عام 2014.. منجزات علمية كبرى

هبوط تاريخي لمجس فضائي على سطح مذنب واستعادة رجل مشلول لحركته وأحاسيسه

المجس الفضائي «فيله» بعد انفصاله عن السفينة الفضائية «روزيتا» الحاملة له متوجها إلى مذنب «67
المجس الفضائي «فيله» بعد انفصاله عن السفينة الفضائية «روزيتا» الحاملة له متوجها إلى مذنب «67
TT

عام 2014.. منجزات علمية كبرى

المجس الفضائي «فيله» بعد انفصاله عن السفينة الفضائية «روزيتا» الحاملة له متوجها إلى مذنب «67
المجس الفضائي «فيله» بعد انفصاله عن السفينة الفضائية «روزيتا» الحاملة له متوجها إلى مذنب «67

حقق عام 2014 منجزات علمية رائعة لعل أعظمها وأكثرها إثارة كانت رحلة المجس الفضائي «فيله» الذي هبط في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على سطح مذنب «67 بي ــ تشريوموف ــ جيراسييمنكو» السابح في أعماق الكون على مبعدة أكثر من 500 مليون كلم عن الأرض، بعد إطلاقه من سفينة الفضاء الأوروبية «روزيتا».

من النجاحات الفضائية ايضا إعلان علماء سويسريين في 26 نوفمبر إرسال عينات من الحمض النووي «دي إن إيه» في رحلة نحو الفضاء على سطح صاروخ، نجحت في النجاة من الحرارة العالية لدى اختراق الصاروخ الغلاف الجوي للأرض عند نزوله، ما يعني قدرة الخلايا العضوية على الانتقال بين الكواكب.

* نجاحات كونية
تظل رحلة «روزيتا» تمثل ملحمة علمية عالمية شارك فيها علماء من أنحاء العالم وعلى رأسهم علماء الاتحاد الأوروبي. وكانت السفينة قد أطلقت من الأرض قبل أكثر من 10 أعوام ثم وضعت في «حالة سبات» في الكون ثم تم تشغيلها في 20 يناير (كانون الثاني) 2014. ووصلت إلى مقربة من المذنب في 6 أغسطس (آب) الماضي، ثم وصلت أولى بياناتها عن تركيب المذنب في 4 سبتمبر (أيلول) . وأخيرا هبط المجس «فيله» بسرعة خفيفة على المذنب السريع، وكأنه «حشرة تهبط على رصاصة»، حسب وصف أحد العلماء الأميركيين. ثم رصد المجس جزئيات عضوية على سطح المذنب في 18 نوفمبر، وأخيرا تعرف على تركيبة المياه التي تختلف عن تركيبتها على الأرض.
ويعتبر «فيله» الموصوف بـ«النطاط»، لأنه قفز مرتين عن سطح المذنب ليستقر أخيرا عليه، أكبر اختراق علمي لعام 2014، وذلك رغم أن الاختراق لم يكن يتمتع بالمواصفات التقنية المتقدمة لهبوط مجس فضائي على الإجرام السماوية، إذ إن أجهزته صنعت قبل أكثر من عقد من الزمن!
وقد حققت الصين والهند هذا العام إنجازات فضائية كبرى، إذ أتمت عربة «يوتو» الجوالة الصينية على القمر التي هبطت على سطحه في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2013، أول اختبار لها لتربة القمر بداية العام، فيما وصلت الهند كأول دولة آسيوية إلى المريخ بسفينتها المدارية «مانغاليان» في 24 سبتمبر الماضي.
وكانت سفينة «مافن» الأميركية الفضائية قد وصلت قبلها إلى مدارها حول المريخ لدراسة غلافه الجوي في 21 سبتمبر.
ومن النجاحات الكونية إعلان «ناسا» في 17 من ديسمبر الحالي عن عثور عربة «كيوريوسيتي» على المريخ على مركبات تحتوي على الكربون في عينات من صخرة عتيقة في أول اكتشاف قاطع للمواد العضوية على سطح الكوكب، كما اكتشفت تدفقات كبيرة من غاز الميثان قد تنطلق من كائنات حية تنتج الميثان مثل البكتريا.
واختبرت «ناسا» هذا الشهر أيضا بنجاح المركبة الفضائية «أوريون» التي ستستخدم في المستقبل لنقل رواد الفضاء إلى الكواكب، في أول رحلة تجريبية غير مأهولة حول الأرض. كما أطلقت اليابان أيضا مجسا فضائيا في مهمة تستغرق 6 سنوات لجمع عينات من كويكب يأمل العلماء أن تكشف الكثير عن منشأ الحياة. وسوف يقوم المجس «هايابوسا2» (الصقر الجوال) بمسح لسطح الكويكب «1999 جيه يو3» قبل أن يهبط عليه ويجمع العينات منه. ومن المنتظر وصول المجس إلى الكويكب في منتصف عام 2018، وأن يعود بالعينات عام 2020. وشهد هذا العام تطوير تصميم أقمار صناعية لا يزيد عرضها على 10 سنتمترات فقط إلا أنها مزودة بمعدات متفوقة.

