كنوز من «الفن الأوروبي» في معرض مصري

من جديد تفتح متاحف مصر خزائنها أمام مجمع الفنون بقصر «عائشة فهمي» لينتقي مجموعة استثنائية يقدمها عبر عروض احترافية في النسخة الخامسة من سلسلة معارض «من كنوز متاحفنا» التي كان قد أطلقها مع إعادة افتتاحه عام 2017. وتأتي هذه المرة تحت عنوان «مختارات من الفن الأوروبي» ويضم نحو 120 عملاً فنياً ما بين تصوير زيتي ونحت من مقتنيات ثلاثة متاحف هي «الجزيرة» و«محمود خليل وحرمه» و«الفنون الجميلة» بالإسكندرية، وذلك لنخبة من الفنانين العالميين من بينهم بول غوغان، ورينيه رودان، وكلود مانيه، وإدوارد مانيه، وأوغست رينوار، وألفريد سيسلى وإدجار ديغا.
يلقي المعرض الذي يستمر حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، الضوء على الإبداع الفني الأوروبي في الفترة من منتصف القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، تعريفاً بمرحلة أساسية في تاريخ الثقافة الأوروبية.
ويكشف المعرض من خلال جانب أساسي من محتوياته عن لمحات من الفن الأوروبي والأسماء التي تركت بصماتها على جدار تاريخه، فيضع العدة بين يدي كل من يريد أن يفهم الدور الكبير الذي لعبته الفنون في تغيير الرؤى والمفاهيم في الحضارة الأوروبية وتأثير ذلك على العالم، وكيف أن حركة الفن في مصر بقيت ناشطة بفعل تأثرها بالفن الأوروبي لا سيما بعد افتتاح مدرسة «الفنون الجميلة» في بدايات القرن العشرين.
الفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن المعرض يؤكد اهتمام المصريين في وقت مبكر من تاريخ الفنون بثقافة اقتناء الأعمال العالمية، وهي الآن تستطيع أن تقدم سرداً تاريخيا لهذه المرحلة التاريخية المهمة، وملامح الحياة فيها، لا سيما أن هذه المقتنيات تمثل «قماشة» كبيرة تمتد على مدى قرنين، وهي تمثل ثروة ضخمة فيكفي أن نعرف أن عملاً واحداً لفنان ممن يتضمن المعرض أعمالهم يمكن أن يقام له معرض منفرد في أكبر متاحف العالم، فما بالنا أن بعض هؤلاء الفنانين لهم مجموعة لوحات في متاحفنا».
من أبرز ما يتضمنه المعرض لوحة «نهر السين عند أرجنتي» للرسام الفرنسي كلود مونيه الذي يعد رائد المدرسة الانطباعية في الفن، وترجع أهمية هذه اللوحة إلى أنها تنتمي لمرحلة جديدة في حياته الفنية، تجسد تطور أسلوبه الخاص بعدما انتقل إلى المدينة الصناعية الواقعة غرب باريس «أرجنتي» عام 1872 وتُعد اللوحة نموذجاً يجسد ملامح هذا الأسلوب حيث أصبح مونيه يحتفي بجوهر الطبيعة وبدمج عناصر من الحياة والعالم الصناعي إليها مستخدما ضربات فرشاة قصيرة ما أكسب اللوحة بعداً معاصرا.
وما بين الكلاسيكية والانطباعية تبرز أعمال الفنان الفرنسي أوغست رينوار الذي تطالعنا لوحته «ذات رابطة العنق من التل الأبيض» المشبعة بالألوان القوية والتضاد بين الضوء والظل، وتعكس اللوحة ما عُرف عن رينوار من تذوقه للجمال بداية من أنوثة المرأة إلى الطبيعة الخلابة، وفي هذا العمل تأسر المرأة المشاهد بجمالها الساحر وروح الهدوء والمشاعر المشرقة المتدفقة وأناقة رابطة العنق التي تزيدها كبرياء، وهي من ضمن خمس لوحات أصلية للفنان في متحف محمود مختار. بينما يأخذنا الفنان الإنجليزي ويليام بايتي إلى لوحات تسيطر عليها النساء في طابع الأساطير والتاريخ، ومنها لوحته «الابتهال» من مقتنيات «متحف الجزيرة» التي تعكس ما اشتهر به الفنان من أفكار جريئة وألوان غنية واحتفاء بالجسد الإنساني.
وفي التظاهرة الفنية التي تعكس تأثر الرواد المصريين بالفن الأوروبي بالمعرض، يبرز اسم الرسام الإيطالي أرتورو زانييري، الذي يمكن لزوار المعرض التعرف على فنه من خلال لوحاته وهي من مقتنيات متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، وهي تصور شخصيات من وجهاء وعظماء المدينة، ومنها لوحة «صورة للسيدة روفيه» وكان الفنان الشهير قد هبط إلى الإسكندرية في مستهل القرن العشرين واستوطنها ضمن الفنانين الأجانب من الجاليات المختلفة وأنشأ مرسما بها مع شريف باشا صبري «شقيق الملكة نازلي»، وأعطى دروسا لهواة الفن، ودرس على يديه مجموعة من الفنانين أبرزهم محمود سعيد وأحمد راسم، وسباستي، وجودفيرن، وريمي طويل.
ويُعد المعرض فرصة لمشاهدة واحدة من أهم خمس لوحات عالمية بمتحف «محمود خليل» ومصر وهي «الحياة والموت» للرسام الفرنسي بول غوغان والتي تتعدى قيمتها 80 مليون دولار وفقا لبعض الخبراء، وهي يطلق عليها أيضاً «مستحمات في تاهيتي» وهي تضعنا باختلاف أسلوبها الفني أمام ثراء إبداع غوغان فبرغم انتمائه المعروف للانطباعية إلا أنه كان من مؤسسي حركات فنية أخرى.
وسيتجلى أمام الزوار روائع فنية أخرى مثل لوحة «الغسالات على شاطئ دوفيل» لأوجين لويس و«نزهة سيدات القصر في الحديقة» لأدولف مونتيشيللي، بالإضافة إلى «جمهور في ميدان» لمارسيل كليمنت و«صبية راعية» لإيميل ليفي و«الريف في أواخر مايو» لألفريد سيسلي و«وجه صبي» لإدوارد مانيه.
ومن الرسم إلى فن النحت تطالعنا أعمال أوغست رينيه رودان، وهو واحدٌ من أشهر النحاتين الانطباعيين في القرن التاسع عشر ومن أهم أعماله بالمعرض تمثالي «المفكر» و«حواء»، بينما تطالعنا منحوتات لفنانين آخرين.
ووفق اللبان فإن النسخة الخامسة من «سلسلة كنوز متاحفنا» تواصل النبش في الماضي والمقتنيات المتحفية لتستخرج روائع نادرة، بعضها لم يُعرض من قبل وبعضها الآخر لم يُعرض منذ سنوات طويلة بسبب غلق المتاحف، وسوف يواصل المُجمع الذي أصبح وجهة للفنون الرفيعة اجتذاب الجمهور المصري والأجنبي من مختلف الفئات البحث في الكنوز المصرية لتوصيل رسالة بأن مصر كانت وما تزال مصدراً ومركزاً لاستقبال الفنون من مختلف أنحاء العالم. بحسب وصفه.