فرنان بروديل... فهم العالم المتوسطي بضفتيه الجنوبية والشمالية

أحد كبار المؤرخين الفرنسيين في القرن العشرين

فرنان بروديل
فرنان بروديل
TT

فرنان بروديل... فهم العالم المتوسطي بضفتيه الجنوبية والشمالية

فرنان بروديل
فرنان بروديل

يعتبر فرنان بروديل (1902 - 1985) أحد كبار المؤرخين الفرنسيين بل والعالميين في القرن العشرين. وقد اشتهر بمؤلفاته التي أصبحت مراجع لجميع الباحثين الأكاديميين في شتى أنحاء العالم. نذكر من بينها: البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي في عهد الملك فيليب الثاني في عدة أجزاء. ثم معجم الحضارات، ثم كتابات حول علم التاريخ، ثم ديناميكية الرأسمالية، ثم هوية فرنسا في ثلاثة أجزاء، ثم الحضارة المادية، الاقتصاد والرأسمالية في ثلاثة أجزاء أيضا، إلخ... ويعتقد الكثيرون أنه لا يمكن فهم الحضارة الغربية في العمق بدون الاطلاع على كتابات بروديل. وكذلك لا يمكن فهم العالم المتوسطي بكلتا ضفتيه الجنوبية والشمالية أو العربية والأوروبية بدون الاطلاع على ما كتبه عن الموضوع. ولا يمكن فهم التجديد الذي طرأ على علم التاريخ الحديث بدون الاطلاع على تنظيراته الهامة حول هذا الموضوع الخطير. ولذا يفضل ترجمة جميع كتبه إلى اللغة العربية.
يرى هذا المؤرخ الشهير أنه لا يمكن فهم الفكر الأوروبي خارج إطار الحوار مع المسيحية حتى ولو كان هذا الحوار عنيفا عاصفا بل وحتى لو كان مضادا للمسيحية نفسها. ذلك أنه حتى عندما أصبح الإنسان الأوروبي لا متدينا بل وملحدا فإن ردود فعله النفسية، وسلوكه، وأخلاقياته، ظلت متجذرة في التراث المسيحي الذي طبع الحياة الأوروبية بطابعه الخاص على مدار القرون المتطاولة. ويمكن أن نقول عن الإنسان الأوروبي بأنه من «دم مسيحي» كما كان يقول الكاتب المعروف مونترلان عن نفسه بأنه من دم كاثوليكي رغم أنه كان قد فقد الإيمان بالمسيحية منذ زمن طويل ولم تعد له أي علاقة يومية بالدين. بل وأصبح ملحدا بالخالص.
نفهم من كلام بروديل أنه ينبغي التفريق بين المسيحي ثقافيا أو سوسيولوجيا/ والمسيحي إيمانيا وعقائديا. فالمسيحي ثقافيا شخص لا يتقيد بالطقوس والشعائر ولم يعد يؤمن بالعقائد اللاهوتية القديمة ولكن خلفيته الميتافيزيقية تظل مع ذلك مسيحية لأنه تربى في عائلة مسيحية أو لأن المسيحية هي دين الأمة الفرنسية على مدار ألف وخمسمائة سنة على الأقل. هذا الكلام ينطبق أيضا على الناحية الإسلامية. فالكثيرون من المثقفين العرب الحداثيين ما عادوا يمارسون الطقوس والشعائر ولكنهم مع ذلك يظلون ذوي خلفية ميتافيزيقية وحساسية إسلامية.
ملاحظة أخرى: هذا الكلام قاله المؤرخ الشهير قبل ستين سنة على الأقل. وحتما كان صحيحا وقتها ولكن فرنسا تغيرت كثيرا بعد ذلك وخرجت من المسيحية كليا تقريبا.
وأخذ المثقفون يتحدثون عن عهد الخروج من المسيحية. أنظر كمرجع أساسي الباحث الشهير إميل بولا وكتابه عن دخولنا أو بالأحرى دخول الغرب في عهد ما بعد المسيحية والخروج من الدين كليا. وبالتالي ففرنسا كانت لا تزال مسيحية كاثوليكية في أعماقها عندما كتب بروديل هذا الكلام في الخمسينات من القرن الماضي. في ذلك الوقت كان 60 أو 70 في المائة من الفرنسيين يحضرون القداس في الكنيسة يوم الأحد ولو لمرة واحدة في الشهر على الأقل ولكنهم الآن ما عادوا أكثر من 5 في المائة ومعظمهم من العجائز. لقد أصبحت الكنائس فارغة بل وتحولت إلى ما يشبه المتاحف. هذا وقد قال بعضهم الكلام الجوهري التالي: قبل حصول التقدم العلمي والطبي الكبير وتأمين الضمان الصحي والعلاج المجاني للشعب كان الغربيون متدينين جدا ويعتمدون على الله ويبتهلون إليه ويتضرعون إذا ما أصابتهم مصيبة أو حل بهم مرض معين. وأما الآن فما عادوا بحاجة للاستعانة بالله والإكثار من الصلوات والتضرعات لأن الضمان الصحي الكامل أعطاهم الثقة الكاملة بأنفسهم وطمأنهم وأغناهم عن ذلك! ما رأيكم بهذه الفكرة دام فضلكم؟ هل هي فكرة شيطانية أم فكرة واقعية؟ نترك لكم حرية الجواب.