* ابتكارات مبدعة
شهد هذا العام تجربة لأول تخاطب بين عقلين على مبعدة 5 آلاف ميل، إذ نجح علماء الأعصاب في 3 سبتمبر الماضي في نقل البيانات بين مخ شخصين عبر الإنترنت. كما نجح علماء شركة «آي بي إم» في صنع شريحة إلكترونية ذات تركيبة عصبية مشابهة لتركيب الدماغ لدى الإنسان، تحتوي على مليون خلية عصبية و256 مليون توصيلة عصبية يمكن برمجتها.
وعرضت أول سيارة رياضية تعمل على المياه المالحة تستخدم نظاما متناهيا في الصغر من خلايا الوقود لتشغيل 4 محركات كهربائية، يصل مداها إلى 600 كلم، وأجيزت اختبارات السيارة المسماة «Quant e - Sportlimousine»، في أوروبا. وعرضت جامعة هارفارد «أسراب الروبوتات ذاتية التنظيم» تتكون من 1000 آلة، فيما طور علماء كوريون روبوتا يسير بسرعة 48 كلم/ ساعة على آلة المشي الأوتوماتيكية. وأخيرا فقد يصبح عام 2014 عام حصول الصين على أكبر عدد من الروبوتات العاملة في العالم بعد توظيف الكثير من الروبوتات الصناعية في البلاد.
وطور الباحثون برنامجا كومبيوتريا بمقدوره التعرف على مشاعر الإنسان بدقة بنسبة 87 في المائة. كما نجح باحثون من «غوغل» وجامعة ستانفورد في تصميم برنامج يتعرف على الأشياء الموجودة في الصور والفيديوهات بشكل يقارب تعرف الإنسان عليها. وأنتجت جامعة كمبردج أول شاشة عرض مرنة تصمم بالغرافين، فيما صمم علماء جامعة ستانفورد الأميركية جهازا لا سلكيا على رقيقة إلكترونية بحجم النملة يتغذى بالطاقة اللازمة لتشغيله من الموجات الكهرومغناطيسية التي تصله وذلك لأغراض استخدامه في شبكة إنترنت الأشياء.
ونجحت شركة «لوكهيد مارتن» في تحقيق اختراق لإنتاج الطاقة بطريقة الاندماج النووي في منشأة صغيرة. وطورت نماذج لبطاريات قابلة للتحلل بيولوجيا يمكن وضعها مع الأجهزة الطبية المزروعة في الجسم، كما عرضت بطارية يمكن شحنها خلال 30 ثانية، وأخرى يعاد شحن 70 في المائة منها خلال دقيقتين وتخدم لمدة 20 سنة.

