الحريري يخطط لإنقاذ المبادرة الفرنسية ويحمّل «الثنائي الشيعي» مسؤولية فشلها

إعلانه ليس مطبوخاً خارجياً ولا يحاكي «شارعه»

TT

الحريري يخطط لإنقاذ المبادرة الفرنسية ويحمّل «الثنائي الشيعي» مسؤولية فشلها

الخطوة «الانتحارية» التي أقدم عليها رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بإعلان موافقته على احتفاظ الشيعة بوزارة المالية لمرة واحدة مشترطاً أن يختار الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة السفير مصطفى أديب، الوزير الشيعي الذي سيشغل هذه الحقيبة رغبةً منه في إنجاح المبادرة الفرنسية، لم تكن الخطوة الوحيدة، وكان قد سبق له أن وافق بملء إرادته على أن «يتجرع السمّ» عندما توصّل مع العماد ميشال عون إلى تسوية سرّعت في انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية قبل أن تسقط مفاعيلها السياسية.
لذلك فإن الفارق بين الخطوة الانتحارية التي قام بها أول من أمس من دون موافقة زملائه في نادي رؤساء الحكومات السابقين، وبين تلك التي لم تعمّر طويلاً، يكمن في أن «انتحاره الثاني» لم يكن تتويجاً للتفاهم على صفقة مع أي طرف محلي لإزالة العقبات التي تعترض تسهيل ولادة الحكومة الجديدة وتدفع باتجاه عدم التفريط بالمبادرة الفرنسية التي أعادت الاهتمام الدولي بلبنان.
وبكلام آخر فإن الخطوة غير الشعبوية التي أقدم عليها الحريري لا تحاكي شارعه السياسي والطائفي وأحدثت صدمة لدى معظم الدول العربية من خلال سفرائها المعتمدين لدى لبنان الذين فوجئوا كسواهم بخطوته، فيما بادرت الخارجية الفرنسية وبصورة غير مباشرة إلى الترحيب بها بدعوتها إلى تشكيل الحكومة فوراً بلا إبطاء.
وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية إن الحريري أطلق مبادرته لأنه بات على قناعة بأنها تشكّل الفرصة الأخيرة للبنان للانتقال به من مرحلة التأزّم إلى مرحلة الخلاص، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أنه من غير الجائز التعامل مع خطوة الحريري كأنه يريد إنقاذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فحسب، وأنْ لا شيء آخر، وأن لبنان بألف خير وأنْ لا صحة للمخاوف التي بدأت تتحدث عن انفجار اجتماعي وأمني واقتصادي ومعيشي بدأ يدق الأبواب ولن يكون في مقدور أي طرف وقفه.
ولفتت إلى أن الحريري الذي كان قد دفع ثمن التسوية التي أبرمها مع عون، يدرك جيداً رد الفعل الشعبي في شارعه على خلفية أن مبادرته لا تحاكي مزاج السواد الأعظم من محازبيه من دون أن يبادر هؤلاء إلى استخدام الشارع للتعبير عن رفضهم، وقالت إنه أراد من خطوته هذه خفض منسوب الخسائر التي لن تلحق به وبتياره السياسي وإنما بالبلد ككل الذي يقف حالياً على فوّهة بركان ينذر ليس بزوال الدولة فحسب وإنما بارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي والمذهبي.
ورأت المصادر نفسها أن الحريري يفضّل الانسحاب من الحياة السياسية بدلاً من أن يتحول إلى شاهد على اندلاع فتنة سنّية شيعية يجد نفسه عاجزاً عن وأدها، وقالت إنه يتوخى من خطوته هذه تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأنه ليس السبب في إفشال مبادرة ماكرون.
وكشفت أن الحريري تمكّن من حشر «الثنائي الشيعي» في الزاوية ومن خلالها إيران، وقالت إن الكرة في مرماه وأن الرئيس عون يلتقي معه في إصراره على تطبيق المداورة في توزيع الحقائب على الطوائف من جهة، وفي إنجاحه للمبادرة الفرنسية من جهة أخرى، رغم أن التواصل بينهما مقطوع ولم تنجح حتى الساعة المحاولات التي جرت لإعادة فتح قنوات التشاور، وأن إيفاده لعضو كتلته النائب سمير الجسر، للمشاركة في المشاورات التي رعاها عون لا تصب في خانة معاودة تطبيع العلاقات وإنما لتأكيده أنه ليس في وارد إقفال الأبواب في وجه محاولات إنقاذ المبادرة الفرنسية.
واعتبرت المصادر نفسها أن الحريري لم يتطلع من خلال مبادرته الاقتحامية لإحراج «الثنائي الشيعي»، إلى تبرئة ذمته حيال ماكرون وإنما إلى تقديره لزوال الكيان اللبناني إذا لم تنجح المبادرة الفرنسية، خصوصاً أن البديل لن يكون إلا في انفجار الوضع بغياب أي قوة رادعة لاستيعابه.
وأكدت أن أديب لن يلتقي عون قبل أن يتوضّح موقف «الثنائي الشيعي»، وقالت إن رئيس الجمهورية قد لا يتصدر ردود الفعل على مبادرة الحريري ويفضّل التريُّث إلى ما بعد وضوح الرؤية لتباين موقف حركة «أمل» و«حزب الله» منها، خصوصاً الأخير، باعتبار أن رئيس المجلس نبيه بري ليس في وارد التصعيد لكنه لن يتفرّد بموقفه عن حليفه.
وأوضحت أن إصرار رؤساء الحكومات على التمايز بموقفهم عن الحريري يمكن أن يوظَّف في سياق اصطفاف القوى للضغط على «حزب الله»، وقالت: «لا مصلحة للحريري في تصنيف موقف زملائه في نادي رؤساء الحكومات كأنه يتعارض كلياً معه وأن الطلاق السياسي بينهما بات على الأبواب»، وأكدت: «أرادوا أن يحتفظوا لأنفسهم بخط الرجعة». لذلك فإن إعادة تعويم مبادرة ماكرون يتوقّف على رد فعل «حزب الله»، لأن موقفه ينسحب على الموقف الإيراني في ظل الاعتقاد السائد محلياً بأن الحل والربط هو الآن بيد طهران، فهل تبادر إلى رد الجميل لمواقف ماكرون حيال العقوبات الأميركية والاتفاق النووي الأميركي - الإيراني؟ أم أنها ستقرر الانتظار محتفظة لنفسها بالورقة اللبنانية لاستخدامها في التفاوض مع واشنطن عندما يحين موعده في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
وعليه، فإن موقف «حزب الله» من مبادرة الحريري التي طرحها منفرداً من دون التنسيق مع القوى المسيحية والكنيسة المارونية التي أجمعت على تطبيق المداورة وعدم اعتماد مبدأ الحصرية الذي يتيح لطائفة احتكار بعض الحقائب وأيضاً في تمايزه عن موقف رؤساء الحكومات، بات مرتبطاً بالأجندة السياسية لطهران.
فهل تبادر إلى فك حصارها عن تشكيل الحكومة ما يدفع بـ«الثنائي الشيعي» إلى ملاقاة الحريري في منتصف الطريق؟ أم أنه سيتقدّم بالأسباب الموجبة لتعطيل مبادرة ماكرون الذي سيضطر للخروج عن صمته ويضع النقاط على الحروف مسمّياً الأمور بأسمائها، خصوصاً أن تفرّد الحريري لن يشكّل ذريعة لهذا الثنائي لاستخدامها لتبرير رفضه؟



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.