عون لا يؤيد تشكيل «حكومة مواجهة»

لأنه يراهن على تعويم المبادرة الفرنسية

عون مستقبلاً أديب السبت الماضي عندما أعلن اعتذاره (دالاتي ونهرا)
عون مستقبلاً أديب السبت الماضي عندما أعلن اعتذاره (دالاتي ونهرا)
TT

عون لا يؤيد تشكيل «حكومة مواجهة»

عون مستقبلاً أديب السبت الماضي عندما أعلن اعتذاره (دالاتي ونهرا)
عون مستقبلاً أديب السبت الماضي عندما أعلن اعتذاره (دالاتي ونهرا)

قال مصدر سياسي لبناني إن العناوين السياسية الرئيسية للمرحلة الراهنة التي ترتبت على اعتذار الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، لا يمكن استقراؤها إلا من خلال المواقف التي أعلنها أمس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمره الصحافي الذي عقده وخصّصه لتناول الأسباب والظروف التي أدت للانقلاب على مبادرته التي طرحها لإنقاذ لبنان وانتشاله من الهاوية التي يتموضع فيها الآن، رغم أن جميع الأطراف المعنية بتوفير الشروط لتسهيل ولادة الحكومة سارعت فور اعتذار أديب إلى تأكيد تمسكها بهذه المبادرة كأنه لا علاقة لهذا الطرف أو ذاك بمحاصرة خريطة الطريق الفرنسية التي تبناها الجميع على الأقل في العلن.
فاعتذار أديب عن عدم تأليف حكومة تتشكل من مستقلين واختصاصيين جاء بعدما اصطدم بحائط مسدود، مع أن ماكرون وضع نفسه في حالة استنفار سياسي، واضطر للتدخل في كل شاردة وواردة لإزالة العقبات التي حالت دون تأليف الحكومة، إضافة إلى أنه أخذ على عاتقه مهمة التواصل شبه اليومي لعله يتمكن من إيجاد مخرج للأزمة التي تمحورت حول إصرار «الثنائي الشيعي» على أن يتسلم وزارة المالية وأن يعود له الحق الحصري في تسمية الوزراء الشيعة واختيار حقائبهم الوزارية.
لكن ماكرون، الذي لن يخطو خطوة إلى الوراء يمكن أن تدفعه إلى سحب مبادرته من التداول مع أنه أبدى انزعاجه الشديد حيال اعتذار أديب، في المقابل لم ينجح في إقناع «الثنائي الشيعي» بأن يتبنى المخرج الذي اقترحه لتسوية العقدة المركزية الناجمة عن الخلاف حول وزارة المالية انطلاقاً من إسنادها إلى وزير شيعي على أن يسميه الرئيس المكلف.