* أبحاث وتقنيات طبية
من أبرز النجاحات هذا العام ولادة أول طفل في السويد من أم زرع لها رحم، وإنماء أول مهبل لامرأة في المكسيك من خلاياها زرع في جسمها، وإنتاج أول معدة بشرية صغيرة جديدا من الخلايا الجذعية بهدف دراسة القرحة، وتحويل باحثي جامعة هارفارد الخلايا الجذعية الجنينية إلى خلايا منتجة للإنسولين، الأمر الذي يعد بعلاج مرضى السكري.
وتم تركيب يد صناعية تتمتع بحاسة اللمس لرجل هولندي. ولأول مرة أجازت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) إنتاج يد بيونية (بيولوجية - إلكترونية) مطورة بعد 8 سنوات من تطويرها.
إلا أن نجاح العلماء ولأول مرة في العالم في تحويل رجل مشلول إلى شخص قادر على المشي مجددا، قد يمثل أحد أهم منجزات عام 2014. وفي عملية رائدة شهدت زرع خلايا من داخل أنفه في النخاع الشوكي المتضرر على شكل جسر بين أجزائه المعطوبة، نجح فريق من الأطباء البولنديين والبريطانيين، بينهم البروفسور وجيه المصري البريطاني من أصل مصري، في علاج الرجل البلغاري المصاب بالشلل من منطقة أواسط صدره وحتى أخمص قدميه، وتمكينه من الشعور بأعضاء الجزء الأسفل من جسمه، بل وإعادة أحاسيسه الجنسية، بعد استخلاص خلايا دائمة التجدد من جوف أنفه، وتنميتها في المختبر، ثم زرعها في داخل المنطقة المتضررة من العمود الفقري.
ومن النتائج المثيرة اكتشاف البروتين الذي سمي «جونو» (jono) الذي يلعب دورا مهما في عملية الإخصاب في اللبائن (الثدييات)، وظهور أول دليل على قدرة خلاصة الشاي الأخضر على تعزيز وظائف الإدراك والذاكرة. ونجح العلماء لأول مرة في هندسة عضو كامل هو الغدة الزعترية (thymus) يقوم بوظيفته، للنمو داخل جسم الحيوان، كما طور أول اختبار للدم لتشخيص حالات الكآبة الشديدة، وتطورت الأبحاث لإنتاج «حبة السمنة» لمقاومة البدانة بتحويل الدهون البيضاء إلى دهون بنية يسهل حرقها. وتم التحكم لأول مرة بمحركات نانوية أدخلت في الخلايا الحية.
وأعلن باحثون في السرطان في الأول من مايو (أيار) أن السجائر الإلكترونية «تصبح ساخنة جدا بحيث يمكنها أن تنتج عددا من المواد المسببة للسرطان، مثل تلك الموجودة في السجائر الحالية».
ونشرت الخريطة الجينية (الجينوم) لـ17 من الكبر الأشخاص سنا في العالم بهدف رصد الجين المؤدي إلى طول العمر. وفي أبحاث الخلايا الجذعية نجح علماء يابانيون في تحويل خلايا الفئران البالغة إلى خلايا جذعية بعد وضعها في حامض. وتمكن باحثون آخرون من استخدام خلايا جذعية من 25 ملليلترا من الدم في إنماء أوعية دموية خلال 7 أيام، مقابل شهر كامل لمثل ذلك عند استخدام الخلايا الجذعية من النخاع الشوكي. وبدأت في لندن أكبر تجربة على الخلايا الجذعية لتقليل الضرر على القلب يشارك فيها 3 آلاف من المصابين بنوبات قلبية من 11 دولة أوروبية.

