موسكو تتجاهل غارات إدلب وتتحدث عن «استفزاز كيماوي»

لافروف وظريف يبحثان الخميس الوضع في سوريا

TT

موسكو تتجاهل غارات إدلب وتتحدث عن «استفزاز كيماوي»

تجاهلت موسكو أمس، المعطيات عن تعرض مناطق في إدلب لأعنف غارات منذ شهور، وتجنبت وزارة الدفاع الروسية إصدار تأكيد أو نفي صحة المعلومات عن قيام الطيران الحربي الروسي بشن عشرات الغارات على المنطقة، في حين سعت الوزارة إلى توجيه الأنظار نحو ملف آخر، عبر الإعلان عن توافر معلومات لديها حول قيام متشددين في إدلب بالتحضير لما وصف بأنه «هجوم كيماوي» في مناطق جنوب إدلب. واللافت أن عدم صدور أي ردة فعل روسية على الاتهامات الموجهة لموسكو بشن أعنف غارات على إدلب انسحب على المستويين الدبلوماسي والعسكري، إذ خلت الإفادة اليومية التي تصدرها وزارة الدفاع حول الوضع في سوريا من أي إشارة إلى ذلك، كما تعمدت الخارجية الروسية بدورها عدم التعليق على الاتهامات.
كما برز تجاهل متعمد مماثل، لدى وسائل الإعلام الروسية التي لم تتطرق في كل تغطياتها إلى الغارات، خلافاً لمرات سابقة كانت وسائل الإعلام الحكومية فيها تنقل ما ينشر عن مصادر غربية أو عن مصادر المعارضة السورية.
وفي مقابل ذلك، سعى مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية، إلى لفت الأنظار نحو موضوع مختلف، عبر إعادة الحديث عن تحضير متشددين في إدلب لـ«استفزاز كيماوي». وبات هذا الموضوع أشبه بأسطوانة دائمة التكرار لدى الأوساط الروسية في كل مرة تشتعل فيها نقاشات دولية حول الوضع في سوريا، أو تقع حوادث أو تطورات كبرى في إدلب. وكانت المرة الأخيرة التي لجأت فيها موسكو إلى إعلان «توافر معلومات لديها عن استفزاز كيماوي يتم التحضير له» الشهر الماضي، مباشرة، بعد جلسة نقاش في مجلس الأمن حول الملف الكيماوي السوري، تخللتها سجالات حادة بين المندوبين الروسي والسوري من جهة ومندوبي الدول الغربية من جهة أخرى. وعادت موسكو أمس، إلى إثارة هذا الموضوع، عبر إعلان مركز المصالحة عن «تلقيه معلومات» حول تخطيط مسلحين في إدلب لشن «استفزازات كيماوية» بهدف تحميل القوات الحكومية وروسيا المسؤولية عنها.
ووفقاً لنائب رئيس مركز المصالحة، ألكسندر غرينكيفيتش، فإن «المعلومات الواردة تتحدث عن تخطيط مسلحي تنظيم (جبهة النصرة) لتنفيذ استفزاز باستخدام مواد سامة في القطاع الجنوبي من منطقة خفض التصعيد في إدلب».
وقال العسكري الروسي إن «المسلحين ينوون فبركة هجمات كيماوية في مدينة أريحا وبلدة بسامس بغية اتهام قوات الحكومة السورية لاحقاً باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين».
وأشار غرينكيفيتش إلى أن «التحضيرات جارية في أماكن الاستفزازات» المتوقعة لتصويرها، بمشاركة ناشطين في «الخوذ البيضاء». اللافت أن المسؤول العسكري لم يشِر، مثل المرات الماضية، إلى مصادر المعلومات التي حصلت عليها وزارة الدفاع. ودعا مركز المصالحة الروسي قادة الفصائل المسلحة إلى «الامتناع عن الاستفزازات العسكرية واتباع مسلك التسوية السياسية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع أن الجيشين الروسي والتركي أجريا أمس، تدريبات مشتركة جديدة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، نفذوا خلالها تمريناً على صد هجوم استهدف دوريات.
وقال يفغيني بولياكوف، نائب رئيس مركز التنسيق في منطقة خفض التصعيد في إدلب، إن «الهدف الأساسي للتدريبات المشتركة معالجة قضايا التنسيق بين العسكريين المشاركين بشكل مباشر في الدوريات، وإجراءات تنظيم الاتصالات على الطريق باستخدام إشارات خاصة». ووفقاً له، فإن المهمة الرئيسية للتدريب كانت «العمل على التفاعل بين جيشي البلدين في حالة الطوارئ، بما في ذلك في إطار محاكاة معركة مع قوافل تابعة للمسلحين. وشملت التدريبات عمليات سريعة ومشتركة لإخلاء الجرحى وسحب المعدات المعطوبة، كما تم وضع ترتيب لاستدعاء وحدات المساندة». وهذا التدريب هو الثالث من نوعه بين الجيشين الروسي والتركي في إدلب، منذ بداية الشهر الماضي، وبدا توقيته لافتاً على خلفية التصعيد العسكري الواسع في إدلب خلال اليومين الماضيين، خصوصاً أن بعض المصادر رأت في عمليات القصف الروسي على مناطق في إدلب رسالة إلى الجانب التركي الذي يتولى وفقاً للاتفاقات الروسية - التركية ضبط الأوضاع في المنطقة.
على صعيد آخر، أعلن في موسكو أمس، أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سيزور العاصمة الروسية الخميس المقبل، لإجراء مشاورات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وقال زامير كابولوف، مدير دائرة آسيا الثانية في وزارة الخارجية الروسية، إن البحث سوف يتطرق إلى «العلاقات الثنائية وتطورات الوضع في سوريا والملف النووي الإيراني وقضايا إقليمية أخرى».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.