سوري يتبرأ من ولده «المرتزق» في ليبيا

قال لـ«الشرق الأوسط»: تركيا و«الإخوان» دفعتا بأبنائنا للقتال خارج الحدود

عناصر مسلحة تابعة لـ«الوفاق» في طرابلس (أ.ف.ب)
عناصر مسلحة تابعة لـ«الوفاق» في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

سوري يتبرأ من ولده «المرتزق» في ليبيا

عناصر مسلحة تابعة لـ«الوفاق» في طرابلس (أ.ف.ب)
عناصر مسلحة تابعة لـ«الوفاق» في طرابلس (أ.ف.ب)

تبرأ معارض سوري من نجله الذي انتقل للقتال في ليبيا بين صفوف قوات «الوفاق» ضد «الجيش الوطني»، واتهم تركيا وتنظيم «الإخوان» بـ«تدمير ثورتنا، والدفع بأبنائنا للقتال خارج حدود بلادنا».
وقال المعارض السوري رياض قزموز لـ«الشرق الأوسط»، إن نجله عبد الباسط (23 سنة) «انتقل للقتال في ليبيا قبل أسبوع»، مشيراً إلى أنه لا يعلم التفاصيل التي رافقت عملية سفره، لكنه أُخبر بذلك «بعد وصوله إلى هناك بيومين».
وعزا قزموز، وهو ناشط سياسي، أسباب انتقال ابنه إلى ليبيا إلى «الظروف القاهرة التي وُضع فيها العديد من الشباب الثائر الذين قاتلتهم تنظيمات مثل (النصرة) و(داعش) فأصبحوا لاجئين بتركيا، ثم عادوا بدعم منها مرة ثانية لقتال الأسد وإيران و(داعش)، كما قيل لهم، لكن للأسف أصبحوا ينفذون أجندات أنقرة».
واستعبد قزموز أن يكون نجله عبد الباسط ذهب إلى ليبيا لأسباب آيديولوجية، «لكن بهدف القتال مدفوعاً بالضغط المالي والفقر». وقال: «أنا وعائلتي أبعد الناس عن فكرة (الجهاد)، كون (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) سبق وقتل شقيقيّ الأول في 2014 والثاني في 2018، وبالتالي فإن من يطلق عليهم (المجاهدون) أعداؤنا مثل نظام الأسد وإيران و(الإخوان)».
ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، إن أنقرة «دفعت بآلاف المرتزقة للقتال» في صفوف قوات «الوفاق»، منذ أن شن «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، الحرب على طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) 2019.
ووجه قزموز رسالة إلى نجله، قائلاً: «بعد غضبي عليك والتبرؤ منك لذهابك للقتال خارج حدود سوريا، وفي ليبيا حصراً التي ليس لنا في حربها ناقة ولا جمل، أوصيك ثم أشدد وأكرر وصيتي لك، بألا ترتكب ما يغضب الله بسفك دم أياً كان... أعداؤنا الحقيقيون الذي دمروا بلدنا وقتلوا أعمامك موجودون في سوريا، وهم الأسد وإيران وميليشياتهم وروسيا والفصائل (الجهادية)».
ووجه حديثه إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قائلاً: «اتق الله في ثورتنا، وفي أكثر من مليون شهيد من أبنائنا ضحوا بأرواحهم من أجل الحرية والديمقراطية، إضافة إلى وجود قرابة 14 مليون مهجّر ونازح منتشرين في جميع أنحاء العالم». وذكّر بـ«المعتقلين والمعتقلات في سجون الطاغية بشار الأسد وبمعتقلات (هيئة تحرير الشام) الإرهابية وبالأيتام والأرامل والعجزة في مخيمات اللجوء على حدود تركيا».
وختم المعارض السوري حديثه الموجه إلى إردوغان، قائلاً: «عدونا الأسد وعصاباته وإيران وميليشياتهم، وما خرجنا بثورتنا لإسقاط أنظمة أو القتال خارج حدود بلادنا». وحمّل «جميع دول العالم الفاعلة بالملف السوري التخلي عن بلادنا وثورتنا وتركها في مواجهة إجرام روسيا وإيران وميليشياتها والأسد، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن».
كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تحدث عن عودة دفعة جديدة من «المرتزقة» إلى سوريا بعد انتهاء عقودهم في ليبيا، خلال الأسبوعين الماضيين، تقدر بنحو 1200 مقاتل، من إجمالي 18 ألف «مرتزق من الجنسية السورية» يوجدون في ليبيا.
وقال الحقوقي الليبي جمال شلوف، إن «قزموز كمن اختار أن يستأصل الورم الخبيث من جسده... تبرؤه من تحول ابنه إلى مرتزق هو انحياز مؤلم لمبادئ الوطنية والشرف حتى ولو كان الثمن البراءة من فلذة كبده». وأضاف شلوف لـ«الشرق الأوسط»، أن «موقف قزموز دليل لا يقبل الشك أو التشكيك بأن إردوغان نجح فعلاً في إذكاء الخلافات وتحويلها إلى صراع مسلح بين أخوة الوطن في سوريا وليبيا ومناطق أخرى، بل وصل حتى إلى التفريق بين أفراد العائلة الواحدة بعد أن حوّل النازحين إلى عبيد ومرتزقة تنبذهم كل الأعراف والاتفاقات الدولية والإنسانية وحتى قلوب آبائهم».
كان قزموز كتب عبر حسابه على «فيسبوك»، ما يشبه اعتذراً لـ«الأحرار» من أبناء شعبه، وقال: «الآن أُخبرت أن ولدي عبد الباسط قرموز ذهب للقتال في ليبيا... أشهد الأحرار والوطنيين وكل سوري صادق بثورته ضد الأسد وعصابات (الإخوان) المفسدين، أنني أتبرأ من ابني إلى يوم الدين، وإن قتل فهو فطيس إلى جهنم وبئس المصير وأحمل إردوغان المسؤولية».
ورأى رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية» الحقوقي جمال الفلاح، في قضية الشاب عبد الباسط قزموز، «دليلاً على أن جماعات الإسلام السياسي استغلت هذه التغيرات وبدعم من تركيا لحرق الوطن العربي، كما أنها تأكيد لوجود مرتزقة من المعارضة السورية يقاتلون في ليبيا بتورط مباشر من إردوغان وحزبه، وهذا على ما أعتقد يعزز موقف الجيش الليبي». وعبر الفلاح عن اعتقاده في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «المرتزقة الذين يوجدون على الأرض الليبية سيغادرون حتماً، لأن ذلك من ضمن شروط القيادة العامة للجيش الوطني».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.