* علوم الجينات
شهد هذا العام إجراء أول عملية شبيهة باستنساخ البشر، إذ أعلنت شركة «أدفانسد سيل تكنولوجي» أنها صنعت خلايا جذعية جنينية بشرية بعد إدماج الحمض النووي «دي إن إيه» المستخلص من شخص بالغ، مع خلية من بويضة منفصلة تماما. وحدثت أول محاولة لعرض معلومات مفصلة عن «البروتيوم»، أي التركيبة البروتينية للجسم البشري.
وظهر أن الأوروبي القديم كان داكن البشرة، بعد تحليل التركيبة الجينية لبقايا رجل توفي قبل 7 آلاف عام، كما كان شعره قاتم اللون، إلا أن عينيه زرقاوان. ظهرت أدلة علمية على تحول الديناصورات إلى الطيور.
وتمكن العلماء لأول مرة من توظيف نظام مناعي تستخدمه البكتيريا ضد الفيروسات المهاجمة لها، بهدف تنقيح الأخطاء في الجينات، حيث أجريت أول عملية لهندسة الحمض النووي «دي إن إيه» للقرود في الصين بالطريقة التي تعرف بالرمز «CRISPR» لتعديل الجينات. وظهر أول دليل على أن طريقة «CRISPR» بمقدورها إزالة أعراض الأمراض لدى الحيوانات حيث نجح علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي في شفاء فأر يعاني من اضطراب نادر في الكبد.
وتمكن العلماء من إعادة الحياة إلى فيروس عملاق بعد سبات دام 30 ألف سنة في الجليد، فيما أعلن علماء سيبريا أنهم حصلوا على كمية من الحمض النووي كافية لمنحهم فرصة كبيرة لاستنساخ الماموث الصوفي. كما نجح العلماء، وبعد التلاعب بإشارات الخلايا الجذعية، في تحويلها إلى جنين لسمكة! وأنتج أول كروموسوم لإدماجه داخل خلية الخميرة.
وحصل العلماء على جينوم القهوة الحاوي على 25 ألف جين، وظهر أن سلسلة من الجينات تنتج الكافيين فيها، تختلف عن مثيلاتها التي تنتج الكافيين في الشاي والكاكاو. كما حصلوا على جينوم ذبابة «تسي تسي» المسببة لمرض النوم في أفريقيا وكذلك جينوم العنكبوت، وأنتجت أول بطاطا معدلة جينيا لمقاومة الآفات الزراعية.
وأخيرا، فإن العالم شهد بعض الانتكاسات منها انتكاسة كبرى للسياحة الفضائية بعد سقوط طائرة «سبايس شيب2» الفضائية في صحراء موهافي الأميركية أثناء تجربة لحمل رواد إلى حافة الفضاء الخارجي، واستمرار وتنامي ظاهرة تسخين الأرض، إذ يعتقد أن عام 2014 سيكون الأكثر دفئا حتى الآن. ومن الأخبار المثيرة هذا العام تصحيح العلماء لتأريخ نقوش ورسوم فنية للإنسان القديم عثر عليها في كهف بإندونيسيا، إذ كان يعتقد أنها تعود إلى 10 آلاف سنة مضت وظهر أنها تعود إلى قبل 35 - 40 ألف عام، أي قريبا من تأريخ رسوم الإنسان القديم التي اكتشفت في أوروبا.



5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025
TT

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

2025

كان هذا العام مهماً جداً لقضايا المناخ، حيث تميز ببعض الانتصارات الكبرى.

سياسات المناخ تهدد حقوق الإنسان

وعلى سبيل المثال قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) الماضي، بأن سياسات المناخ الضعيفة في سويسرا تهدد حقوق الإنسان لمواطنيها، ما مهد الطريق لدعاوى قضائية مماثلة فيما يقرب من 50 دولة أخرى.

وحديثاً، دعمت المحكمة العليا في مونتانا بالولايات المتحدة 16 ناشطاً من نشطاء المناخ الشباب في دعواهم القضائية ضد الدولة لانتهاك حقهم في بيئة نظيفة.

ولكن كانت هناك أيضاً بعض الخسائر الكبيرة، مثل جهود شركة «شل» الناجحة للتملص من قاعدة تلزمها بخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.

قضايا المناخ أمام المحاكم

ماذا سيجلب عام 2025؟ فيما يلي حفنة من القضايا المهمة التي قد تكون على جدول الأعمال:

القضية الأولى قد تشكل قواعد المناخ الدولية. إذ تنظر محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تسمى أحياناً «محكمة العالم»، في قضية المناخ التي قد يكون لها أكبر تأثير محتمل. وفي قلب هذه القضية التاريخية سؤالان رئيسان: ما الواجبات التي تقع على عاتق الدول لمكافحة تغير المناخ؟ وما العواقب القانونية التي يجب أن تترتب على الدول إذا خانت هذه الواجبات بطريقة تضر بالمناخ؟

لن يكون رأي المحكمة بشأن هذه القضايا ملزماً قانوناً، ولكنه قد يشكل قواعد القانون الدولي ويمهد الطريق لمقاضاة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات لدورها في تفاقم أزمة المناخ.

