جدل في تونس حول تقليد رموز النظام السابق مناصب حكومية

رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي (إ.ب.أ)
TT

جدل في تونس حول تقليد رموز النظام السابق مناصب حكومية

رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي (إ.ب.أ)

خلَّف قرار تعيين عدد من رموز نظام الحكم السابق لتولي منصب مستشار رئيس الحكومة التونسية الحالية، هشام المشيشي، جدلاً واسعاً حول جدوى تعيين أشخاص، يرى عدد كبير من المواطنين والسياسيين، أنهم ساهموا خلال السنوات العشر الأخيرة لنظام بن علي في إرساء منظومة الفساد واستغلال النفوذ.
واعتبر عدد من المتابعين للشأن السياسي التونسي أن مشروع التعيينات التي ينتظر صدورها في «الرائد الرسمي» (الصحيفة الرسمية للحكومة)، قد يكون موجهاً بالأساس إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي تحدث قبل فترة عن ضرورة استرجاع الأموال التونسية المنهوبة؛ في إشارة إلى الخلافات البارزة بين رأسي السلطة التنفيذية، ممثلين في رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وتشمل التعيينات المنتظرة توفيق بكار الذي شغل في السابق منصب وزير التنمية الاقتصادية ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي، لتقلد منصب المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، والمنجي صفرة الذي شغل منصب وزير دولة لدى وزير الاقتصاد مكلفاً التجارة، قبل أن يعين في منصب مستشار لدى رئاسة الجمهورية، للتكفل بالملف الاقتصادي، إضافة إلى سليم التيساوي الذي عين مستشاراً للشؤون الاجتماعية، وإلياس الغرياني مستشاراً للشؤون الدبلوماسية، وكل هؤلاء ينتمون إلى المنظومة السياسية السابقة.
وبهذا الخصوص، تساءل هشام العجبوني، القيادي في حزب «التيار الديمقراطي» المعارض، عن الرسالة التي يريد رئيس الحكومة إيصالها إلى الرأي العام والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، من خلال تعيينه مستشارين تورطوا في «تكريس منظومة الريع واقتصاد المحاباة، وكانوا شهود زور على تهريب الأموال والتجاوزات الصارخة التي استفادت منها عائلة بن علي وأقاربه وأصهاره»، على حد تعبيره.
وكان عبد الفتاح عمر، رئيس لجنة التحقيق في قضايا الفساد والرشوة التي تشكلت إثر ثورة 2011، قد اتهم في تقريره توفيق بكار، والمنجي صفرة بالمساهمة في الإثراء غير المشروع لأقارب الرئيس السابق وأصهاره المتنفذين في السلطة، وهو ما أثار نقاط استفهام كثيرة حول الرسالة التي يريد رئيس الحكومة إيصالها للشعب، من تعيينات يدرك مسبقاً أنها ستجابه برفض رئاسة الجمهورية والشعب على حد سواء.
في غضون ذلك، أقر رئيس الحكومة زيادات مهمة في أجور الولاة (كبار المسؤولين الحكوميين في الجهات)، وأصدر أمس قراراً يضبط نظام التأجير والامتيازات المخولة للولاة؛ حيث منح هذا السلك راتباً وامتيازات تعادل ما هو مخول لأعضاء الحكومة من وزراء ووزراء دولة. ومن خلال هذه الزيادة، فإن أجر الوالي (المحافظ) بات يتراوح بين الأجر الصافي للوزير (4200 دينار)، والأجر الصافي لوزير الدولة المقدر بحوالي 3250 ديناراً، وبات في حدود 3.5 ألف دينار (نحو 1250 دولار).
وبفضل هذا القرار الجديد، مكَّنت الحكومة الولاة من عدة امتيازات مادية ومعنوية، من بينها التمتع بالمنزل الوظيفي وتأثيثه ومصاريف إصلاحه، وتكفل الدولة بمصاريف الكهرباء والغاز والماء والهاتف، إضافة إلى سيارتين وسائقين، و500 لتر وقود في الشهر الواحد. لكن عدداً من المراقبين انتقدوا هذه الخطوة، واعتبروا أن الزيادة في أجور كبار المسؤولين الحكوميين لا تعكس الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه تونس، وقد تكون سبباً في اندلاع احتجاجات وإضرابات قطاعية للمطالبة بزيادات مماثلة في الأجور.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».