فريق «8 آذار» دعم «الثنائي الشيعي» لإسقاط مبادرة ماكرون

عون أبلغ أديب رغبته في تسمية الوزراء المسيحيين

TT

فريق «8 آذار» دعم «الثنائي الشيعي» لإسقاط مبادرة ماكرون

يدخل لبنان، باعتذار الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة الجديدة، في مرحلة من التأزّم بالغة الخطورة، ويكتنفها الغموض بعد أن رمى كرة النار في أحضان من أعاق مهمته بتأليف حكومة مستقلة من اختصاصيين منزوعة من التمثيل الحزبي المباشر، أو بالواسطة، وإن كان تجنّب تسمية الأشياء بأسمائها حرصاً منه على خفض منسوب الاحتقان السياسي والطائفي، رغم أنه بلغ ذروته.
فأديب قرر الاعتذار بعد أن أيقن أن المبادرة الإنقاذية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي التزم بها جميع الأطراف التي التقاها في قصر الصنوبر، أخذت تتهاوى تحت ضغط الشروط التي اعترضت تسهيل ولادة حكومته وتحديداً من قبل الذين انقلبوا على التزاماتهم وتعهّداتهم بدءاً، كما تقول مصادر سياسية، بالثنائي الشيعي الذي التحق به تباعاً تيار «المردة» بزعامة النائب السابق سليمان فرنجية وحزب «الطاشناق» والنائب طلال أرسلان الذي تمايز عن «تكتل لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل.
ولم يشكّل اعتذار أديب مفاجأة للذين واكبوا العقبات التي اعترضت طريقه، وهو يواصل مشاوراته لتأليف الحكومة، ولا لصاحب المبادرة الإنقاذية الرئيس ماكرون، الذي «طارده» لساعات ليل أول من أمس لثنيه عن اعتذاره، وبقي في الوقت نفسه على تواصل مع القيادات المعنية بولادة الحكومة، وأولهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وعلمت «الشرق الأوسط» أن أديب مدد اعتذاره استجابة لرغبة ماكرون، لكنه لم يكن على قناعة بأن تمديد المهلة لتشكيل حكومته ستدفع القوى السياسية لالتقاط الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان من النكبات التي أصابته، وكانت آخرها النكبة التي دمّرت مناطق واسعة من بيروت من جراء انفجار المرفأ.
وحاولت القوى السياسية في الموالاة، أو في المعارضة، أن توحي فور اعتذار أديب تمسكها بالمبادرة الفرنسية، نظراً لتعذّر إيجاد البديل، خصوصاً أن انفجار المرفأ أعاد الاهتمام الدولي بلبنان الذي أدرجه على لائحة الدول التي هي في حاجة لشتى المساعدات شرط التزامه بالإصلاحات.
إلا أن التمسُّك بالمبادرة الفرنسية لا يحجب الأنظار عن المحاولات التي استهدفتها، لتجويفها من مضامينها، ولا عن رد فعل باريس حيال اعتذار أديب، لأنه ليس هناك من ينوب عن ماكرون، ويدّعي أن مبادرته ما زالت قائمة.
لذلك، فإن مرحلة ما بعد اعتذار أديب ما زالت غامضة، ولا يمكن تحديد معالمها على الأقل في المدى المنظور، لأنها أحدثت إرباكاً أدى حتماً إلى إعادة خلط الأوراق.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن رؤساء الحكومات السابقين تجاوبوا مع رغبة ماكرون بإسناد وزارة المالية إلى شخصية شيعية مستقلة، يعود للرئيس المكلف اختيار الاسم الذي سيشغلها، وذلك لإنقاذ المبادرة الفرنسية.
ونقلت عن رئيس حكومة سابق، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قوله إن رفض «الثنائي الشيعي» لطلب ماكرون انطلق من أن من حقه اختيار أسماء مرشّحيه لتولي الحقائب الوزارية، ولن يسجل على نفسه الموافقة على سابقة يمكن أن تستغل لاحقاً وصولاً إلى حصر التسمية بآخرين من خارج هذا الثنائي.
ولفتت إلى أن أديب رفض أن يخص «الثنائي الشيعي» باستثناء يتعلق بتسوية وزرائه، وعزا السبب إلى أنه يحق للآخرين الطلب منه معاملتهم بالمثل، وقالت إنه فوجئ بأمر عمليات أعاد اللحمة إلى «قوى 8 آذار» التي سارعت لاحتضان الموقف الشيعي.
وكشفت أن أديب صارح رئيس الجمهورية ميشال عون، عندما التقاه أول من أمس بالصعوبات التي يواجهها، والتي تطيح بالمعايير التي كانت وراء تكليفه بتشكيل الحكومة، والتي هي من صلب الورقة الفرنسية التي تقدّم بها ماكرون، وتبنّاها الجميع، وتعامل معها على أنها خريطة الطريق لإنقاذ لبنان.
وأكدت أن أديب أبلغ عون بأنه يشكل حكومة مهمة ببرنامج إصلاحي وإنقاذي واضح، وأنه ليس في وارد الخروج عنه، وقالت إنه أكد مضيّه في اعتذاره طالما أن هناك من يطالبه بتوفير الحلول للأزمات المتراكمة منذ إقرار «اتفاق الطائف».
ونقلت عن أديب قوله إن الخلاف على «الطائف» لناحية آليات تطبيقه بدأ منذ 30 عاماً، أي من تاريخ إقراره، فكيف نجد كل هذه الحلول من قبل حكومة مهمة ببرنامج إنقاذي ولمرحلة انتقالية. وأضافت أن عون جدّد تأييده لمبدأ تطبيق المداورة في توزيع الحقائب، وأبدى تفهّمه لموقف أديب بتشكيل حكومة غير سياسية، مشدداً على أن من حقه تسمية الوزراء المسيحيين، طالما أن هناك من يريد تسمية وزرائه.
وعليه، فإن المبادرة الفرنسية أصيبت بانتكاسة، ويبقى السؤال: هل يمكن أن يعاد الاعتبار لها وكيف؟ خصوصاً أن من أعاقها قوى خارجية، تحديداً إيران، وإن كانت أحالت باريس لدى الطلب منها بدعمها على «حزب الله»، وهذا ما كرّرته لدى تدخّل موسكو معها طلباً لتوفير الشروط لإنجاحها.
فإيران برفضها تسهيل ولادة الحكومة، أرادت تمرير رسالة إلى باريس بأن الملف اللبناني مؤجل إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهذا يعني أنها تبقي على الأزمة اللبنانية عالقة للتفاوض حولها مع واشنطن من دون أن تسمح لفرنسا بأن تكون طرفاً في هذه المفاوضات، وبالتالي فإن الرفض جاء من «حزب الله» في مقابل حصر حق الفيتو بطهران، وإنما بغطاء لبناني. ويبقى السؤال: كيف سيتصرف الرئيس عون؟ وهل يتريث بدعوة الكتل النيابية للمشاركة في الاستشارات الملزمة لتسمية من سيخلف أديب؟ أم أنه سيأخذ وقته للوقوف على رد فعل باريس إذا قررت على وجه السرعة أن تعوّم مبادرتها، هذا إذا لم يتعرّض إلى ضغوط لتعويم حكومة حسان دياب، وتمديد فترة تصريف الأعمال.
وإلى أن تتوضح طبيعة الخطوات التي سيلجأ إليها عون في ضوء رد فعل باريس، فإن هناك من أخذ يروّج لعودة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة أو من يسميه.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المعايير والمواصفات التي وضعها أديب بالتفاهم مع ماكرون لتشكيل حكومة من مستقلين واختصاصيين هي نفسها التي كان وضعها الحريري، فور استقالته، والتي لم يعد في وسع أي مرشح لرئاسة الحكومة أن يتجاوزها، أو أن يحاول الالتفاف عليها، وبالتالي ما يقال عن عودة الحريري ليس في محله في ضوء تأكيده لـ«الشرق الأوسط»: «لن أكون رئيساً للوزراء ونقطة على السطر، ولن أسمّي أحداً لتولّي رئاسة الحكومة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم