اتصالات تركية مع قادة أوروبيين... و{اجتماع عسكري فني} مع اليونان

 الرئيس التركي رجب طيب إردوغان
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان
TT

اتصالات تركية مع قادة أوروبيين... و{اجتماع عسكري فني} مع اليونان

 الرئيس التركي رجب طيب إردوغان
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان

دخلت تركيا سباقاً ضد عقارب الساعة في محاولة لتجنب موقف أوروبي حاد خلال قمة بروكسل التي كانت مقررة غداً (الخميس) والتي تأجلت بعد ظهر أمس بسبب مخاوف مرتبطة بأزمة «كورونا». وكان مقرراً أن تنظر القمة في فرض عقوبات على أنقرة بسبب إشعالها التوتر بأنشطة التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط في مناطق متنازع عليها مع اليونان وقبرص، وهما دولتان عضوان في الاتحاد.
وعقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اجتماعاً عبر الفيديو كونفرنس، أمس (الثلاثاء)، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أكد خلاله استعداد بلاده للحوار مع اليونان بشأن المناطق المتنازع عليها. فيما أعلنت الرئاسة التركية عن خطوة تهدئة أخرى تتمثل في اتصال هاتفي بين إردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد التراشق الحاد على مدى الأسابيع الماضية بين أنقرة وباريس والهجوم المتكرر من إردوغان ومسؤولي حكومته على ماكرون. وفي الوقت ذاته، عقد بمقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل الاجتماع العسكري الفني الخامس بين وفدي تركيا واليونان.
وأكد إردوغان لكل من ميركل وميشيل استعداده لاستئناف الحوار مع اليونان بشأن المناطق البحرية المتنازع عليها في شرق المتوسط، قائلاً: «أؤمن أن قرارات مهمة وبناءة ستخرج عن مؤتمر إقليمي لدول شرق البحر المتوسط يتم تنظيمه بمشاركة جميع الأطراف بما في ذلك القبارصة الأتراك»، قائلاً إن «الخطوات اليونانية ستكون مهمة في تحديد كيفية التقدم في الاتفاق على تفعيل قنوات الحوار».
واستبقت اليونان الاجتماع التركي الأوروبي بدعوة أنقرة إلى تقديم إثباتات على رغبتها في تخفيف التوتر في شرق المتوسط.
وشارك في الاجتماع من الجانب التركي وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين، ومدير مكتب الرئاسة حسن دوغان.
وفي تصريحات سبقت الاجتماع، تحدث كالين عن نهج توافقي يسمح بتجاوز الخلافات نظراً للاعتبارات الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط، قائلاً إن «بعض الخلافات السياسية بين تركيا وكل من مصر وإسرائيل لا يجب أن تعيق التعاون معهما في مجال الطاقة... إننا ننظر بإيجابية إلى بدء مؤتمر أو اجتماع أو عملية عادلة لتقسيم موارد الطاقة بمشاركة الدول المشاطئة».
وأعلن متحدث باسم رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بعد ظهر أمس إرجاء القمة الأوروبية التي كانت مقررة ليومي 24 - 25 سبتمبر (أيلول) إلى الأول والثاني من أكتوبر (تشرين الأول) بعد اكتشاف إصابة بـ«كوفيد - 19» في أوساط رئيس المجلس الأوروبي
في الوقت ذاته، تحدثت وسائل إعلام تركية، أمس، عن أن سفينة الأبحاث «أوروتش رئيس» التي عادت إلى ميناء أنطاليا مؤخراً، غادرت الميناء صباح اليوم باتجاه شرق المتوسط، لكنها لم تخرج من المياه الإقليمية لتركيا.
في غضون ذلك، عقد في مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل، أمس، الاجتماع الفني الخامس بين الوفدين العسكريين التركي واليوناني. وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن الاجتماع بحث سبل فض النزاع بين أنقرة وأثينا.
إلى ذلك، شدد رئيس حزب المستقبل التركي أحمد داود أوغلو على ضرورة إبرام اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة بين بلاده ومصر، قائلاً: «يجب إبرام اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة بين تركيا ومصر، فالسبيل لتجنب (خريطة إشبيلية) هو إبرام تلك الاتفاقية».
و«خريطة إشبيلية» وضعها عام 2000 أستاذ الجغرافيا البحرية والبشرية في جامعة إشبيلية بإسبانيا خوان لويس سواريز دي فيفيرو، استناداً إلى وجهة نظر اليونان وقبرص، موضحاً أن حدود المنطقة التي ادعت اليونان أنها الجرف القاري التابع لها في بحري إيجة والمتوسط، وكذلك المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلنتها قبرص عام 2004. تشكلان الحدود الرسمية للاتحاد الأوروبي، وأن حدود اليونان (التي هي حدود الاتحاد الأوروبي) وجرفها القاري يبدأ من جزيرة «ميس» ويمتد جنوباً حتى منتصف البحر المتوسط، بما لا يدع لتركيا متنفساً سوى خليج أنطاليا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