ماذا نستنتج من نظريات بروديل بشكل عام؟ نستنتج أن عصر النهضة في القرن السادس عشر على عكس ما نتوهم لم يكن ملحدا ولا خارجيا على المسيحية. لا ريب في أنه كان معجبا بالحضارة اليونانية - الرومانية القديمة السابقة على المسيحية والتي كانت وثنية. ولكنه كان يحاول دائما أن يصالح بينها وبين المسيحية. بمعنى آخر فإنه لم يكن ملحدا على عكس ما يشاع...
ولكن بروديل يضيف قائلا بأن الحياة الروحية والفكرية لأوروبا كانت مطبوعة دائما بالطابع العنيف للتغيير والتجديد. وهذا ما يميزها عن العالم الإسلامي الذي ظل جامدا لفترة طويلة من الزمن بل ولا يزال حتى الآن. من هنا سر تفوق أوروبا على العالم الإسلامي الذي كان متفوقا عليها يوما ما. فهي - أي أوروبا - تحب القطيعات والطفرات والعواصف الفكرية والثورات العلمية بحثا عن معنى آخر جديد وأفضل باستمرار. ولكن رغم ذلك فإن هذه المتغيرات لا ينبغي أن تنسينا تلك الاستمرارية التواصلية العنيدة لفكرها وحضارتها. وهذه الاستمرارية التواصلية واضحة عبر التجارب المتتالية للفكر الأوروبي بدءا من المجلد اللاهوتي الكبير للقديس توما الأكويني وانتهاء بمقال في المنهج لديكارت مرورا بعصر النهضة والإصلاح الديني وانتهاء بالثورة الفرنسية ثم الثورة الصناعية التي كانت شكلت قطيعة كبرى في تاريخ البشرية.
كتعليق على كلام بروديل هنا نقول ما يلي: يعتبر القديس توما الأكويني أكبر مرجعية مسيحية كاثوليكية في القرون الوسطى. ومعلوم أنه عاش ومات في القرن الثالث عشر (1225 - 1274). وهو إيطالي الأصل ولكن البلدان المسيحية لم تكن مفصولة عن بعضها البعض آنذاك كما حصل بعد تشكل الدول القومية في القرن التاسع عشر. كانوا جميعا من فرنسيين وإنجليز وإيطاليين وألمان إلخ ينتمون إلى العالم المسيحي ويشعرون بأنهم مسيحيون قبل أن يكونوا ألمانا أو فرنسيين أو إيطاليين إلخ... كان الدين آنذاك هو العامل الغالب والأهم في التمييز بين البشر وليس الجنسية أو القومية. يضاف إلى ذلك أن لغة الثقافة والدين والفكر كانت مشتركة بين الجميع ألا وهي اللاتينية. جميع الفلاسفة ورجال الدين الكبار كانوا ينشرون مؤلفاتهم بها إبان العصور الوسطى بل وحتى القرن السابع عشر عصر سبينوزا وديكارت. فيما بعد تشكلت اللغات القومية من فرنسية وإيطالية وإنجليزية وألمانية إلخ وحلت محل اللغة الجامعة: اللاتينية. نضيف بأن الكتاب الذي يشير إليه بروديل هنا من أشهر الكتب المسيحية في القرون الوسطى. ولا يعادله في الجهة العربية الإسلامية إلا كتب الغزالي أو ابن رشد. فما هو هذا الكتاب يا ترى؟ إنه عبارة عن مجلد لاهوتي فلسفي ضخم في ثلاثة أجزاء. وهو أضخم من الكتاب المقدس بثلاث مرات. ويأتي من حيث الأهمية في المرتبة الثالثة بعد الإنجيل ومقررات المجامع الكنسية ورسائل الباباوات وفتاواهم.
وهو مؤلف على الطريقة السكولائية أي المدرسانية الاجترارية القديمة التي كانت متبعة إبان القرون الوسطى. وهي التي ثار عليها ديكارت في كتابه الشهير مقال في المنهج. كتاب توما الأكويني صدر حوالي عام 1270 وكتاب ديكارت عام 1637. أي بعد أربعة قرون تقريبا. وقد أغلق ديكارت بهذا الكتاب العبقري عقلية العصور الوسطى في أوروبا ودشن عقلية العصور الحديثة. والسؤال المطروح هنا هو التالي: من سيغلق عقلية العصور الوسطى في العالم العربي أو الإسلامي كله؟ نقصد بذلك من سيتجاوز كتاب إحياء علوم الدين للغزالي الذي يشبه كتاب توما الأكويني في الجهة المسيحية؟ أين هو ديكارت العربي الذي سينقذنا من الانغلاقات اللاهوتية القروسطية؟ أم أن الجمود سيظل لاصقا بالعالم الإسلامي وبالتالي العربي إلى أبد الدهر؟ لا نعتقد ذلك. فالعالم العربي الذي صنع العصر الذهبي في بغداد وقرطبة يوما ما قادر على صناعته مرة أخرى. وهذا يعني أن ظلمات العصور الوسطى لن تدوم إلى الأبد. فعاجلا أو آجلا سوف تطل علينا أنوار الحضارة العربية الإسلامية مجددا. عاجلا أو آجلا سوف يتصالح الإسلام مع الحداثة والحداثة مع الإسلام. وسوف ينتج عن ذلك الخير العميم ليس فقط لنا وإنما للبشرية كلها.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.