اجتماع عاصف
وكشف المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» عن أن الاجتماع الأخير الذي عقده النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي الرئيس نبيه بري، وحسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، مع أديب عشية الليلة التي سبقت اعتذاره، كان عاصفاً من جانب ممثلي «الثنائي الشيعي»، واستخدمت فيه تعابير سياسية غير مألوفة انطوت على ما يشبه توجيه إنذار.
وقال إن أديب لم يخرج عن هدوئه، مؤكداً لهما أنه ليس في وارد الصدام مع الطائفة الشيعية أو الطوائف الأخرى، وأن تكليفه تشكيل حكومة مهمة جاء بعد توافق الأطراف الرئيسية مع ماكرون على خريطة الطريق التي طرحها لإنقاذ لبنان، والتي يُفترض أن تكون الإطار العام لمسودّة البيان الوزاري للحكومة العتيدة.
ولفت إلى أن ماكرون، وإن كان لم يتطرق إلى تطبيق المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف اللبنانية ولا إلى حصرية وزارات معينة لتكون من حصة هذا الفريق أو ذاك، ركّز على «حكومة مهمة» وأنها يجب أن تكون محصّنة بالوحدة الوطنية، وأكد أن ماكرون سأل ممثل «حزب الله» رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد عن رأيه في مضامين المبادرة، وكان جوابه بأنه يوافق على 90 في المائة منها.
ولما سُئل عن العشرة في المائة التي لا يوافق عليها، أجاب رعد بأنه لا يوافق على وضع قانون انتخاب جديد ولا على إجراء انتخابات نيابية مبكرة مع أن إنجازها يتعارض مع الواقعية السياسية في حال رفض البرلمان حلّ نفسه.
ورأى المصدر أن ماكرون لم يعترض على الملاحظات التي توقّف أمامها رعد في معرض تبريره عدم موافقته على العشرة في المائة من مبادرته، وقال إن رئيس الجمهورية ميشال عون كان أول من أيد المداورة في توزيع الحقائب من دون أن يأخذ البعض برأيه، وهذا ما كرّره في لقاءاته مع أديب.
وعدّ أن مجرد إصرار البعض على تسييس التركيبة الوزارية يقود حتماً إلى تجويف المبادرة السياسية من مضامينها، لأن مجرد الموافقة على استثناء طائفة معينة من المداورة سيدفع بالطوائف الأخرى للمطالبة بأن تُعامل بالمثل.
لذلك قد يكون من السابق لأوانه السؤال عن الخيارات التي سيسلكها عون لتجاوز الأزمة الحكومية التي بلغت ذروتها مع اعتذار أديب، خصوصاً أن لديه مصلحة في أن يُنهي الثلث الأخير من ولايته الرئاسية بفتح الباب أمام إخراج البلد من نكباته، وإلا فإن مصير هذا الثلث لن يكون أفضل حالاً من مصير الثلثين اللذين انقضيا من ولايته.
وفي هذا السياق، لا موانع دستورية تقف حاجزاً أمام تريُّث عون في الدعوة لإجراء استشارات نيابية مُلزمة لتسمية الرئيس البديل لتشكيل الحكومة، وبالتالي فسيضطر إلى تقويم المرحلة السابقة على خلفية قيامه بمسح شامل للمواقف السياسية، شرط أن يأتي مقروناً بما سيقرره ماكرون في ضوء إصرار الفريق السياسي المؤيد لأديب على التعامل مع اعتذاره من زاوية أن الحل في طهران وليس في بيروت وإن كانت القيادة الإيرانية أبلغت كل من راجعها بأن عليه العودة للتفاوض مع «حزب الله»، وهذا ما يدفع بالفريق إياه إلى القول بأن طهران تُمسك بالورقة اللبنانية.
كما أن الفريق نفسه بات على يقين بأن طهران تصرّ على إدراج الورقة اللبنانية في تفاوضها مع واشنطن فور الانتهاء من إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية وإن كان يعتقد بأن الإدارة الجديدة أياً كانت لن تبدّل موقفها من إيران وحليفها «حزب الله».
لكن المؤكد في موقف عون أنه ليس في وارد الموافقة على تشكيل حكومة مواجهة على غرار الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب التي أسقطها «أهل البيت» ممن كانوا وراء تأليفها، وتعزو مصادر سياسية السبب إلى أن عون ليس في وارد تكرار المجيء بحكومة من لون واحد؛ وذلك لسببين: الأول يكمن في إقران التزامه بالمبادرة الفرنسية بالأفعال لا بالأقوال، خصوصاً أنها تقوم على توفير الشروط لتشكيل حكومة تسوية ذات مهمة إنقاذية.
أما السبب الثاني، فيتعلق بأن رهان عون على الحكومة لم يكن في محله، ليس بسبب عدم تناغم دياب مع معظم حلفائه؛ وإنما لعجزها عن وضع خطة إنقاذية طلباً لمساعدة صندوق النقد الدولي الذي تلازم مع تشديد الحصار الدولي على الحكم والحكومة، وقد يكون الحل المؤقت في تمديد فترة تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة من دون تعويمها، إلا في حال انكباب الأطراف على مراجعة حساباتها لعلها تستجيب لشروط المبادرة الفرنسية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.