وثائق مخابراتية تكشف لغز اغتيال إسرائيل لفادي البطش في ماليزيا

فلسطينيون في قطاع غزة يحملون ملصقاً نعت فيه حركة «حماس» فادي البطش  (أرشيف - أ.ف.ب)
فلسطينيون في قطاع غزة يحملون ملصقاً نعت فيه حركة «حماس» فادي البطش (أرشيف - أ.ف.ب)
TT

وثائق مخابراتية تكشف لغز اغتيال إسرائيل لفادي البطش في ماليزيا

فلسطينيون في قطاع غزة يحملون ملصقاً نعت فيه حركة «حماس» فادي البطش  (أرشيف - أ.ف.ب)
فلسطينيون في قطاع غزة يحملون ملصقاً نعت فيه حركة «حماس» فادي البطش (أرشيف - أ.ف.ب)

يعد إطلاق النار على المهندس الفلسطيني فادي محمد البطش بماليزيا في أبريل (نيسان) 2018 أحد أبرز الاغتيالات التي نفذتها وكالات التجسس الإسرائيلية في السنوات الماضية.
والبطش، هو مهندس وعالم في مجال الطاقة، يبلغ من العمر 34 عاماً، وقد اغتيل بينما كان يغادر منزله للتوجه إلى مسجد لأداء صلاة الفجر في غومباك بضواحي كوالالمبور، برصاص مسلحين كانا على دراجة.
وقد أثار مقتل البطش الكثير من الغموض، حيث لم يكن أحد يعلم السبب في استهدافه نظرا لكونه مهندسا مغمورا غير معروف بالنسبة لمعظم الأشخاص حول العالم.
وتوصلت صحيفة «التايمز» البريطانية إلى وثائق من المخابرات الإسرائيلية تكشف تفاصيل جديدة عن مقتل البطش.
وقالت الوثائق إن ماليزيا أثبتت مؤخرا أنها قاعدة قوة مثمرة لـ«حركة حماس»، والتي يصنفها الغرب على أنها منظمة إرهابية، مشيرة إلى أن البطش كان رائداً للحركة في ماليزيا.
وأضافت الوثائق أن وكالات المخابرات الإسرائيلية علمت أن البطش كان جزءاً من شبكة تدريب وجمع أموال تديرها «حماس» من غزة، وتمتد عبر العالم.
وأشار تقرير «التايمز» إلى أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية تتبعت تحويل ما لا يقل عن 35 مليون دولار من ماليزيا إلى «حماس» في غزة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي تعتقد أن هذا لا يمثل سوى جزء بسيط من إجمالي الأموال.
وهذه الأموال تمول عمليات «حماس» في غزة والضفة الغربية وتمول جناحها العسكري، وهي «كتائب عز الدين القسام».
وأكد التقرير أن الأموال يتم جمعها بشكل أساسي من المسلمين الماليزيين العاديين الذين قيل لهم إن أموالهم تذهب إلى جمعية خيرية دينية مخصصة لفقراء غزة وصيانة المسجد الأقصى في القدس.
كما يتم تحويل الكثير من النقود من قبل الطلاب العائدين إلى غزة من دراستهم في ماليزيا.
ويوجد حالياً حوالي 3000 طالب فلسطيني في ماليزيا ويعمل الكثير منهم في مجموعات تمثل واجهات لـ«حركة حماس».
ووفقاً لوثائق المخابرات الإسرائيلية، فإن هؤلاء الطلاب لا يقومون فقط بجمع الأموال للحركة، بل يقومون أيضا بأبحاث تتعلق بتطوير أسلحة «حماس».
وأوضحت وثائق المخابرات الإسرائيلية أن البطش كان في الأصل أحد الطلاب الذين تم تمويل دراستهم في كوالالمبور من قبل منظمة الثقافة الفلسطينية الماليزية، والتي صنفتها إسرائيل منظمة إرهابية في فبراير (شباط) الماضي بزعم قيامها بجمع التبرعات لـ«حماس» من سكان جنوب شرقي آسيا.
وأشارت المخابرات الإسرائيلية إلى قيام البطش بحمل الأموال من ماليزيا إلى «حماس» في غزة في وقت مبكر من عام 2011.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت الوثائق أن البطش كان أيضا جزءاً من وحدة تكنولوجية سرية تابعة لـ«حماس» في منظمة «ماي كير» الموجودة بماليزيا، وهي وحدة مسؤولة عن تطوير طائرات من دون طيار وأسلحة أخرى قادرة على الهروب من نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.
وقد نفت منظمة «ماي كير» هذا الأمر.
وأثارت قدرات «حماس» في جمع التبرعات غضب البعض في المجتمع الفلسطيني، حيث إن الحركة التي تسيطر على قطاع غزة هي الخصم اللدود للسلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقراً لها ويقودها الرئيس محمود عباس.
وهذا العام، اشتكى السفير الفلسطيني الرسمي في ماليزيا، وليد أبو علي، في مقابلة صحافية من «اختفاء» الأموال الممنوحة للقضية الفلسطينية.
ودون أن يذكر «حماس» قال: «تساهمون وتجمعون المال، ولكن هل سألتم أنفسكم إلى أين تذهب ومن الذي يحصل عليها؟».
ورغم شكوى السفير الفلسطيني، فإن «حماس» يبدو أنها تتمتع بدعم حكومي كبير في ماليزيا، حيث سبق أن شاركت شخصيات حكومية بارزة، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، في الكثير من الأحداث التي تنظمها الحركة.
وسبق أن قام رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، بزيارة غزة والتقى بمسؤولين كبار في «حماس».



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.