تمت الأسبوع الماضي، في جامعة الكويت، مناقشة أطروحة محمود الحسن، الطالب في الدراسات العليا بقسم الترجمة ضمن برنامج الماجستير التابع لكلية الآداب، بعنوان ترجمة كتاب الباحث اللبناني الإعلامي الزميل حمزة عليان «يهود الكويت وقائع وأحداث» إلى اللغة الإنجليزية. وترأس جلسة النقاش د. مشاعل الحملي وعضوية د. علاء الدين الخرابشة ود. بكري العزام.
والكتابة عن اليهود في الخليج، كما جاء في كتاب العليان «ليست بدعة، ولا هي تدخل في البازار السياسي أو الدرامي، بل تحتاج إلى من يرويها دون حساسية من أجل التوثيق التاريخي، فهؤلاء لهم حضورهم التجاري والخدماتي والاجتماعي والفني، وتحديداً في البحرين والكويت، رغم أنهم استوطنوا الخليج قديماً (أي منذ ما قبل الإسلام) وحديثاً منذ القرن التاسع عشر».
ويأتي كتاب الزميل حمزة عليان، المقيم في الكويت منذ ثلاث وأربعين سنة ليسد فراغاً في المكتبة الخليجية، بعد إصدار الباحث الكويتي يوسف المطيري كتابه «اليهود في الخليج»، وكتاب على الجلاوي «يهود البحرين... مائة عام من الخفاء»، ورواية الكاتب الكويتي وليد الرجيب «أما بعد»، وكتاب نانسي إيلي خضوري (بحرينية الجنسية بريطانية المولد يهودية الديانة، من أسرة تجارية معروفة، تشغل منصب عضو مجلس الشورى منذ 2010) بعنوان «من بدايتنا إلى يومنا الحاضر»، وتبع ذلك عدد من الدراسات والتحقيقات الصحافية التي أشار إليها المحاضر الأكاديمي في الشؤون الآسيوية د. عبد الله المدني، كالدراسة التي نشرتها مجلة الدراسات العمانية عن تاريخ وجود اليهود في السلطنة.
واعتمد عليان في كتابه على 22 كتاباً، وعدد كبير من الصحف العربية والكويتية، إضافة إلى «وثائق عدسانية»، وهي وثائق محلية كويتية معتمدة، وأخرى عثمانية وبريطانية، وقام بجمع عدد من الصور النادرة، وعمل تحقيقات ميدانية، أبرزها التحقيق الذي نشره عن موقع مقبرة اليهود في مدينة الكويت. وخصص فصل بالكتاب عن يهود العالم العربي والجزيرة العربية.
قصة يهود الكويت
يتحدث الكتاب عن حقائق تاريخية موثقة، ويشير إلى الإحصاء التقديري الذي أعده الجغرافي الفرنسي «فيتال كينيه» عام 1890، والذي يقدر عدد سكان الكويت بـ120 ألف مواطن، واليهود بـ50 يهودياً. وكان قدومهم قد تم في عهد حاكم الكويت الثاني الشيخ عبد الله الصباح. أما الباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم، فيرجع تاريخهم إلى عام 1776، عندما احتل صادق خان البصرة، وأخليت من سكانها بمن فيهم اليهود، ليرتحلوا بعدها إلى الكويت.
وهناك، كما جاء في الكتاب، إجماع على أن استقرارهم في هذا البلد الخليجي بدأ عام 1886. وكان الدافع الرئيسي وراء انتقالهم اقتصادي بالدرجة الأولى بحثاً عن الاستقرار لممارسة تجارتهم والعيش بأمان.
أما كتب الرحالة الذين تناولوا أوضاع اليهود، فقد قدرت العدد بين 150 و200 فرد بين 1903 و1904.
ومعظم يهود الكويت جاؤوا من الهند وإيران والبصرة، وتركزوا في «حي شرق» بمدينة الكويت، وفي «حي اليهود»، ومن أبرز العائلات التاجر صالح ساسون محلب وعزرا علفي ومنشي إلياهو ويعقوب بن عزرا وعزرا سيما وروبين وكوهين وحزقيل ويحيى الأفغاني وكورجي روفائيل يعقوب. وقد مارسوا تجارة الأقمشة، ومنهم من التحق بالإرسالية الأميركية، واشتغلوا بتجارة الجلود وبيع الحليب ومصنع للثلج وبيع وشراء الذهب ومحلات الصرافة في بيئة متسامحة، فقد كان ينظر إليهم بصفتهم أصحاب ديانة سماوية، وليس بصفتهم صهاينة، وكانوا يتمتعون بعلاقات طبيعية، ولم يتعرضوا إلى مضايقات أو ممارسات عنصرية، بل على العكس تماماً، كانوا يؤدون حياتهم ويمارسون عباداتهم بشكل طبيعي، ولهم مقبرة وكنيس (عبارة عن بيت عربي قديم)، كما كان لهم حضور واضح في الحياة الفنية، خاصة عائلة صالح الكويتي المولود في الكويت عام 1908 لعائلة عراقية يهودية تعود أصولها إلى مدينة البصرة، وشقيقه داود عازف العود الماهر.
الخروج من الكويت
منذ الثلاثينات حتى 1948 (تاريخ إنشاء إسرائيل)، تبدل المزاج العام في الشارع الكويتي، وشهد حركة خروج عدد من اليهود، مقابل دخول عدد من الفلسطينيين الذي جاءوا في ظل الانتداب البريطاني للعمل في التدريس وفي قطاع النفط. وبدأت مغادرة اليهود فعلياً من نهاية الأربعينيات، فمنهم من عاد إلى العراق، وآخرين إلى إيران، ومنهم إلى فلسطين. ومن العائلات التي خرجت من الكويت الصراف والتاجر كورجي روفائيل يعقوب عام 1947، وأنور منشي كوهين عام 1953، وربما كان آخر المغادرين. ويذكر عليان أنه لم يعثر خلال بحثه على وثائق تؤكد أن هناك قراراً رسمياً اتخذ بإبعاد اليهود في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح. لكنه أشار إلى وجود شكاوى من بعض السكان نتيجة تصرفاتهم، وكان الحدث الأكبر والدافع للهجرة مجدداً من الكويت تشريد الشعب الفلسطيني من أرضه، وهذا ما انعكس على وجودهم، وشعورهم بأنهم محاصرون وغير مرغوب بهم. كما يشير إلى أن التعامل مع اليهود في الكويت خلال فترة الانتداب البريطاني كان على أساس أنهم من «الرعايا الأجانب الموجودين في الكويت».