود الغموض الواقع اللبناني جراء الفشل في تشكيل حكومة بدفع دولي لتطبيق الإصلاحات وإنقاذ لبنان من عثراته الاقتصادية وأزماته المعيشية. وأعطى اعتذار مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة، بعد أقل من شهر على تكليفه، شعوراً بالعودة إلى المربع الأول، في ظل غموض تام يلف المشهد اللبناني. ووفقاً للدستور، يتعين على رئيس الجمهورية إجراء مشاورات برلمانية ملزمة جديدة، لتكليف رئيس وزراء جديد من أجل تشكيل الحكومة، لكن هذه العملية مهددة مرة أخرى بالتأجيل والتأخير، وربما الفشل مُجدداً.
وأعلن الرئيس اللبناني ميشال عون التزامه بقسمه القاضي باحترام الدستور والقوانين، وصون استقلال الوطن ووحدة أراضيه «حتى اليوم الأخير من عهدي، وسأبقى سداً منيعاً بوجه كل من يحاول المس بمضمونه».
ورأى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أن «اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب شكل خسارة كبيرة إضافية، وتسبب بتداعيات جديدة على الساحة اللبنانية». وناشد دريان، أمس (الأحد)، القوى السياسية «التفاهم بعضهم مع بعض، وفقاً لأحكام الدستور ومصلحة البلاد والعباد، وأن يكون هذا الأمر في أولويات اعتباراتهم قبل الضياع، وقبل أن نصبح في وضع لا نحسد عليه، فتقاذف التهم لا ينفع، بل يؤجج الأمور إلى الأسوأ».
وقال: «لبنان يشهد اليوم تحديات كبيرة يخشى منها إشعال فتنة، لذلك نحذر وننبه ونقول لرجال السياسة عليكم إيجاد مخرج يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم. لا نريد أن نتحدث طائفياً أو مذهبياً، لبنان لا يعيش دور الطائفة الأكبر أياً تكن الطائفة، بل لا يكون إلا بالتفاهم والتوازن وعدم التحدي، ومن دون كيديات سياسية».
وأكد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة «أنه وقت التخلي عن الأنانيات والمصالح الضيقة»، وقال: «لبنان في قعر الهاوية، وهو بحاجة إلى من يقيمه منها، لا إلى من يغرقه أكثر ويشده إلى أسفل. الوقت ليس وقت التمسك بحقيبة وزارية، أو التشدد في المواقف، أو التشفي من الأخصام».
وأضاف في عظة أمس: «معيب جداً أن يهتم الخارج لمصلحتنا أكثر من اهتمام السياسيين والزعماء. معيب أن يتلهى السياسيون بتقاسم الحقائب والتعنت ووضع الشروط لتسهيل قيام حكومة والمواطنون على أبواب السفارات وفي غياهب البحر، ومن بقي منهم في لبنان يبكي حظه السيء، ويستعطي قوته ومستلزمات عيشه، ويلعن من أوصله إلى هذا الدرك». وتابع: «معيب أن يدفع رئيس مكلف لتشكيل الحكومة إلى التنحي بعد شهر من الأخذ والرد دون نتيجة، وكأن لا قيمة للوقت المهدور، فيما الخناق يشتد على أعناق اللبنانيين».
وتبادلت الأطراف اللبنانية الاتهامات حول مسؤولياتها التي أدت إلى اعتذار أديب، وأسف الوزير السابق ريشار قيومجيان لأن «القيمين على البلاد لم يحسنوا الاستفادة من اليد التي امتدت لنا من الخارج للمساعدة، ولم يستجيبوا للمبادرات، بل تفننوا بهدرها، وأضاعوا الفرصة تلو الأخرى».
وقال قيومجيان: «أعلنا (القوات اللبنانية) منذ 2 سبتمبر (أيلول) 2019 أن لا حل إلا بحكومة اختصاصيين مستقلين، ففوتوا فرصة تشكيل هكذا حكومة، ثم فوتوا فرصة ثورة (17 تشرين)، ومطالبة اللبنانيين في الشارع بالتغيير ومحاربة الفساد، وأن يستبدل بالطبقة الحاكمة طبقة جديدة تنقذنا من الواقع المالي والاقتصادي، ومن الفساد والإدارة السيئة للبلاد».
وتابع: «للأسف لم يشعروا بالناس المفجوعة الموجوعة جراء انفجار الرابع من أغسطس (آب) في المرفأ، حيث امتزجت دماء شهدائنا بالضحايا الأبرياء الذي سقطوا في بيروت. للأسف فوتوا مساعي رئيس جمهورية فرنسا الصديقة للبنان، ولم تتشكل الحكومة رغم الحاجة الملحة لها لإنقاذ الوضع. فرغم الحديث عن مصالح، فإنه ما زالت هناك قيم وناس تؤمن بصداقة الشعوب بعضها مع بعض». في المقابل، شدد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي خريس على أن «حركة أمل هي دائماً مع وحدة لبنان واستقراره، لا كما يحاول بعضهم أن يصور أننا نعرقل مسار هذا الاستقرار، وتشكيل حكومة المهمة». وقال: «الكل يعرف أننا كنا دائماً نتنازل من أجل تشكيل الحكومات وتسهيل مهامها لكي يستعيد لبنان عافيته ودوره، في حين أن الغير ممن أرادوا تشكيل حكومة على قياسهم من دون أي احترام للأصول هم من عرقلوا التشكيل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».