رفعت القضية دولة فانواتو في المحيط الهادئ، وهي أكبر قضية للمحكمة على الإطلاق. وعلى مدى أسبوعين في نهاية عام 2024، استمعت اللجنة المكونة من 15 عضواً إلى شهادات مما يقرب من 100 دولة والعديد من الخبراء والجماعات المناصرة الذين يجادلون لصالح وضد القواعد الدولية الجديدة لمحاسبة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري العالمي.

الدول الفقيرة تقاضي الغنية

ويدعي عدد من الدول الفقيرة والجزر الصغيرة أن الدول الغنية مسؤولة عن معظم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، ومع ذلك فإن الدول النامية، التي تنتج انبعاثات منخفضة نسبياً، هي التي تخضع لأشد العواقب تطرفاً، وحتى وجودية. وتقول إن إطار تغير المناخ الحالي -أي اتفاق باريس- يعتمد على التزامات طوعية يصعب فرضها، وأن هناك حاجة إلى قواعد دولية أكثر صرامة وملزمة قانوناً لمعالجة التهديد المتزايد المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة.

وزعمت الدول الغنية، بما في ذلك الدول الملوثة الرئيسة مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا، العكس من ذلك، وأصرت على أن القواعد الحالية كافية. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري في عام 2025. وقال الدكتور دلتا ميرنر، العالم الرائد في مركز العلوم لقضايا المناخ في اتحاد العلماء المعنيين: «إنها (المحكمة) لديها القدرة على إعادة تشكيل حوكمة المناخ الدولية من خلال تقديم إرشادات واضحة وموثوقة بشأن التزامات الدول بموجب القانون الحالي».

قضية لولايات أميركية مناهضة للبيئة

القضية الثانية تهدد الاستثمار البيئي والاجتماعي المتوازن والحوكمة. في قضية «ولاية تكساس ضد شركة (بلاك روك)»، أقامت دعوى قضائية على بعض أكبر مديري الأموال في العالم من قبل 11 ولاية يقودها الجمهوريون بتهمة التآمر لخفض إنتاج الفحم العالمي والترويج لـ«أجندة بيئية مسيسة».

تستهدف الدعوى القضائية، التي تم رفعها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شركات الاستثمار «بلاك روك»، و«ستيت ستريت كوربوريشن»، و«فانغارد غروب»، ويقودها المدعي العام لولاية تكساس كين باكستون، الذي قال إن الشركات «شكلت كارتلاً للتلاعب بسوق الفحم، وتقليل إمدادات الطاقة بشكل مصطنع، ورفع الأسعار»، كل ذلك في محاولة لتعزيز أهداف خفض انبعاثات الكربون.

في الواقع، تستهدف القضية ما يسمى استراتيجيات الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. شاركت المجموعات الاستثمارية الثلاث في مبادرات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.

وقد وصف المحافظون مثل هذه الجهود بأنها «رأسمالية متيقّظة» وشنوا حرباً باستخدام قوانين مكافحة الاحتكار، وهو سلاحهم المفضل. وتتولى محكمة الاستئناف بالدائرة الخامسة، التي تضم عدداً كبيراً من القضاة الذين عينهم الرئيس الجديد دونالد ترمب، النظر في القضية، ويُنظر إليها باعتبارها «قوة محافظة للغاية». وقد تؤثر النتيجة على كيفية إدارة الأموال ومستقبل الاستثمار المراعي للمناخ.

قضية ضد مرافق تجهيز الطاقة

القضية الثالثة قد تكلف مزودي الطاقة الكثير من المال. إذ تتولى بلدة كاربورو الصغيرة في ولاية كارولينا الشمالية دعوى قضائية ضد شركة «ديوك إنرجي»، حيث تقاضي الشركة بتهمة إخفاء المخاطر المناخية المرتبطة بحرق الوقود الأحفوري عن صناع السياسات والجمهور. وتقول الدعوى: «لقد أدت حملة الخداع التي شنتها (ديوك) إلى تأخير التحول الحاسم بعيداً عن الوقود الأحفوري وبالتالي تفاقم أزمة المناخ بشكل ملموس».

إن قضية بلدة كاربورو ضد شركة «ديوك إنرجي» مثيرة للاهتمام لأنها تستهدف شركة مرافق بدلاً من شركة نفط، حيث يتزايد الضغط على شركات المرافق لتتولى زمام المبادرة في التحول في مجال الطاقة.

لا تهدف كاربورو إلى الحد من انبعاثات «ديوك» رغم أن هذا سيكون ممتازاً أيضاً، إذ ووفقاً لمؤشر التلوث المسبب للاحتباس الحراري Greenhouse 100 Polluters Index، تحتل «ديوك» المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الشركات المسببة للانبعاثات في أميركا.

ويؤدي «تحميل الشركة (المسؤولية) إلى الحصول على تعويض للمساعدة في دفع ثمن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مثل إصلاحات البنية التحتية وتحسيناتها لجعل المدينة أكثر قابلية للسكن ومرونة في مواجهة الطقس القاسي. لا أحد يعرف كم ستدفع شركة (ديوك)، لكن نحن نعلم أن المدينة قد تحصل على ما يصل إلى 60 مليون دولار كتعويضات في السنوات المقبلة»، كما قالت رئيسة بلدية كاربورو باربرا فوشي. وكانت الدعاوى القضائية التي تستند إلى مطالبات مماثلة تتزايد منذ عام 2017، لكن لم يتم تقديم أي منها للمحاكمة بعد.

مشاريع سكك حديدية تهدد البيئة

القضية الرابعة مهددة للبيئة، إذ قد تسهل الحصول على موافقة لإنشاء بنية تحتية كارثية من الناحية البيئية.

كانت المحكمة العليا تستمع إلى حجج حول ما إذا كان خط السكة الحديد المقترح بطول 88 ميلاً في ولاية يوتا الأميركية يمكن أن يمضي قدماً رغم تأثيراته البيئية المحتملة.

سينقل خط القطار هذا كميات كبيرة من النفط إلى ساحل الخليج، لكن بناءه كان معلقاً منذ أن قالت محكمة الاستئناف في الأساس إن الجهات التنظيمية لم تأخذ في الاعتبار التأثيرات المناخية والبيئية للمشروع في المنبع أو في المصب الناجمة عن زيادة حركة السكك الحديدية -جوانب مثل الانسكابات النفطية المحتملة، وخروج القطارات عن مسارها، وحرائق الغابات.

وبموجب قانون السياسة البيئية الوطنية (NEPA) القائم منذ فترة طويلة، يتعين على الوكالات الفيدرالية إجراء تقييمات بيئية لمشاريع البنية التحتية مثل هذه، ولكن قد تقرر المحكمة العليا أن التأثيرات البيئية المباشرة للمشروع نفسه فقط -في هذه الحالة، جوانب مثل استخدام الأراضي وجودة المياه- يجب أن تؤخذ في الاعتبار للموافقة على المشروع.

تهديد معايير الهواء النقي في كاليفورنيا

القضية الخامسة هي القرار الذي قد يضع معايير الهواء النظيف في كاليفورنيا في مرمى النيران. إذ ستدرس المحكمة العليا ما إذا كانت مجموعات الأعمال (شركات الوقود الأحفوري) يمكنها الطعن في برنامج الإعفاء الذي يسمح لكاليفورنيا بوضع قواعدها الخاصة بشأن انبعاثات المركبات.

وقد سمح الإعفاء، الذي منحته وكالة حماية البيئة، للولاية بوضع قواعد لعوادم السيارات أكثر صرامة من تلك التي فرضتها الحكومة الفيدرالية، ما أدى إلى تحسين جودة الهواء. كما تلتزم نحو اثنتي عشرة ولاية أخرى بمعايير كاليفورنيا، وكذلك تفعل حفنة من شركات تصنيع السيارات الكبرى، ما يجعل الإعفاء أداة قوية في كبح التلوث الضار ودفع شركات السيارات إلى التحول نحو المركبات الكهربائية.

وتزعم مجموعات صناعة الوقود الأحفوري أن القواعد تسببت في ضرر لها، ويجب إلغاء الإعفاء. ولكن في هذه الحالة بالذات ستقرر المحكمة العليا فقط ما إذا كانت هذه المجموعات تتمتع بالوضع القانوني لتحدي الإعفاء. وفي كلتا الحالتين، تعهد الرئيس المنتخب ترمب بالتخلص من هذا الإعفاء.

مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً