أشارت ماورا هيلين، وهي تقود في شوارع الريف الأندلسي، نحو مجموعة صغيرة من المنازل البيضاء على تل بعيد بجانب بساتين الزيتون. وقالت هيلين، التي انتقلت مع زوجها جون من بريطانيا منذ 10 سنوات: «وضع تلك المنازل غير قانوني ويمكن أن تهدم». إن وضع أكثر من 5 آلاف منزل في ذلك الوادي الراقي غير قانوني، فقد بنيت بعض المنازل من تلك التي يزيد عددها على الـ250 ألفا، في الأندلس دون تصريح خلال الفترة التي شهد فيها مجال البناء بإسبانيا ازدهارا كبيرا من 2001 إلى 2008. وتم بيع الآلاف من تلك المنازل إلى أشخاص بعضهم من السكان المحليين، وأكثرهم من الأجانب بمن فيهم هيلين، الذين أرادوا التقاعد في مكان خلاب يزخر بأشجار النخيل والمنازل الريفية المبنية من الأحجار القديمة المتهالكة. وعوضا عن ذلك كان من نصيبهم معركة تمتد لـ10 سنوات حول مستقبل تلك المنازل، ولا يبدو أن هذا الصراع يقترب من الحل بحسب اعتقاد كثيرين. وتم القبض على مسؤولين وعاملين بمجال التنمية العقارية بسبب تورطهم في هذه الفضيحة، لكن لم يتم اتخاذ أي قرار يحدد مصير هذه المنازل التي لا تتمتع بصفة قانونية ويمكن أن تهدم في أي وقت.
كانت هناك إشارات خلال الأشهر القليلة الماضية تدل على حدوث تقدم، حيث أقر محاكم ومسؤولون حكوميون بالحاجة إلى التوصل لحل. مع ذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) تم هدم منزلين ملك زوجين بريطانيين على أطراف بلدة كانتوريا. وقالت هيلين، رئيسة رابطة «أبيسوس أوروبانستيكوس ألمانزورا نو»، التي تضم 600 من مالكي المنازل الذين يناضلون من أجل الحفاظ على منازلهم: «إن السلطات تعذب أصحاب المنازل لسنوات من خلال تلويحها بهدم المنازل وهو بمثابة قتل ناعم باستخدام الأوراق والإجراءات واللوائح والخطط». واحتلت أخبار عمليات الهدم والمعارك القضائية العناوين الرئيسية في الصحافة الأوروبية مخلفة وراءها سحابة سوداء تلقي بظلالها على سوق منازل العطلات في المنطقة الذي تحاول استعادة عافيتها بعد انهيار أسعار العقارات الإسبانية بنسبة تزيد على 40 في المائة منذ ارتفاعها إلى الذروة عام 2007 بحسب شركة «تينسا» الإسبانية لتقييم العقارات. وتزداد المبيعات في ماربيلا والمدن الساحلية الأخرى، في حين تتراجع على التلال في الأندلس، حيث يمكن للمشترين العثور على صفقة رابحة. وقال ستيفن غارنر، مدير المبيعات في شركة العقارات «إسبانيش بروبيرتي تشويس»: «يرى الكثير من عملائنا، خصوصا الإسبانيين والبلجيكيين، الجانب السيئ من قضية المنازل غير القانونية من منظور إيجابي، حيث يرون أنه سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار».
وتلقى توم جونز (74 عاما) مؤخرا عرضا لشراء منزله المكون من 3 غرف في الحمراء مقابل 30 ألف يورو أو ما يعادل نحو 37 ألف دولار، في حين أنه اشتراه مقابل 195 ألف يورو عام 2005. ورغم انتظاره 3 سنوات حتى الآن للنظر في استئناف قرار الهدم، قرر الامتناع عن البيع وقال: «نحن نقاوم ذلك طوال الوقت. هل تسأل عن التقدم؟ لا أظن أن هناك أي تقدم، بل محض هراء».
وافقت حكومة الإقليم عام 2012 على قرار بتخصيص يتيح تفادي عمليات الهدم، لكن خلال عامين لم يتمكن سوى بضع مئات من مالكي المنازل من الاستفادة من هذه العملية وتغيير وضع منازلهم بحسب مسؤولين في الحكومة.
وقال غيراردو فازكويز، أحد المحامين الممثلين لأصحاب المنازل: «يحتوي القرار على ثغرة كبيرة؛ فهو ينطبق في أفضل الأحوال على منازل الأفراد أو التجمعات الكبيرة فقط». ولم يشمل الآلاف من المنازل في التجمعات الصغيرة والأجزاء المعاد تقسيمها في مناطق ريفية. كذلك اعتمد القرار على المجالس البلدية في وضع خطط محددة وهو ما يخشى أصحاب المنازل أن يستغرق سنوات.
وحقق أصحاب المنازل نصرا خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) عندما أصدر قاضي حكما بوقف عملية هدم 4 منازل، بل ومنح أصحابها، في سابقة هي الأولى من نوعها، 140 ألف يورو أو ما يعادل 174 ألف دولار كتعويض معنوي لمعاناتهم خلال سنوات. وقال روجر هارفي صاحب أحد المنازل يبلغ من العمر 60 عاما: «لقد شعرنا بالارتياح، لكننا غاضبون من استغراق هذا الأمر 10 سنوات». ورغم الحكم، لا يزال وضع الفيللا، التي يملكها هارفي والمكونة من 3 غرف نوم، غير واضح. ففي الوقت الذي لا يمكن أن تطال يد الهدم الفيللا، لا يعد وضعها قانونيا ولا يمكنه بيعها. ولذلك لا يحق له الاستفادة من المرافق، ويستخدم مولد كهرباء ويحصل على المياه من شاحنة. وأوضح هارفي قائلا: «لا يمكننا تركه، ولا يمكننا بيعه. إنه يمثل كل مدخراتنا».
ويعد مستقبل المنازل غير القانونية موضوعا سياسيا ساخنا في الأندلس، حيث يقول مسؤولون حكوميون إنهم على استعداد لدعم التشريع الجديد الذي من شأنه أن يغير القانون ويقنن أوضاع تلك المنازل.
وقال خوسيه لويز سانشيز تيرويل، أمين عام الحزب الاشتراكي، الذي يحظى بالأغلبية في الأندلس، في ألمرية: «أنا متفائل، فهناك إرادة سياسية لحل هذه المشكلة».
مع ذلك لا تزال هناك عواقب متعددة، حيث يرى خبراء البيئة ضرورة هدم المنازل المشيدة على أرض ملكيتها عامة دون النظر إلى وضع المالك. وهناك أيضا موضوع خطير هو تعويض أصحاب المنازل التي يتم هدمها. ويشكك الكثير من أصحاب المنازل مثل بريان ريد في اقتراب هذه المشكلات من الحل. وقد تلقى ريد مؤخرا إخطارا يفيد بأن الحكومة في الأندلس بدأت عملية هدم منزله. ويعتقد أن كل الأوراق الخاصة بالعقار كانت سليمة عندما دفع 240 ألف يورو عام 2006 مقابل فيللا منفصلة تحت الإنشاء في زورغينا في وادي ألمازورا. مع ذلك تم التحفظ على منزل ريد في إطار تحقيق جنائي في المجلس المحلي لزورغينا. وقال: «بوجه عام نحن نلف في دوائر. لا أشعر أني سأجلس يوما ما على مقعدي وأقول إن كل هذا قد انتهى».
* خدمة «نيويورك تايمز»